يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستماتة، إلى تدعيم ميزانية وزارة الدفاع بمليارات من الدولارات لتحسين قدرة نظام الدفاع الصاروخي على رصد صواريخ كروز القادمة نحو البلاد. فيما اجتمع مجلس الوزراء الأمني بعد ظهر يوم أمس الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول لمناقشة مسألة التهديد الذي تُشكله إيران.
وتأتي مساعي نتنياهو رداً على الهجوم الإيراني الذي ضرب منشأتين نفطيتين في السعودية في 14 سبتمبر/أيلول الماضي. إذ كان الهجوم متطوراً واستخدمت فيه إيران مجموعةً من الطائرات بدون طيار وإصداراً إيرانياً من صواريخ كروز.
خشية من مصير السعودية
وأظهَر التقييم الأوَّلي للضرر الهائل أنَّ الإيرانيين تمكنوا من تجاوز رادار بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية في المملكة العربية السعودية. لذا قد يتطلَّب الهجوم، الذي فاجأ مسؤولي الدفاع الإسرائيليين كذلك، إجراء تغييراتٍ في استعدادات إسرائيل الدفاعية أيضاً.
يقول عاموس هرئيل، الصحفي في بجريدة Haaretz الإسرائيلية إنَّ تحسين قدرة المنظومة الإسرائيلية على منع وقوع هجمات مماثلة سيُحتِّم على إسرائيل ترقية قدرتها على رصد التهديدات القادمة. وسيتعين عليها تغيير الطريقة التي تعمل بها الآن إلى حدٍّ ما، وربما تقوية نظام "القبة الحديدة" الإسرائيلي المخصص لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى، ومنظومة باتريوت الصاروخية الأمريكية.
يُذكَر أنَّ الهجوم الإيراني ألحق أضراراً كبيرة بإنتاج النفط السعودي. تقول هآرتس، إذا لم تدفع إيران الثمن على المستوى الدولي، يُمكن أن يعزز ذلك من ثقة النظام الإيراني، بينما تواصل الولايات المتحدة إعلان استعدادها في إعادة النظر في شروط الاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو/أيار من العام الماضي 2018.
تصعيد متوقع بين طهران وتل أبيب
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نجاح إيران في مهاجمة المملكة العربية السعودية يضعها في معضلة بين خيار الاستمرار في المخاطرة باستفزاز الغرب لدرجة الاحتكاك مع إسرائيل، وخيار الاستفادة من هذا النجاح والسعي إلى إجراء مفاوضاتٍ مع الأمريكيين سريعاً؟
ويأتي كل ذلك تزامناً مع الوضع العالِق الذي ينبغي معالجته بين إيران وإسرائيل بسبب الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سوريا، وفي العراق ولبنان مؤخراً كذلك (حيث وقعت هجماتٌ في أغسطس/آب الماضي على جزء أساسي من خط تجميع الأسلحة الذي شيَّده حزب الله في بيروت). وفي الآونة الأخيرة، هدَّد ضباطٌ كبار في الحرس الثوري الإيراني بإجراء عملية انتقاميةٍ قريباً رداً على الهجمات الإسرائيلية.
ويبدو أنَّ إسرائيل تأخذ في اعتبارها احتمالية إقدام إيران على إطلاق صواريخ كروز أو غيرها من الأسلحة على إسرائيل من غرب العراق، ربما بالاستعانة بميليشياتٍ شيعية. وفي أثناء ذلك، حدث تطورٌ آخر: إذ قُتل نحو 100 عراقي في الأسبوع الماضي في احتجاجاتٍ عنيفة ضد فساد الحكومة العراقية الشيعية التي تدعمها إيران. وشهدت بعض المظاهرات هتافاتٍ مناهضة لإيران. ويبدو أنَّ الإيرانيين كذلك يأخذون هذا في اعتبارهم.
"نواجه تحدياً أمنياً"
وهذه هي التطورات المختلفة وراء التصريحات الأخيرة التي أدلى بها نتنياهو حول تفاقم التهديد الإيراني والتغييرات في الوضع الأمني، حيث يبرر نتنياهو لنفسه، إنَّه "يجعل تشكيل حكومة وحدة بقيادته" أمراً ضرورياً للغاية. إذ قال نتنياهو الأسبوع الماضي: "نواجه تحدياً أمنياً هائلاً يتفاقم ويزداد سوءاً من أسبوع إلى آخر. هذا ليس أمراً عارضاً ولا مجرَّد نزوة، ولا أحاول تخويفكم".
ويبدو أنَّ الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على الأقل أصبح مقتنعاً إلى حدٍّ ما بخطورة الوضع. ففي خطابه الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للكنيست الجديد يوم الأربعاء الماضي 2 أكتوبر/تشرين الأول، أشار ريفلين كذلك إلى المخاطر الأمنية ودعا إلى تسريع المفاوضات من أجل تشكيل "حكومة وحدة". وألمَح ريفلين إلى أن الجيش يطلب إضافةً عاجلة إلى ميزانية الدفاع، مضيفاً أنَّ المناقشات بشأنها تأجَّلت بسبب الأزمة السياسية.
إسرائيل ستدفع ثمن استفزازاتها لإيران
لكنَّ نتنياهو نفسه أشار إلى "الصعوبات التي تعرقل جهوده في الإقناع"، إذ استخدم ورقة إيران مراتٍ عديدة لتبرير تأجيل الانتخابات أو تقديمها، أو تشكيل حكومة وحدة أو حكومة يمينية بقيادته لدرجة أنَّ تلك الشكوك في ادِّعاءاته الآن تبدو طبيعية جداً.
تقول هآرتس: لا يوجد شيءٌ في الوقت الحالي يشير إلى خطر اندلاع حربٍ مع إيران قريباً، على الرغم من تصاعد التوتر. وحين يشير نتنياهو إلى الحاجة إلى الوحدة من أجل محاربة التهديد الإيراني، فإنَّه يتجاهل -لمصلتحه الخاصة- إسهامه في ظهور هذا الموقف الطارئ الذي يتحدث عنه. فنتنياهو هو الذي ضغط على دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وهي الخطوة التي أججت حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة. ولكن في الوقت الحالي، فالرئيس الأمريكي هو الذي يرفض ممارسة الضغط العسكري على طهران، ويُفضِّل تجديد المحادثات مع إيران.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ نتنياهو، بدعمٍ من كبار مسؤولي الدفاع، شدَّد نهجه العدواني ضد جهود تهريب الأسلحة وتعزيز الوجود العسكري الإيراني في المنطقة. ووفقاً لتقارير نُشِرت في وسائل إعلام أجنبية، وتلميحاتٍ ذكرها نتنياهو نفسه، فقد اختار في الأشهر الأخيرة توسيع حدود الحملة الهجومية الإسرائيلية ضد إيران إلى العراق ولبنان.
تقول الصحيفة الإسرائيلية، إنه ربما تكون هذه الخطوات لها ما يبررها، كما يدعي نتنياهو، ولكن من غير الواضح سبب ضرورة استفزاز الإيرانيين بإعلان الهجمات. على أي حال، يبدو الآن أنَّ إسرائيل ستدفع ثمنها بالرغم من نجاحها في ضرب أهدافها.