هربت من جحيم القنابل لتجد نفسها وسط معسكر لأهل داعش وهي ليست منهم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/02 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/02 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
فرار من جحيم القنابل

يضم معسكر الهول في سوريا أسر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داعش، لكنه أصبح أيضاً ملاذاً لأكثر من 80 ألف لاجئ أغلبهم نساء وأطفال ورجال كبار في السن، وجدوا أنفسهم فجأة محاصرين بين سوء المعاملة من جانب من هزموا داعش وبين عدم القدرة على الفرار لمكان آخر، فما هي القصة؟

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت قصة فتاة صغيرة تعرضت لتجربة مريرة تكشف عن خطر كامن داخل معسكرات اللاجئين السوريين بعنوان: "قريبتي الصغيرة فرّت من القنابل لتجد نفسها في معسكرٍ بجوار أنصار داعش"، كتبه حسن حسن، شارك في تأليف كتاب ISIS: Inside the Army of Terror، وهو باحث مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومدير برنامج الجهات الفاعلة غير الحكومية في مركز أبحاث السياسة العالمية في واشنطن العاصمة.

الفرار من القنابل

في أبريل/نيسان، حاولت إحدى قريباتي، وتبلغ من العمر 15 عاماً، الفرار من مخيم الهول، وهو مأوى النازحين الذي يستضيف عائلات مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في شرق سوريا. كانت ابنة عمّي واحدة من آلاف المدنيين الذين نزحوا من مناطق كان يسيطر عليها داعش في وقتٍ سابق، ثم وُضِعوا رهن الإقامة في المخيّم أثناء فرارهم من آخر معاقل الجماعة.

لم تنضمّ قريبتي قطّ إلى التنظيم، وهكذا الحال مع جميع أفراد من عائلتها. ولكن حين ألقت السلطات القبض عليها، لاحظ الحرّاس أنها ترتدي البرقع، وهو غطاء الوجه الذي يفرض تنظيم داعش ارتداءه على النساء اللائي يعشن تحت مظلّة الخلافة المزعومة. ونظراً لأنها لم تعد تعيش تحت مظّلة داعش، فقد اتهمها المحققون الأكراد بأنها "داعشية"- وهي كلمة تحقيرية لوصف المتعاطفات مع داعش، وبدلاً من الدفاع عن نفسها بوصفها مَدَنية لا صلة لها بداعش ولا تعاطف في نَفسِها حِيال التنظيم، اختارت الفتاة لهجة مُتحدّية مفادها "هذا هو الإسلام، شئتم أم أبيتم".

بالنسبة للغرباء، غالباً ما تُعد هذه الإجابات دليلاً على استمرار الولاء لداعش؛ وفي حين أن هذا قد يكون صحيحاً في بعض الحالات، فإنه في حالات أخرى يمثل علامة على النجاح المحدود الذي حققه داعش في إقناع شرائح من السكان بأن بعض الممارسات تمثل الإسلام الحقيقي، الذي لا يعني بالضرورة الولاء للمنظمة أو أيديولوجيتها.

أكثر من 80 ألف شخص

يعيش حوالي 80 ألف شخص في مخيّم الهول الواقع جنوب الحسكة بالقرب من الحدود مع العراق، ومعظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن من الرجال. وهناك، احتجزت القوات الديمقراطية السورية -وهي ائتلاف يهيمن عليه الأكراد وتدعمه الولايات المتحدة- عائلات كانت تحاول الهروب، من دون اتخاذ إجراءات من شأنها فحصهم أو إطلاق سراحهم. 

نساء وأطفال داخل مخيم الهول

وفي شهر مايو/أيّار، خططت قوات سوريا الديمقراطية لطرح نظام يسمح لشيوخ القرى والبلدات بكفالة الأفراد قبل إطلاق سراحهم، لكن الخطة لم تتحقق قطّ. ونتيجة لذلك، حوصرت العائلات في المخيم، إذ يمكث بعضهم هناك منذ ستة أشهر، منذ انهيار الخلافة في مارس/آذار، والبعض الآخر منذ مدّة تصل إلى عامين. وعلى الرغم من عدم وجود نظام لتحديد خلفيات أولئك الموجودين في المخيم، يصنِّف المسؤولون جميع الموجودين بداخله بوصفهم عائلات أعضاء تنظيم داعش.

رد فعل شعبي ينذر بالخطر

وتتمخّض تلك المُعاملة عن ردة فعل شعبية لم يلاحظها أحد إلى حد كبير؛ إذ ترى العائلات على نحو متزايد أن القوات المدعومة دولياً هم غُزاة يحتقرون السكان المحليين، وهذا يخلق انقساماً واسعاً بين تلك القوّة والسكان المتضررين من الموقف.

وبدون حولٍ لهم ولا قوّة، يبدو أن بعض السكان المحليين يجدون في داعش أو شعاراتها تعبيراً عن تحدّي ما يرونهم غرباء يحكمون مناطقهم ويصفونهم بأنهم "دواعش" أو أتباع للتنظيم. وعلاوة على ذلك، ما زال خطر التطرف يلوح في الأفق مع إبقاء المدنيين الأبرياء، وخاصة الأطفال، بين المتعاطفين مع داعش.

وترتكز المناقشات حول معسكر الهول على المقاتلين الأجانب وعائلاتهم، وكذلك المعضلة المفهومة التي تواجه الحكومات الغربية في قبول الأفراد الذين سافروا آلاف الأميال للعيش في ظل خلافة إسلامية متطرفة. غير أن الديناميكيات بالنسبة للسكان المحليين قد تكون بالغة الاختلاف، إذ ربما يؤدي ضخهم في المعسكر نفسه -حرفياً- إلى بثّ روح جديدة إلى أيديولوجية داعش.

ولا يزال من الممكن نزع تلك الأيديولوجية عن معظم المحتجزين حالياً في المخيم. ومثل آلاف الأطفال والشباب هناك، أصيبت قريبتي بالصدمة جراء الحرب والحياة تحت مظلة داعش، وغادرت قريتها بعد مقتل والدتها في قصف شنّته القوات الكردية.

تبدل المشاعر تجاه داعش

وقد عانى المدنيون بالفعل تحت حكم داعش، ولم يكن أمام الكثير منهم خيارٌ سوى البقاء في ديارهم حتى النهاية، إذ لم يكن لديهم مكان آخر يذهبون إليه. يكمن الخطر في أنهم عندما يجدون أنفسهم محاصرين في معسكرٍ وسط الصحراء في ظل ظروف مروعة، فإنهم لن يركزوا على المجموعة المتشددة التي تسببت في معاناتهم، بل على من يحتجزونهم ويتهمونهم بالتعاطف مع الجهاديين الذين يحتقرونهم.

بصفتي مواطناً ترجع أصولي إلى شرق سوريا، فأنا واثق من أن غالبية من في المخيم كانوا يلقون باللوم على داعش في معاناتهم ذات يوم، إلا أن هذا الموقف يشهد تراجعاً ليُستبدل به الغضب الموجه إلى القوات التي تطيل أمد معاناتهم. أما خارج المخيم، ينظر آلاف آخرون إلى القوات الكردية نفس النظرة لأن أفراد عائلاتهم مُحتجزون في ظروف مروّعة.

يكمن حل المشكلة في إدراك الموقف المتحيز من جانب قوات سوريا الديمقراطية تجاه السكان المحليين، أو على الأقل نظرة السكان إلى سلوكها. إذ يرى هؤلاء السكان المحليون أن هناك بالفعل نموذجاً آخر للتعامل مع المدنيين الذين يعيشون تحت مظلّة داعش: يتمثل هذا في مُفارقة تشير إلى أنه على الرغم من أن المدنيين يعترفون بأن قوات سوريا الديمقراطية أقل وحشية من النظام السوري، فإن دمشق لم تحتجز عائلات في مثل هذه المخيمات، بل سمح لهم بالتحرك بحرية، ولم يضطهد سوى من اشتبه في انضمامهم إلى داعش.

 وينظر السكان المحليون إلى قوات سوريا الديمقراطية بشكل أكثر إيجابية في كل شيء ما عدا احتجاز العائلات المدنيين. ومع استمرار النهج الحالي، تفقد قوات سوريا الديمقراطية فرصَة إظهار أنها بديل أفضل للنظام، وتحطّم كل النوايا الحسنة الشعبية التي اكتسبتها في طرد داعش من هذه المناطق.

بعد محاولة هروب قريبتي، أُطلق سراحها من المخيم، وبعد عدة أشهر من إطلاق سراحها، يبدو أنها تعافت من التجربة وأظهرت بوضوح أنها كانت مناهضة لداعش؛ بل إن آلاف الموجودين في الهول، وخاصة الأطفال والنساء، يستحقون نفس الفرصة.

تحميل المزيد