تُجرى الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول ثاني انتخابات برلمانية في تونس بعد ثورة يناير 2014 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وينافس 15 ألف مرشح عن أحزاب وائتلافات وقائمات مستقلة في 33 دائرة انتخابية داخل تونس وخارجها، من أجل الفوز بمقاعد مجلس نواب الشعب التونسي ( البرلمان) الـ 217.
ورأى خبيران أن البرلمان القادم سيكون "فسيفساء" من الأحزاب السياسية والمستقلين، حيث من غير المتوقع أن تسفر الانتخابات عن أغلبية واضحة لأي تيار سياسي، ما سيعني ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية.
وأكدا في تصريحات للأناضول أن الاستقرار الحكومي بعد انتخابات الأحد سيكون في "امتحان عسير".
انحسار الأحزاب
وقال الباحث الاجتماعي، هشام الحاجي، إن الانتخابات ستعكس المشهد السياسي القائم في البلاد الذي يتميز بعدم قدرة الأحزاب على حشد تأييد كبير وظهور نزعة الاستقلالية بالإضافة إلى المبادرات الائتلافية.
وأضاف "اليوم ممارسة السلطة أدت إلى تآكل رصيد بعض الأحزاب واندثار أحزاب أخرى، فمثلاً نداء تونس أصبح حزباً صغيراً ودخل طي التاريخ".
يذكر أن حزب نداء تونس فاز بقيادة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بانتخابات 2014 بـ86 نائباً لم يبق منهم الآن سوى 26 في كتلة الحزب البرلمانية، فيما تفرعت عنه عدة أحزاب.
وأكد الحاجي أن هذا الوضع سيؤدي إلى "ظهور برلمان فسيفسائي وتشرذم الأصوات وإلى ظهور كتل صغيرة غير قادرة على قيادة تشكيل الحكومة ولا قيادة المعارضة".
وتابع "هذا سينعكس على استقرار البرلمان خاصة وأنه لدينا عديد القوائم المستقلة التي لا نعرف أي شيء حول ميولها السياسية ولا مَن وراءها ولا مع من ستصطف بعد الانتخابات".
وأوضح الحاجي أنه "إلى جانب ذلك هناك تحوّل بعض المبادرات التي انطلقت في البداية اجتماعية وإنسانية مثل "عيش تونس" و"قلب تونس" إلى ما هو سياسي، الأمر الذي زاد في محاصرة الأحزاب"، في إشارة إلى جمعية "خليل تونس" الخيرية التي أسس رئيسها نبيل القروي حزب "قلب تونس" (ليبرالي) في يونيو/حزيران الماضي وجمعية "عيش تونسي" أسستها ألفة الترّاس رومبورغ (تونسية متزوجة بفرنسي) عام 2018، كجمعية ثم تقدمت بقائمات للانتخابات التشريعية في كافة الدوائر للتنافس على البرلمان.
وقال الحاجي "نحن أمام مشهد لا يوحي بالاستقرار وقد يدفعه البعض إلى مزيد التأزم وإجراء انتخابات سابقة لأوانها علها تعيد توزيع الأوراق".
وأضاف "لا ننسى أن كثيراً من الأحزاب كانت لها طموحات ولكن ظهور أحزاب جديدة ومنطق جديد بعد الانتخابات الرئاسية ولدى الرأي العام أدى إلى أن بعض الأحزاب مثل تحيا تونس لا تجد لها مكاناً في استطلاعات الرأي اليوم"، في إشارة الى خسارة رئيس حزب "تحيا تونس" بقيادة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في الدور الأول للانتخابات الرئاسية منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
"قلب تونس" و"النهضة" في المقدمة ولكن..
وأكد المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة أن ما يتردد عن نتائج استطلاعات الرأي يؤكد وجود صراع حول المرتبة الأولى والثانية بين حركة النهضة وحزب قلب تونس.
وقال بوعجيلة إن "هذا التقدّم سيكون بكتل نيابية لا تتجاوز في أقصى الحالات الـ30 أو الـ40 نائباً لكل حزب".
يذكر أن مرشح "قلب تونس"، نبيل القروي، قد حصل على المرتبة الثانية في الدور الأول للانتخابات الرئاسية في منتصف سبتمبر/أيلول بـ15.6% من الأصوات، فيما جاء عبدالفتاح مورو مرشح حركة النهضة في المرتبة الثالثة بـ12.9% من الأصوات حسب النتائج النهائية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وأضاف بوعجيلة أن "النهضة و"قلب تونس" يؤكدان أنهما لن يتحالفا بعد الانتخابات".
الباحث الاجتماعي هشام الحاجي يساند بوعجيلة في ما ذهب إليه من ريادة "قلب تونس" و"النهضة" في النتائج المتوقعة للانتخابات التشريعية المقبلة، دون حصول أي منهما على أغلبية مطلقة بمفرده.
وقال الحاجي "في أحسن الاحتمالات لا تعطي استطلاعات الريادة لأي من النهضة وقلب تونس أكثر من 50 مقعداً لكل حزب ولتشكيل حكومة لابد من تحالفات".
ويرى بوعجيلة أن هناك ائتلافين قد يحققان تقدماً هاماً مما يجعلهما في الكوكبة الأولى مع النهضة وقلب تونس هما "ائتلاف الكرامة" بقيادة سيف الدين مخلوف وائتلاف "عيش تونسي" بقيادة ألفة الترّاس رومبرغ.
وتوقع بوعجيلة أن "يأخذ ائتلاف الكرامة المحسوب على القوى الثورية المحافظة من القاعدة الانتخابية لكل القوى الجديدة التي ظهرت بعد 2011 ( بعد الثورة) مثل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (اجتماعي ديمقراطي) وحركة النهضة (إسلامية) والتيار الديمقراطي (وسط يسار)".
في ذات السياق، يتوّقع هشام الحاجي أن يكون ائتلاف الكرامة في المرتبة الرابعة أو الخامسة من حيث نتائج الانتخابات.
ويرى الحاجي أن ائتلاف الكرامة أقرب للتحالف مع حركة النهضة منه إلى أي جهة أخرى.
كتل حزبية بحضور ضعيف
وفي خصوص الكوكبة الثانية من الأحزاب التي ستكون وراء "النهضة" و"قلب تونس" وائتلاف الكرامة و"عيش تونسي" يرى الخبيران أن حصيلتها من المقاعد ستكون ضعيفة ما يجعل إسنادها لأي حزب لا قيمة له.
وقال بوعجيلة: "حزب نداء تونس حظوظه بدأت تتراجع ولا يتوقع أن يحرز على كتلة وازنة يمكن أن يفاوض بها في تشكيل حكومة".
وأضاف بوعجيلة أن حزب "تحيا تونس" تتباين حوله استطلاعات الرأي بين من يعطيه ما بين 12 و20 مقعداً وبين استطلاعات أخرى تتوقع له الحصول على كتلة ضعيفة".
وتابع بوعجيلة أن الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسى تضعه الاستطلاعات في المرتبة الرابعة أو الخامسة بعدد مقاعد تتراوح بين 8 أو 9 وبين 12 أو 15 مقعداً.
ويفسر بوعجيلة ذلك بأن هذا الحزب سيستفيد فقط من جملة الأصوات المحمولة على الجناح المتصلب في المنظومة القديمة (الحزب الحاكم قبل الثورة) ممثلين في عدد من الخائفين من الثورة والمتضررين منها والميالين لخطاب استئصالي تجاه الإسلاميين خصوصاً.
ويعتبر بوعجيلة أن كتلة هذا الحزب ستكون غير وازنة ولن تمكن حزب "قلب تونس" إن جاء الأول في الانتخابات من أن يشكل حكومة مستقرة.
ويوافقه الحاجي في الرأي قائلاً: "بالنسبة لقلب تونس فإن حليفيه المحتملين "الحزب الدستوري الحر" (ليبرالي دستوري) و"عيش تونس"، لا يمكّنانه من الوصول إلى 109 مقاعد في البرلمان الضرورية لحصول أي حكومة على الثقة".
وعبّر الحاجي عن مخاوفه من أن تحدث "السياحة الحزبية" مبكراً في البرلمان" في إشارة إلى مغادرة عديد نواب البرلمان المنتهية ولايته أحزابهم التي ترشحوا عنها إلى أحزاب أخرى.
ويؤكد الحاجي من ناحيته أيضاً أن حزبي "تحيا تونس، ونداء تونس، لا يمكن أن يكون لهما عدد من النواب يعطي للتحالف معهما معنى"، مشدداً على أن "مستقبل التحالفات سيبقى غامضاً".
"نهاية" اليسار
وفي سياق متصل بتحولات المشهد السياسي المتوقع إثر الانتخابات التشريعية للأحد القادم، اعتبر الباحث الاجتماعي هشام الحاجي أن "أكبر خسارة للمشهد السياسي هي "عملية التدمير الذاتي التي تعرضت لها "الجبهة الشعبية" (ائتلاف أحزاب أقصى اليسار له 15 نائباً في البرلمان المنصرف قبل أن يحصل فيه انشقاق الربيع الماضي)".
وأضاف الحاجي أن "الجبهة الشعبية ستكون ذكرى لما كانت عليه في البرلمان السابق وستكون ذكرى بأهمية لما كانت عليه في البرلمان السابق ولن يكون لليسار حضور كبير في البرلمان القادم".
في ذات السياق قال بوعجيلة إنه بعد النتائج الهزيلة في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية لن تحقق الجبهة الشعبية ما حققته في 2014.
وحصل مرشحان متنافسان لليسار (منجي الرحوي، وحمة الهمامي) على مجموع 1.5 بالمائة من الأصوات بما يعادل 50 ألف صوت، في حين حصل ممثل الجبهة الشعبية في الانتخابات الرئاسية عام 2014 على 7.8 بالمائة من الأصوات بما يزيد عن 250 ألف صوت.