مجلس السيادة السوداني: «لن نقدم أي تنازلات».. ما الذي تريده أمريكا من الخرطوم مقابل رفعها من قوائم الإرهاب؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/30 الساعة 10:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/30 الساعة 10:43 بتوقيت غرينتش
هل يقف مجلس السيادة في السودان وراء التعديلات التي أثارت الجدل ؟

قال المتحدث باسم "مجلس السيادة" السوداني، محمد الفكي، إن الخرطوم لن تقدم أية تنازلات مقابل رفع الولايات المتحدة الأمريكية اسم السودان من قائمة الدول التي تتهمها برعاية الإرهاب.

ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً كان مفروضاً على السودان منذ 1997. لكنها لم ترفع اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، المدرج عليها منذ عام 1993؛ لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

حاجة ماسّة للانفتاح على العالم

وأضاف الفكي في مقابلة مع الأناضول: "لم نسمع بأية اشتراطات من الإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب". وتابع: "لكني أعتقد أن رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، سيتحدث إلى كل الدوائر في الإدارة الأمريكية، خاصة أن السياسة الأمريكية لا تُصنع في مكان واحد، وبالتالي سيأتي برؤية متكاملة لمناقشتها مع حكومته، ولكن عهدنا أن السودان دولة حرة ومستقلة، ولا تفكر إلا وفقاً لمصالحها".

وزاد بأن "الفترة الحالية تحتاج حاجة ماسّة للانفتاح على العالم والاستفادة من المؤسسات الدولية، خاصة أن كثيراً من المشروعات تحتاج إلى التمويل، والاستفادة من المراكز العالمية، والوصول إلى مراكز البحوث الدولية، ورفع الديون (أكثر من 45 مليار دولار)".

وأردف: "كل تلك الأشياء مرتبطة بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي هي مسألة حيوية، وأعتقد أن رئيس الوزراء سيبحثها على هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة".

وتوجّه حمدوك، الأحد، من نيويورك إلى باريس، حيث يلتقي الإثنين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويشارك في مراسم تشييع جثمان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي توفي الخميس الماضي عن 86 عاماً.

"الحكومة وُلدت من رحم الثورة"

وبشأن احتمال تقديم السودان تنازلات لرفع اسمه من القائمة الأمريكية، أجاب الفكي بأن "حكومة الفترة الانتقالية وُلدت من رحم الثورة، وتتمتع بسند شعبي كبير من كافة أطياف الشعب السوداني، وبالتالي ليس هناك أية حاجة لتقديم تنازلات".

وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس/آب الماضي، مرحلة انتقالية تستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من المجلس العسكري وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.

وأضاف الفكي: "هذه الحكومة جاءت خلفاً لحكومة كانت تفرض عزلة على المجتمع السوداني، والمجتمع الدولي هو الذي حُرم من الاستفادة من السودان، باعتباره أكبر الأقطار الغنية بالموارد".

وحكومة حمدوك هي أول حكومة في السودان منذ أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/نيسان الماضي، عمر البشير من الرئاسة (1989: 2019)؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

يقول الفكي: "الدول الآن تتسابق نحو السودان، وهي أرض بكر ولم تستخدم الموارد الكبيرة في باطنها، ومن مصلحة الشركات الكبرى والدول التي تريد الاستثمار الوصول إلى السودان، وهذه مصالح مشتركة لا تحتاج إلى تقديم تنازلات". ومضى قائلاً: "السودانيون أنجزوا ثورة كبيرة جداً، وأدت إلى تحول شامل في السياسات والتوجهات".

ماذا عن التطبيع مع إسرائيل؟

تقول "الأناضول" إن تطبيع السودان للعلاقات مع إسرائيل يتردد مؤخراً، ووقف دعم السودان للفلسطينيين هو أحد شروط واشنطن لرفع اسم السودان من القائمة الأمريكية.

وهو ما علق عليه الفكي بقوله: "هذا الحديث سمعناه كثيراً، لكن لم يطلبه منا أحد بصورة رسمية"، على حد تعبيره. وتابع: "السودان لديه التزام تجاه القضية الفلسطينية، وهو أمر معروف، ولا نفكر في هذه القضية بمعزل عن دول الإقليم في الجوار العربي، فهذه ليست قضية سياسية أو تجارية واقتصادية فقط، بل قضية تاريخية وأمنية وملفاتها مرتبطة مع بعضها البعض، لذلك الأصلح دائماً أن ندخل إلى هذه القضية برؤية موحدة؛ لأننا نحتاج إلى ثقل الدول العربية تجاه هذه القضية".

ولا يقيم السودان أي شكل من أشكال العلاقات مع إسرائيل، وراج الحديث بشكل موسّع قبل عزل البشير عن اقتراب إقامة علاقات دبلوماسية بين السودان وإسرائيل، تزامنا مع تلميحات من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وكان نتنياهو قد أثار جدلاً بتصريحات حول إمكانية التطبيع الجوي مع السودان قريباً. وأعلن أن شركات طيران بلاده ستتمكن من التحليق فوق أجواء السودان في طريقها إلى أمريكا الجنوبية.

لكن وزارة الخارجية السودانية أكدت حينها أن "موقف السودان تجاه إسرائيل ثابت ولن يتزحزح مهما حدث من تحولات"، رداً على تقارير بشأن زيارة مرتقبة لرئيس لنتنياهو.

ما الذي يمكن أن يحدثه الدور الأوروبي؟

خلال زيارته الخرطوم في 17 سبتمبر/أيلول الجاري، صرّح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن باريس ستضغط مع شركائها الأوروبيين لحذف اسم السودان من القائمة الدول التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب.

وحول مدى قدرة فرنسا في هذا الملف، قال الفكي: "الثورة جاءت بحكومة تستحق الدعم من كل الدول، وليس غريباً أن تتقدم دول الاتحاد الأوروبي بإعلان دعمها للسودان، خاصة أن العزلة الدولية ألقت بظلالها على السودانيين، وأثرت على قطاعات النقل والتعليم والقطاع الزراعي الذي حُرم من التكنولوجيا المتقدمة".

وأضاف: "بالتالي مساعدة تلك الدول في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو دعم للتحول الكبير في السودان وللثورة والنهضة التي خرج من أجلها السودانيون إلى الشارع للمطالبة بأوضاع أفضل".

وتابع: "الاتحاد الأوروبي مشكور على جهده، وندعو أصدقاءنا في كل دول الجوار الإقليمي للنهوض بدعم قضية السودان، خاصة أن استقرار السودان من استقرار الإقليم بأثره".

مشاركة السودان بحرب اليمن

منذ 2015، يشارك السودان في تحالف عربي، تقوده السعودية، وينفذ عمليات عسكرية في اليمن، دعماً للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة قوات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.

وتثير تلك المشاركة انتقادات داخل السودان، خاصة في ظل استمرار الحرب للعام الخامس؛ ما جعل معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وقال الفكي إن مشاركة القوات السودانية في اليمن هي قضية أثارت جدلاً واسعاً في الفترة السابقة.

وأضاف: "أعتقد أن الجدل متصاعد بسبب الانقسام العربي الأخير.. عندما شاركنا في اليمن، شاركنا كقوات عربية موحدة، وكان بها عدد من الدول العربية التي خرجت عقب الانقسام الخليجي الأخير، وبعدها شهدنا هذه المساجلات".

ومنذ أكثر عامين، تواصل كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها مع قطر؛ بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي المقاطع بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.

وتابع الفكي: "الدخول في الحرب قرار صعب، كما أن الخروج منها يحتاج إلى عدد من الترتيبات، فأنت لا تستطيع أن تدخل الحرب وتخرج منها في يوم واحد، هذا القرار يُدرس وتتم مناقشته بصورة مستمرة في كافة مستويات الحكم، وسيتشكل المجلس التشريعي قريباً ليقول كلمته الفاصلة في تلك القضية".

ماذا عن العلاقات مع تركيا؟

تشهد العلاقات بين تركيا والسودان تطوراً منذ نحو عقدين، وتحديداً منذ أن وصل حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة في تركيا، عام 2002، حيث وضع خطة طموحة لتعزيز التواصل مع البلدان الإفريقية.

وشهدت تلك العلاقات حراكاً واسعاً منذ زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للسودان في ديسمبر/كانون الأول 2017. وحول مستقبل علاقات السودان مع دول الإقليم وخارجه، لاسيما تركيا، قال الفكي: "تركيا دولة كبيرة في المنطقة، والسودان ملتزم بالتعاون مع كل الدول بما يخدم توجهاته".

وأضاف: "أعتقد أن تركيا لديها مصالح كبيرة في السودان، ومن مصلحة الأتراك الاستثمار في السودان في المرحلة القادمة، خاصة أنهم معروفين بالتميز في شتى القطاعات".

وزاد بقوله: "ندعو جميع الدول العالم من دون تمييز للدخول إلى السودان؛ لأننا نعيش حقبة جديدة أساسها المصالح المتبادلة غير محكومة بأيديولوجيا أو فكر عقائدي أو رؤية مغايرة، سوى مصلحة الشعوب".

تحميل المزيد