لا يعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الوحيد الذي يقلل من شأن اندلاع التظاهرات المناهضة لحكمه، بل كذلك السياسيون والإعلام في إسرائيل المجاورة والتي تقيم معها القاهرة علاقات سلام ربما وصلت مجدها في عهد السيسي، الذي يمتدحه الإسرائيليون كما لم يمتدحوا زعيماً عربياً من قبل.
يقول موقع Middle East Eye البريطاني إنه من السهل إرجاع قلة التغطية الإعلامية في إسرائيل لتظاهرات الشهر الماضي في القاهرة وعدد من المدن الأخرى، وللحملة القمعية التي تلت هذه التظاهرات، إلى انشغال الإعلام الإسرائيلي حالياً بالسياسة الداخلية والجهود المضنية المستمرة لتشكيل حكومة جديدة.
قلق حول السيسي
في حين ظلت التغطية الإعلامية الدولية تركز على إيران والتوترات المستمرة في الخليج. لكن في الغرف المغلقة، في تصريحات غير رسمية يقول بعض أعضاء البرلمان الإسرائيلي المترددين في الحديث علناً على غير العادة، إن هناك قلقاً كبيراً حول مستقبل الرجل الملقب عادةً بأنه "أكثر زعيم مصري موالٍ لإسرائيل على الإطلاق".
إنهم يدركون أيضاً أن التعبير الإسرائيلي عن القلق إلى هذا الحد سيكون ضرره أكثر من نفعه بالنسبة لرئيس مُنتقَّد بالفعل في العالم العربي لطبيعة علاقته بإسرائيل.
تعاون أمني مفتوح
في السنوات الماضية منذ تولى السيسي السلطة في عام 2013، انتقلت علاقة الحكومتين المصرية والإسرائيلية من العمل الضمني سوياً إلى التعاون المفتوح، وهي علاقة تعززها صورة مناسبات تجمع السيسي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
يقول زفي ماغن، الضابط السابق رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الذي أصبح الآن زميل أبحاث أقدم في معهد دراسات الأمن القومي: "بالتأكيد أتمنى أن ينجو السيسي من موجة التظاهرات هذه".
ويضيف ماغن لموقع Middle East Eye البريطاني: "حتى لو عرَّف البعض السيسي بأنه ديكتاتور وصل إلى السلطة بالقوة، فهو يظل يؤدي دوراً إيجابياً فعالاً أكثر من سابقيه بالنسبة لإسرائيل".
وأضاف: "على عكس مبارك، هو (السيسي) الرجل القوي في فترة ما بعد ميدان التحرير 2011، وهو يعرف كيف يقود. أنه على الأرجح يتوخى المزيد من الحذر". يرى ماغن أن الوضع في مصر لا يبدو أنه سيصل إلى "عنف شامل" مضيفاً: "المخابرات العسكرية الإسرائيلية والحكومة ستنتظر لترى التطورات".
دعم السيسي استخباراتياً
لكنه أكد أيضاً أن إسرائيل تساعد السيسي مباشرة بتقديم المعلومات الاستخباراتية. وقال: "ليس لنا رأي في الهيئة التي يجب أن يكون عليها النظام المصري، لكن الفوضى هي وضع سيئ للطرفين. يمكن لإسرائيل مساعدته بالمعلومات الاستخباراتية، لكن لا يجب أن تتدخل بالتأكيد".
من جانبه، قال أميرام ليفين، نائب رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) سابقاً، لموقع Middle East Eye إن "السيسي كان أيضاً يدفع ثمن علاقاته المفتوحة مع إسرائيل".
وأضاف ليفين: "إيران، على سبيل المثل، تصنفه عدواً. وفي العموم، (يعتبر) هذا بمثابة دعاية مناهضة له". وتابع: "في هذا الوضع، نتنياهو مخطئ كلياً عندما يسارع لنشر أخبار إيجابية عن الصداقة". فالعلاقة بين السيسي ونتنياهو ليست علاقةً تنطوي على كيمياء أو تفاهم بين قادة، بل علاقة مصالح مشتركة في المقام الأول.
تعاون عسكري بلغ مستويات غير مسبوقة
في عهد السيسي بلغ التعاون العسكري المصري مع إسرائيل في سيناء مستويات غير مسبوقة، بعد أن اجتمعت الدولتان كلتاهما على تحديد المقاتلين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في شبه الجزيرة تهديداً مشتركاً.
وهكذا في حين تشن القوات المصرية الحرب هناك على الأرض، توفر إسرائيل معلومات استخباراتية في غاية الأهمية بالنسبة إلى الحملة.
كما اضطلع السيسي أيضاً بدور مهم كوسيط للتفاوض في النزاعات الدامية بين حماس وإسرائيل في غزة. وهو في الوقت الذي ينتقد استخدام إسرائيل للقوة المفرطة وما ينجم عنه من قتلى بين المدنيين، فإنه أيضاً يعتبر حماس عدواً لمصر، حتى وإن استضاف قادة حماس لإجراء محادثات في القاهرة، أو عقد مؤتمراً للمانحين لإعادة إعمار غزة.
السيسي استفاد كثيراً من إسرائيل
يقول الموقع البريطاني إن هذه المناورات الدقيقة أوصلت السيسي إلى أن يصبح عاملاً مهماً في المنطقة، لكنها جعلته أيضاً هدفاً لدول لها مصالح أخرى، ليس أقلهم تركيا وإيران.
ويقول المحللون إن العلاقات الاستخباراتية بين مصر وإسرائيل تبين في النهاية أنها كانت مفيدة للسيسي على هذا الجانب أيضاً. لكن وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة، فإن العلاقات الإسرائيلية المصرية دائماً ما ترافقها درجة من الارتياب والحذر.
فلطالما أبدى كثير من المسؤولين الإسرائيليين البارزين –آنذاك- ارتياباً في أن زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل في عام 1977، ومعاهدة السلام التي عقدت بين الدولتين، كانت فخاً خطيراً.
وحتى بعدها بعقدين في عام 2001، اقترح أفيغدور ليبرمان أن تقصف إسرائيل السد العالي في أسوان إذا استمرت مصر في تعزيز قواتها العسكرية في سيناء، ولسنوات عديدة بعدها، ظل وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يؤمن بأن المصريين كانوا يستعدون في السر لشنِّ حرب أخرى على إسرائيل.
وقال إفرايم هليفي، رئيس الموساد السابق في الفترة من 1998 إلى 2002، لـ MEE: "هناك قدر متفهم من الارتياب بين الطرفين"، مؤكداً في الوقت نفسه على أهمية الاستقرار في مصر بالنسبة إلى إسرائيل.
مصلحة أمنية حيوية لإسرائيل
يضيف هليفي: "إنَّ أمنَ مصر ونظامها السياسي –وبالتأكيد الآن أمن الرئيس السيسي- يمثلان مصلحة أمنية حيوية لإسرائيل. فمصر بها أكبر عدد من السكان في العالم العربي، وهناك حدود تمتد لمسافات طويلة بين إسرائيل وسيناء".
وأضاف إلى ذلك أنه على الجانب الآخر من الحدود الإسرائيلية، يشن متشددون حرباً مستمرة ضد السيسي والقيادة المصرية.
ليقول هاليفي: "هذا البعد من المسألة، جنباً إلى جنب مع السلام والاستقرار في الأردن، يوفران إمكانيات أمنية لا بديل عنها بالنسبة إلى إسرائيل".
ويرى هاليفي أن إحدى الطرق العملية التي ينبغي لإسرائيل اتّباعها لمساعدة السيسي، هي التأكد الدائم من أن تكون واشنطن مدركةً لأهمية قيادته استراتيجياً لإسرائيل.
"تعلمنا من درس مرسي"
ومع ذلك، يذهب ليفين إلى أن إسرائيل ينبغي لها أن تعتبر من الدروس التي استفادتها من المناسبات الماضية عندما انخرطت في السياسية الداخلية لجيرانها، وما ينجم عن ذلك من عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها.
فقد مثلت الانتخابات الديمقراطية التي جرت في عام 2012 وقادت إلى انتخاب الرئيس السابق محمد مرسي الإسلامي إلى سدة الحكم أسوأ كوابيس إسرائيل. ومع ذلك، كان مرسي خلال توليه المنصب أكثر براغماتية مما كان متوقعاً، قبل أن يزيحه السيسي بواسطة انقلاب عسكري.
وعلى عكس المخاوف التي هيمنت على إسرائيل في البداية، وربما لإدراكه مدى اعتماد بلاده على المساعدات الأمريكية، لم يحاول مرسي في أي لحظةٍ إنهاء اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، فضلاً عن أن التنسيق الأمني الجاري بين الدولتين لم يتوقف قط.
وفي حين أنه حسّن من العلاقات مع حماس، فإن حكومة مرسي ظلت بعيدةً عن أي مشاركة مباشرة في الاشتباكات التي اشتعلت بين الحين والآخر بين حماس وإسرائيل. وعمل مرسي، بدلاً من ذلك، على التوسط لعقد هدنة ووقفٍ لإطلاق النار في غزة. يقول ليفين: "كان هذا درساً لنا لنتعلمه. فلم يكن ينبغي لإسرائيل أن تظهر هذا المستوى من الاستياء والخوف [حول حكم مرسي]".
ويستشهد ليفين أيضاً بمثال دعم إسرائيل لبشير الجميّل، زعيم الميليشيات المسيحية اللبنانية الذي اغتيل بعد انتخابه رئيساً للبنان في عام 1982. وأوغلت عملية قتله البلاد بشكل أعمق في حرب أهلية استمرت حتى عام 1990، في الوقت الذي ظلت فيه إسرائيل محتلة لجنوب البلاد حتى انسحابها في عام 2000.
يقول ليفين إنه مهما بلغ ما لدى إسرائيل من "فهم عميق" لما يجري في الدول المجاورة، فإنها يجب أن تدرك مدى محدودية قدرتها على التأثير في مجتمعات ذات تقاليد معقدة وتاريخ خاص بها يمتد لعقود وقرون.
ويضيف: "ليس لإسرائيل مصلحةً خاصة لا في أن تكون الدول المجاورة ديكتاتورية، ولا في تقوية الأنظمة من حولها. فأي نوع من التدخل يتحول ليصير خطأ فظيعاً بعد ذلك".