بعد فشله في اقتحام طرابلس معقل الحكومة المعترف بها دولياً، بدأ اللواء الليبي خليفة حفتر يقوم بخطوات من شأنها تقسيم ليبيا، كما قد تتسبب سياساته المالية في انهيار اقتصادي خطير.
لا تزال حكومة الوفاق الوطني تحكم قبضتها على طرابلس بمساعدة بعض الميليشيات القوية، ويمتد نفوذها إلى قطاعات كبيرة غربي ليبيا، في حين يسيطر الجيش الوطني الليبي على سائر البلاد، ولكن حفتر يحاول أن يعوض فشله في اقتحام العاصمة بسياسات من شأنها تهديد وحدة البلاد، حسبما ما ورد في تقرير لموقع Lobelog الأمريكي.
قوات حكومة التوافق أصبحت قادرة على صد هجماته
بالرغم من استعراض حفتر لقوته الكبيرة ومحاولاته الطموحة للسيطرة على طرابلس التي بدأت في أبريل/نيسان، لم يستطع ما يسمى بالجيش الوطني الليبي بقيادته اجتثات قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة من العاصمة.
في الواقع، يبدو أن قوات حكومة الوفاق الوطني مستعدة للهجوم ومواجهة الجيش الوطني الليبي كما تمكنت القوات من ضم مساحة شاسعة من الأرض.
تقع مناوشات متفرقة بشكل شبه يومي بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن في أغسطس/آب الماضي، مما يذكر الليبيين بأن مسألة السيطرة على طرابلس لم تتم تسويتها بعد، وأن مصير ليبيا والتطورات المستقبلية التي قد تحدث بها لا يزال مجهولاً.
ولكن هذه المناوشات قد تحول ليبيا إلى دولتين ضعيفتين
تدفع هذه المناوشات ببطء الوضع في ليبيا نحو حالة الجمود التي قد تزيد جبهات القتال سخونة وقد تؤدي إلى إعادة ترسيم الحدود في المستقبل وتحويل ليبيا إلى دولتين ضعيفتين.
وستعتمد كلتا الدولتين على الأقل في المستقبل القريب على ما تجود به الأطراف الخارجية.
شنت قوات حفتر في 16 سبتمبر/أيلول غارات جوية على مدينة سرت، التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني والمطلة على البحر المتوسط. وفي 7 سبتمبر/أيلول لقي ثلاثة مقاتلين من قوات حكومة الوفاق الوطني مصرعهم في عمليات عسكرية ضد الجيش الوطني الليبي خارج العاصمة.
وفي مؤتمر صحفي عقد في نفس اليوم، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري إنه يتوقع نهاية سريعة لمعركة طرابلس، مؤكداً أن الحل الوحيد للأزمة هو الحل العسكري وأن وقت الحوار قد ولى.
في 2 سبتمبر/أيلول، أغلق المطار الدولي في معيتيقة مؤقتاً بعد هجوم قوات حفتر. وقبل هذه المناوشات التي وقعت في سبتمبر/أيلول، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي تقوم مؤسسته بدور الوسيط في هذه الأزمة من أن ليبيا على وشك اندلاع حرب أهلية كاملة.
وبحلول 9 سبتمبر/أيلول، كانت هجمات حفتر على طرابلس التي بدأت في أبريل/نيسان الماضي قد أسفرت عن مقتل 1,200 شخص وإصابة 6,000 شخص ونزوح ما يقرب من 120,000 شخص وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
مؤسسة النفط الوطنية ترفض تزويد المعتدين بالوقود، وحفتر يرد
صاحبت التطورات العسكرية إجراءات وإعلانات أخرى مقلقة.
وفي أول سبتمبر/أيلول، خفضت المؤسسة الوطنية للنفط التابعة رسمياً لحكومة الوفاق الوطني من إمدادات الكيروسين للمناطق التي يسيطر عليها حفتر لأنها تستخدم في العمليات العسكرية ضد طرابلس.
لكن المؤسسة الوطنية للنفط أكدت أنها ستلبي احتياجات المدنيين في هذه المناطق.
قال دبلوماسيون تابعون للأمم المتحدة رداً على ذلك إن الشرق يخطط لإنشاء شركته الخاصة للنفط لضمان وجود ما يحتاجه من إمدادات، ليس فقط في المناطق التي يسيطر عليها بل وللقوات التي تقاتل في طرابلس على بعد 1,000 كم.
وها هو يستغل أرباح ميناء بنغازي
من الجدير بالذكر أن حفتر ومؤيديه قد حاولوا خلال السنوات القليلة الماضية التلاعب بالمؤسسات التي تقع ضمن مسؤولية حكومة الوفاق الوطني. يبدو أن ميناء بنغازي قد استعاد مكانته في التجارة البحرية تحت سيطرة حفتر وتذهب أرباحه إلى حكومة الشرق في طبرق وليس حكومة الوفاق الوطني.
إن سيطرة حفتر على العديد من حقول النفط تعطيه ميزة، خاصة إذا سمح له المجتمع الدولي بتصدير النفط.
وقبل ذلك طبع 10 مليارات دينار ليبي بشكل غير قانوني
طبع حفتر وحكومة طبرق بين عامي 2016 و2018 10 مليارات دينار ليبي في روسيا، زاعمين أنهم فعلوا ذلك للتغلب على أزمة النقد في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
تهدد هذه الخطوة سلطة مصرف ليبيا المركزي بوصفه الجهة الرقابية المنظمة للنشاط المالي في الدولة.
واليوم يعتمد حفتر على بنوك خاصة في الشرق تخضع لرقابة مصرف ليبيا المركزي لتمويل حربه ضد حكومة الوفاق الوطني والوضع المالي للدولة بشكل عام معرض للخطر إذا فشل في سداد ديونه.
واقترض 23 مليار دولار
وفي مارس/آذار الماضي، وردت تقارير تفيد أن حكومة الشرق باعت سندات بقيمة 32 مليار دينار ليبي (ما يعادل 23 مليار دولار) لدفع رواتب الموظفين لديها منذ عام 2014 بعد تجاوز مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق الوطني.
يمضي الوقت ولا تلوح نهاية حاسمة في الأفق لصراع حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي على طرابلس، لكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تواصل جهودها محاولة إيجاد تسوية بين الطرفين لكن هجوم حفتر على طرابلس في أبريل/نيسان الماضي أجهض هذه الجهود. وفي 4 سبتمبر/أيلول، وجه رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا رسالة رسمية إلى مجلس الأمن بشأن العديد من القضايا العالقة والمثيرة للقلق التي تواجه ليبيا والبعثة.
ومن هذه القضايا هجوم حفتر على طرابلس وقصف المطارات والمباني العامة وحالات الاختطاف والاختفاء وإمدادات السلاح غير القانونية ودخول المرتزقة إلى البلاد والتدخل الخارجي.
سلامة يحذر من سيناريوهين كارثيين في ليبيا، ولكن الواقع قد يكون أسوأ
حذر سلامة المجلس من سيناريوهين محتملين لمستقبل ليبيا إذا تهاون المجتمع الدولي ولم يوفِّ بالتزامه بالحل السلمي للأزمة الليبية: 1) "استمرار وإطالة أمد نزاع منخفض الشدة" سيؤدي إلى مقتل المزيد من الليبيين و2) "مضاعفة الدعم العسكري لهذا الطرف أو ذاك من رعاته من الأطراف الخارجية" والذي قد يؤدي إلى فوضى إقليمية. ولم يذكر سلامة مسألة تقسيم ليبيا في محاولة منه للاحتفاظ ببعض الأمل في نجاح مهمته.
يبدو أن اجتماعات سلامة مع حفتر لم تؤد إلى حدوث أي انفراجة؛ فاللواء حفتر لا يرى حلاً آخر للأزمة سوى الحل العسكري. أعلن سلامة في 9 سبتمبر/أيلول أن حفتر وافق على الانسحاب من طرابلس لكن فقط بعد أن يتلقى ضمانات بإعطائه مناصب مهمة في أي تشكيل سياسي. يناقض هذا التصريح إعلان حفتر في يوليو/تموز عن عدم رغبته في التفاوض مع رئيس حكومة الوفاق الوطني ومن ثم لا يعني قبوله الآن شيئاً.
في الواقع، يعكس تغير أقوال حفتر موقف جيشه.
كان حفتر في يوليو/تموز الماضي على وشك السيطرة على طرابلس، أما اليوم فيبدو أن قواته تخسر أمام قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل العديد من الميليشيات في الغرب.
لكن سلامة لا يزال ملتزماً باتفاقية المرحلة الانتقالية للبلاد. باختصار، تتكون الاتفاقية من خطة لعقد مشاورات على مستوى الدولة بين الأطراف المختلفة لمناقشة عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية وكتابة مسودة الدستور. عمل مبعوث الأمم المتحدة منذ عام 2017 على تحقيق التعاون بين حكومة الشرق واللواء حفتر وكذلك حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي، لكن لم يكن هناك التزام بذلك من جانب حفتر.
والسراج يعتبره ورقة محروقة
وفي يونيو/حزيران الماضي، وعقب مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع حفتر، اقترح رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج مبادرة سلام تشمل مصالحة وعفو عن الطرف الآخر عدا المتورطين في جرائم حرب.
غير أنَّ الأهم من ذلك هو أن مبادرة فايز السراج وحكومته تعتبر أن حفتر قد أصبح "ورقة محروقة" ولم يعد له دور في مستقبل ليبيا. وبمعنى آخر، يبدو أن مستقبل ليبيا رهن بحقيقتين متزامنتين: المعركة المتأزمة بالقرب من طرابلس حيث يصر حفتر على السيطرة عليها وعملية السلام الجامدة حيث فشل سلامة في إقناع حفتر بالقبول بتقديم تنازلات.
ولا يبدو أن اللواء حفتر راغب في وقف هجومه على العاصمة أو قبول عقد اتفاقية.
لولا الإمارات ما استطاع مهاجمة طرابلس.. وهاهي تبني قاعدة لدعمه في النيجر
لم يكن حفتر ليمسك مصير ليبيا بين يديه لو لم يكن يتلقى دعماً من أطراف خارجية ذات مصلحة لا تأبه بتعنته، وتشمل هذه الأطراف الخارجية في المقام الأول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر. في حين أعلنت هذه الأطراف عن دعمها لبعثة سلامة، إلا أنها لا تزال تراهن على حفتر.
فقد جعلته مؤهلاته كشخص حارب الإخوان المسلمين في ليبيا مقرباً لهذه الدول الثلاث التي تعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. ساعدت الإمارات حفتر عن طريق تزويد قواته بالمدرعات والطائرات بدون طيار.
وبدأت مؤخراً بناء قاعدة عسكرية في النيجر المجاورة لليبيا لمساعدة اللواء حفتر. وعقد أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم حفتر مؤتمراً صحفياً في أبوظبي أعلن فيه أن الحل الوحيد للأزمة الليبية هو الحل العسكري.
كما دعمت الانفصاليين في اليمن والصومال
ويعد هذا المؤتمر دليلاً كافياً على أن الإمارات تقف بجانب حفتر. ومن المنظور السياسي، لا يختلف دعم الإمارات لحفتر عن دعم أبوظبي للقوات الانفصالية في اليمن وفي إقليمي أرض الصومال وبونتلاند التابعين للصومال.
ومن جهة أخرى، قدمت السعودية ومصر لحفتر مساعدات مالية وعسكرية، بل إنهما توسطتا له في الأمم المتحدة عقب هجومه على طرابلس. دفع هذا الإجراء ترامب إلى الاتصال باللواء المنشق لشكره على جهوده في محاربة المتطرفين، وأعطاه رخصة ضمنية للثبات على موقفه في مواجهة حكومة الوفاق الوطني.
والسعودية قد تتخلى عنه بعد ما فعلته أبوظبي معها في عدن
وتعهدت الرياض أيضاً بتمويل حملة حفتر العسكرية ضد طرابلس. والآن وبعد توقف حملته وبعد الخلافات مع الإمارات بشأن تغير موقفها في اليمن ودعمها للانفصاليين هناك، قد ترغب السعودية في التوقف عن دعم حفتر ومساعدة غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة.
أما الأطراف الأخرى كالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا فلا تبدو راغبة في المشاركة في الوصول إلى حل سلمي. بل تفضل باريس وموسكو البحث عن مصالحهما بدلاً من مساعدة بعثة الأمم المتحدة.
وفي الاجتماع الأخير لقادة العالم في مجموعة الدول السبع، أصدر القادة بياناً يدعو إلى مؤتمر دولي بشأن ليبيا، لكنهم أكدوا على دعمهم لبعثة الأمم المتحدة بقيادة غسان سلامة.
وفي المقابل، اتخذت تركيا موقفاً قوياً داعماً للسراج وحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها ومقرها طرابلس. يساعد هذا الدعم في تحويل الأزمة الليبية إلى "حرب بالوكالة" بين الإمارات وتركيا، تسعى فيها كل منهما لتزويد حليفها بكل وسائل النجاة السياسية والمادية.
تجد حكومة الوفاق الوطني في موقف حرج حيث يوجد حظر على توريد الأسلحة لليبيا منذ عام 2011، وفي المقابل يتلقى حفتر دعماً عسكرياً من الإمارات وغيرها، ونظراً لأن خيارات حكومة الوفاق محدودة، ستضطر إلى قبول دعم تركيا. أعلن مسؤول ليبي سابق في يوليو/تموز الماضي عن ترحيبه بمساعدة تركيا، حيث إنها قد تسد العجز في دفاعات حكومة الوفاق التي تعتمد الآن بشكل كبير على القوات البرية من ميليشيات غرب ليبيا.
زودت تركيا حكومة الوفاق الوطني بالمدرعات والمركبات الهوائية غير المأهولة. ولا يختلف موقف تركيا هنا عن موقف قطر من حفتر وحكومة الوفاق الوطني والحل السياسي لأزمة ليبيا. دعت قطر أيضاً إلى تحقيق دولي في الهجوم على مركز للاحتجاز بالقرب من طرابلس في يوليو/تموز الماضي، يقال إن قوات حفتر هي من نفذته.
شرق ليبيا قد ينفصل تحت قيادته بدعم من السيسي وبن زايد
في حين يصب النزاع الداخلي والتدخل الخارجي الزيت على نار الصراع الليبي، يعد تحدي اللواء حفتر لحكومة الوفاق ورفضه وساطة الأمم المتحدة عاملين أساسيين في حدوث تقسيم دول ليبيا الذي يخشى وقوعه. إذا أعاق حفتر بعثة سلامة وأصر على الحل العسكري لنزاعه مع حكومة الوفاق -وهو أمر لا يزال بعيداً عن مناله- فسيصعب عرقلة سيطرته على المناطق التي يحكمها بحكم سياسة الأمر الواقع. وما يعزز من هذه الاحتمالية حقيقة أن شرق ليبيا يبدو كياناً واعداً من الناحية الاقتصادية، وقد يحظى بدعم الإمارات ومصر بالرغم مشكلة الشرعية الدولية التي قد يخلقها هذا الخيار لحفتر وداعميه.
يتطلب إثناء حفتر عن هجماته على العاصمة أو عن الانفصال الموجود بحكم الواقع التزاماً دولياً بدعم بعثة الأمم المتحدة بالرغم من الانتكاسات التي تعرضت لها. لكن الالتزام الدولي ينبغي أن يضع في الحسبان كيفية منع الإمارات ومصر من التدخل ودعم حفتر.
تلعب إدارة ترامب دوراً جوهرياً هنا بسبب علاقتها بأبوظبي والقاهرة. قد تكون المعارضة التي لقيتها الإمارات عندما دعمت الانفصاليين في جنوب اليمن سبباً في إقناع القادة الإماراتيين بتخفيض سقف طموحاتهم في الصومال وليبيا.
وبالنسبة إلى مصر، قد تكون قدرة الولايات المتحدة على الضغط على مصر اقتصادياً وعسكرياً كافية لإقناع قادة مصر بأن سلامة وأمن بلادهم بحال أفضل إذا كانت ليبيا موحدة وتحظى بدعم المؤسسات الدولية الذي اعتبره القذافي من قبل أمراً غير ضروري.