تسبب قرار الرئيس الأمريكي المفاجئ سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا وإعلانه أنه حان الوقت لإخراج الولايات المتحدة مما سماها "حروباً عبثية لا نهاية لها" في زلزال من ردود الأفعال، فماذا يعني قرار ترامب وكيف يؤثر على الأوضاع في الشرق الأوسط وأفغانستان وغيرها من البؤر الساخنة حول العالم؟
ماذا قال ترامب؟
دونالد ترامب كتب على تويتر: "انتُخبت لإخراج أمريكا من تلك الحروب العبثية التي لا نهاية لها، حيث يعمل جيشنا العظيم بدور الشرطي لصالح شعب لا يحب حتى الولايات المتحدة. أكثر دولتين لا تروق لهما هذه الخطوة هما روسيا والصين لأنهما تحبان رؤيتنا غائصين في مستنقع"، وأضاف: "سنركز على الصورة الكبيرة، مدركين أن بإمكاننا دائماً العودة".
ما هو الموقف في شمال شرق سوريا؟
تغريدات ترامب تزامنت مع انسحاب القوات الأمريكية الموجودة في شمال شرق سوريا وإعلان أنقرة عن قرب بدء تحرك منفرد من جانبها لإقرار المنطقة الآمنة التي كانت تتفاوض مع واشنطن بشأنها. تركيا تريد إنشاء منطقة آمنة بعمق نحو 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية لتحقيق هدفين تعتبرهما أنقرة ضرورة لأمنها القومي، الأول هو إبعاد قوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد الذين تعتبرهم منظمة إرهابية والثاني توفير مناطق لإعادة أكثر من مليوني لاجئ سوري على أراضيها إلى بلادهم.
انتقادات لاذعة للقرار
قرار ترامب وضعه في مرمى نيران الخصوم والأصدقاء على حد سواء داخل واشنطن، حيث شن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل هجوماً لاذعاً على البيت الأبيض، وقال في بيان: "الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية من سوريا لن يصب سوى في مصلحة روسيا وإيران ونظام الأسد وسيزيد من خطر نهوض الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات المتشددة مرة أخرى".
ورغم أن مكونيل أحد أبرز المدافعين عن ترامب، إلا أنه لم يكتفِ بالبيان بل ظهر في أكثر من برنامج تليفزيوني مهاجماً القرار وواصفا قول ترامب بأن "داعش انتهت" بأنه "كذبة كبيرة".
زعيمة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي انتقدت هي الأخرى قرار ترامب: "هذا القرار يشكل تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار الإقليميين ويبعث برسالة خطيرة لإيران وروسيا وكذلك لحلفائنا مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً مؤتمناً"، ودعت ترامب في البيان إلى "العدول عن هذا القرار الخطير".
هل هو انسحاب أم إعادة انتشار؟
خطورة قرار ترامب وتبعاته أجبرت المتحدث باسم البيت الأبيض في وقت لاحق للتخفيف من الصدمة، بقوله إن القوات الأمريكية لن تنسحب من سوريا ولكن سيعاد انتشارها فقط، وهو ما قد يكون مؤشراً على تراجع ترامب كما فعلها من قبل في أفغانستان وحتى في سوريا نفسها.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي أمر ترامب بشكل مفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا دون تشاور مع فريقه للأمن القومي ولا الكونغرس ولا حلفاء واشنطن، لكنه تراجع في الأسابيع التي تلت ذلك وبرر تراجعه وقتها بأنه "سيؤدي إلى عودة داعش للحياة ويرسل رسالة استراتيجية تصب في مصلحة إيران وروسيا على حساب إسرائيل والحلفاء الآخرين للولايات المتحدة".
كيف ترى إسرائيل قرار ترامب؟
وبالتالي سيتكرر الأمر هذه المرة أيضاً على الأرجح، لكن ما غرد به ترامب بشأن "الحروب العبثية التي لا نهاية لها" أثار بالفعل تساؤلات كثيرة تتعلق بالقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وأيضاً بشأن الحليف الأبرز لواشنطن وهي إسرائيل.
عكست تغطية الصحافة الإسرائيلية لقرار ترامب قلقاً كبيراً وعنونت هآرتس تقريرها الرئيسي قائلة: "قرار ترامب التخلي عن أكراد سوريا خبر سيئ لجميع حلفاء أمريكا الإقليميين"، والرسالة نفسها عكستها باقي الصحف والمواقع، مع التركيز على أهمية أن تعيد إسرائيل مراجعة استراتيجيتها الأمنية أخذاً في الاعتبار أن واشنطن ربما لم تعد حليفاً موثوقاً.
سواء نفذت واشنطن قرارها سحب القوات الأمريكية من سوريا أو تراجعت عنه، المؤكد أن حلفاء واشنطن الإقليميين والأوروبيين سيعيدون ترتيب أوراقهم في ضوء هذا التحول الخطير في السياسة الخارجية الأمريكية التي لا يمكن الاعتماد عليها بعد الآن.