عندما تفكّر في الفراعنة، هل يستحضر ذهنك صورة توت عنخ آمون ووادي الملوك، وكليوباترا، وأهرامات الجيزة. إذا كان، عليك التفكير مرةً أخرى، فهناك فراعنة سود، لا يقلون عظمة عن الفراعنة التقليديين.
هذا لأنَّ أعظم الفراعنة أتوا من خارج مصر، حسب تقرير صحيفة The Daily Mail البريطانية.
كان ذاك الفرعون الأعظم يُدعَى طهراقة، وقد جاء من مملكة كوش حيثُ السودان الآن.
لقد حكم من الخرطوم إلى دلتا النيل.. أكبر مملكة في تاريخ مصر القديم
يقول بيرس بول كريسمان، أستاذ علم الإنسان بجامعة أريزونا الأمريكية: "حكم طهراقة كل ما امتدّ بدايةً من الخرطوم الآن ونزولاً مع مجرى النيل ماراً بمصر ونهايةً بالبحر المتوسط".
وأضاف: "الأرجح أنَّ المنطقة التي خضعت لحكمه كانت أكبر حجماً من أي مملكةٍ شهدها التاريخ المصري القديم". (ذروة توسع سلطة مصر كانت في عهد محمد علي باشا)
تُحكَى قصة طهراقة وغيره من "الفراعنة السود" القادمين من كوش في فيلمٍ وثائقي ساحر تعرضه القناة الرابعة البريطانية، ويُدعَى Lost Pharaohs Of The Nile أي "فراعنة النيل المنسيون".
لم يكن هؤلاء الفراعنة من المصريين ذوي لون البشرة الفاتح كما نعدّهم دوماً، لكنهم كانوا أفارقة سود البشرة.
ومع ذلك، قد كان الفراعنة السود أقوياء ومتقدمّين مثل جيرانهم الشماليين تماماً.
ازدهرت مملكة كوش في الفترة بين عامي 1000 و 350 قبل الميلاد، في وقتٍ تلا عصر الفراعنة المصريين الأشهر، مثل توت عنخ آمون ورمسيس الثاني، الذين حكموا مصر قبل عام 1000 قبل الميلاد.
خلال عهد مملكة كوش، تصارعت المملكتان كوش ومصر على حيازة السُلطة الأكبر، وفي الفترة بين عام 760 وعام 650 قبل الميلاد، وأبرزها خلال فترة حُكم طهراقة، حكم الفراعنة السود مصر وكوش معاً.
ومع ذلك تعرَّض إرث فراعنة كوش للتجاهُل على مر التاريخ، وبهذا يتبع البرنامج الجديد رحلة مؤرخين وعلماء آثار أثناء عملهم في السودان، وهم مصمّمون على أن يعيدوا إليهم مجدهم الضائع.
يقول جيف إمبرلينغ، وهو عالم آثارٍ بجامعة ميشيغن الأمريكية: "كان هُناك إنكارٌ مستمر أن يكون الأفارقة السود قد تمكّنوا يوماً من بناء حضارةٍ قوية تستحقّ نفس الاهتمام والاحترام اللذين تحظى بهما الحضارة المصرية".
ومع ذلك، فإنَّ مدينة مروي الباقية من مملكة كوش القديمة تحوي عدداً من الأهرامات يفوق أهرامات مصر جميعاً.
إذ يقع هرم طهراقة في مقابر الملوك بمدينة نوري. ومع أنَّ الهرم قد استُكشف بالفعل قبلاً، يوجد هرمٌ آخر، أو غرفة دفنٍ مخبأة تحته، وتِلك لم تُستكشَف بشكلٍ كامل بعد.
كنوز مهولة
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الغرفة السرية مغمورة بالكامل تحت مياه النيل، ويعرض الفيلم الوثائقي الأستاذ كريسمان وفريقه فيما يغطسون تحت الماء لاستكشاف ما يكمن تحت المياه المُعتمة.
ويقول كريسمان: "بحدِ علمي لم يغطس أحد إلى مقبرةٍ في العالم قط، والمؤكَّد أنَّ أحداً قبلنا لم يغطس في هرمٍ من قبل".
احتوى أوَّل دلوٍ من المُكتشفات أخرجوه من الماء على بقايا من فخارٍ يعود لمملكة كوش وورقة شجرٍ مصنوعة من الذهب، ما يشير إلى أنَّ كنوزاً مهولة قد تكون في انتظارهم.
وبالفعل، يثق كريسمان في وجود تابوتٍ بالمقبرة يحوي بقايا جثة الملك ناستاسين، الذي حكم مملكة كوش في الفترة ما بين عام 335 و315 قبل الميلاد.
لماذا أصبحت آثارهم في خطر عظيم؟
وينوي كريسمان العودة إلى الموقع العام المقبل لاكتشاف المزيد من الأسرار.
ولكن سيكون عليه -ومعه جميع الخبراء ممَّن يعملون في السودان، ومن بينهم راتشيل دان من جامعة كوبنهاغن، التي تعمل على استكشاف غرفة دفن الملكة كلهاتا، وهي زوجة أحد خُلفاء طهارقة- أن يسابق الزمن في مهمته تلك.
والسبب في ذلك أنَّ هناك خططاً لبناء سدودٍ لتوليد الطاقة الكهرومائية، وتلك من شأنها أن تغمر مواقع أثرية مهمة بالماء، مثلما أدى بناء سد أسوان في مصر في ستينيات القرن الماضي لتدمير مواقع أثرية قربه.
وفيما يُعاد الآن اكتشاف مملكة الفراعنة السود، قد يُفقَد كثيرٌ منها قبل أن ندري بها.
سيُعرَض الوثائقي "فراعنة النيل المنسيون" يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول في الثامنة مساءً بتوقيت لندن على القناة الرابعة البريطانية.