«احتجاجات القصور» أُخمدت.. لكنها صدمت السيسي، وستتكرر مجدداً إذا استمر الكبت والفقر في مصر

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/08 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/08 الساعة 11:23 بتوقيت غرينتش

دائماً ما كان أيمن يرفض فكرة الاحتجاج على الحكومة المصرية، إذ كان متردداً في إشراك نفسه في السياسة دون داع. ولكن في ظل الوضع الاقتصادي المُحبِط الذي صعَّب عليه توفير حياةٍ كريمة لأسرته، سَئِم المنجِّد البالغ من العمر 36 عاماً وخرج إلى شوارع مدينة دمياط للانضمام إلى المظاهرات التي اندلعت في الشهر الماضي سبتمبر/أيلول، حيث أسقَط ملصقاً كبيراً يحمل صورة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع مئات المحتجين الآخرين.

"لا أهتم بالسياسة ولكن"

وقال لصحيفة The Independent البريطانية: "لا أهتم بالسياسة، لكنني أعاني من أجل توفير حياةٍ كريمة لأطفالي منذ تولي الرئيس السلطة. والمسؤولون الاقتصاديون (الحكوميون) يقولون إنَّ كل شيء يتحسن، لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك في حين أنَّ قيمة دخلي انخفضت إلى نصفها تقريباً؟َ!".

وقدَّر تقريرٌ رسمي أصدرته الحكومة مؤخراً أنَّ حوالي ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر. وفي ظل منع المنظمات غير الحكومية من إجراء أي استطلاعات، يمكن أن يكون الرقم أكبر من ذلك بكثير.

وتجدر الإشارة إلى الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات الأخيرة كانت مقاطع فيديو نشرها رجل الأعمال محمد علي، الذي ادعى أنَّ الأموال العامة تُستَخدَم في بناء فنادق وقصور للرئيس وقادة الجيش.

وسرعان ما انتشرت دعوة محمد علي إلى الاحتجاجات، لكنَّ الكثير من المصريين الذين شاهدوا تلك المقاطع لم يتوقعوا حدوث أي شيء. ولكن في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، تمكَّن مئات المتظاهرين في مختلف المدن المصرية من هزِّ ثقة السيسي بالهتاف ضد نظامه.

إغلاق الميدان لم يحبس الجميع في منازلهم

وفي الأسبوع الماضي، منعت قوات الأمن المصرية الوصول إلى ميدان التحرير الذي يُعَد قلب القاهرة الثوري. وأغلِقَت محطات المترو الرئيسية في المدينة، وجرى تحويل مسارات المرور، بينما كانت شاحنات الشرطة تجوب الشوارع الخالية مُطلقةً صافرات الإنذار. لكنَّ إغلاق الميدان لم يحبس الجميع في منازلهم، إذ رشّت الشرطة عشرات المحتجين بالغاز المسيل للدموع في العديد من أرجاء القاهرة والمحافظات الأخرى. 

وتبدو هذه المشاهد بعيدةً كل البعد عمَّا حدث في عام 2017، حين دُعي الشباب المصريون الذين أرادوا التعبير عن مشكلاتهم إلى منتدى شباب العالم الذي نظَّمه السيسي، والذي ضمَّ 3000 مندوب من جميع أنحاء العالم. ونظمت مصر آنذاك حملة إعلانية للمؤتمر ظهرت في مشهدها الافتتاحي امرأة ترتدي حذاءً ذا كعب في شارعٍ ذي مظهر أوروبي وهي تقول باللغة الإنجليزية: "إذا كانت هناك شوارع لا يمكنك السير فيها وملابس لا يمكنك ارتداؤها، فينبغي أن نتناقش بشأن ذلك".

شباب مصر لا يستمع إليهم أحد

والآن بعد عامين فقط، أصبح من الواضح أنَّ الشباب في مصر لا يستمع إليهم أحدٌ على الإطلاق. وقال أيمن بنبرةٍ مُحبَطة: "كل هذا يحدث بينما يبني السيسي قصوراً لعائلته وأصدقائه".

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ السيسي يُلقي باللوم مراراً على الإسلام السياسي في أي معارضة، لكنَّ السلطات المصرية تُلقي القبض على شخصياتٍ علمانية واشتراكية مصرية بارزة. ووفقاً للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يقع مقره في القاهرة، اعتُقِل أكثر من 2800 شخصٍ من الساسة والصحفيين ومحاميِّ حقوق الإنسان والمواطنين العاديين.

حتى أنَّ المحامية ماهينور المصري الحائزة على جائزة لودوفيك تراريو اعتُقِلت خارج إحدى المحاكم بعد دقائق من دفاعها داخل المحكمة عن بعض المحتجين، فيما كان المحامي الحقوقي محمد الباقر يُدافع عن أحد الناشطين في قضيةٍ قبل أن تُبلغه السلطات بأنَّه متهمٌ في القضية نفسها.

المظاهرات صدمت السيسي

لكنَّ هذه المظاهرات يبدو أنَّها صدمت السيسي، الذي أعلن في الأسبوع الماضي إعادة الدعم الحكومي إلى 1.8 مليون مواطن.

ومن جانبه يرى تيموثي كالداس، وهو زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، إنَّ ذلك يدل على أنَّ الحكومة أدركت أنها بحاجةٍ إلى محاولة معالجة استياء الشعب، بدلاً من الاكتفاء بقمعه، على الأقل في الوقت الحالي. وقال: "لكنَّ اعتقال العديد من شخصيات المعارضة البارزة، الذين ما زالوا محتجزين، يعكس الخوف من قابلية هذا السخط الذي دفع الناس إلى الشوارع للاشتعال". 

وحين عاد السيسي من زيارته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، استقبله حشدٌ مؤيد للحكومة كان ينتظره في منطقة محظورٌ دخولها في مطار القاهرة. وقال مازحاً لمؤيديه: "لم يكن عليكم أن تستيقظوا مبكراً يوم الجمعة، الأمر لا يستحق ذلك. لا تقلقوا بشأن أي شيء".

واحتشد آخرون في تجمُّعٍ آخر مؤيد للحكومة بمنطقة مدينة نصر في القاهرة، حيث تجمع المئات محاطين بقوات الأمن، وكانوا يلوحون بالعلم المصري وهم يرتدون قمصاناً تحمل صورة السيسي.

وقال محمد زارع، مدير برنامج مصر بمعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: "الوضع في مصر يشبه مسرحاً لتصوير الأفلام، حيث توضَع قطع الأثاث بعناية في مكانها، لكنَّ هذه القطع في الواقع مجرَّد أدواتٍ لتزيين المكان. لقد أخمِدت ألسنة اللهب هذه المرة، ولكنْ ثمة حريقٌ آخر ينتظر الاشتعال إذا لم يحدث تغييرٌ كبير في الأوضاع".

تحميل المزيد