الحرب المنسية.. هل حان وقت المسار السياسي في سوريا أم أن نهاية الصراع بعيدة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/27 الساعة 15:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/28 الساعة 07:36 بتوقيت غرينتش
رئيس النظام في سوريا بشار الأسد - رويترز

على الرغم من تراجع التركيز الدولي على الحرب في سوريا بعد أن سيطرت قوات الرئيس بشار الأسد المدعومة من روسيا وإيران على معظم أراضي البلاد، فإن ذلك لا يعني أن الحرب انتهت أو أن معاناة السوريين قد وصلت إلى نهايتها، فلماذا تخلى العالم عن السوريين؟

مجلة يو إس نيوز الأمريكية تناولت الأوضاع بسوريا في تقرير بعنوان: "الحرب المنسيّة: الصراع السوري على هامش اجتماع الأمم المتحدة"، حذرت فيه من استمرار الحرب فترة أطول مما يتوقعها البعض، رغم الحديث عن المسار السياسي.

لجنة وضع الدستور

في الوقت الذي يجتمع فيه عشرات من رؤساء الدول بالجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، يتراجع التركيز على الصراع الذي طال أمده بسوريا، في حين تحتل التوترات في الخليج والحروب التجارية العالمية مركز الصدارة.

والآن بعد أن وصل الصراع إلى عامه التاسع، يخشى كثير من السوريين من أن الحرب التي لم تُحسم بعد أصبحت هامشاً في قائمة طويلة من الأزمات العالمية، وأن القادة الضجِرون استكانوا إلى قبول حكم الرئيس بشار الأسد على بلد محطَّم ومُقسَّم في المستقبل المنظور.

وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عشية اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن إعداد اللجنة التي طال انتظارها لصياغة دستور سوري جديد قد انتهى، وهي خطوة تأمل الأمم المتحدة أن تضع البلد الذي مزقته الحرب على المسار الصحيح لحل سياسي.

لكن قليلين هم من يرون أي أمل حقيقي في أن تتمكن اللجنة من تحقيق تقدُّم ذي قيمة نحو هذه الغاية.

إذ قال حسين علي، وهو أبٌ لطفلين يبلغ من العمر 35 عاماً وأحد النازحين داخلياً: "لقد نسي العالم أمرنا، ولم يبالِ أحد بسوريا من الأساس". وقد هرب حسين من العنف في حلب منذ سنوات، ويعيش الآن مع أسرته بغرفة واحدة مستأجرة في بلدة أعزاز الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة، بالقرب من الحدود التركية. وقال: "ظهور داعش دفع الغرب إلى الاهتمام لحظات، ولكنه لم يعد يفعل".

صراع متجمد

عادت معظم الأراضي السورية إلى سيطرة الحكومة بعد ثماني سنوات من الحرب، فيما عدا إدلب، معقل المعارضة في الشمال الغربي، حيث حوصرت قوات المعارضة والمسلحون الإسلاميون وعائلاتهم القادمون من مختلف أنحاء البلاد، والشمال الشرقي الغني بالنفط، الذي تسيطر عليه مجموعات كردية تدعمها الولايات المتحدة. وقد تراجعت أعمال العنف إلى حد كبير في معظم أنحاء البلاد، لكنَّ قليلاً من اللاجئين، البالغ عددهم نحو 6 ملايين لاجئ والمنتشرين في جميع أنحاء العالم، عادوا إلى وطنهم، إذ يخشى كثيرون تعرُّضهم للاعتقال إذا عادوا إلى وطنهم، أو أنهم ببساطة لم تعد لديهم منازل يعودون إليها.

الحرب في سوريا تقترب من نهاية عامها التاسع – رويترز

إذ ثمة مدن وقرى مدمرة عن آخرها. ولن يسهم الغرب في خطط إعادة الإعمار ما دام الأسد بالسلطة، ولا ترغب الدول الأخرى في الاستثمار دون طرح تسوية سياسية أولاً.

وفي إدلب، لا يزال الهجوم الحكومي المدعوم من روسيا لإعادة السيطرة على المحافظة، يتسبب في إزهاق الأرواح، إذ قُتل مئات ونزح أكثر من 400 ألف شخص خلال الأشهر الأربعة الماضية، في ظل الغارات الجوية السورية والروسية. لكن الأخبار العالمية قلّما تأتي على ذكر سفك الدماء.

وقال هيكو ومين، مدير مشروع العراق وسوريا ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية: "يبدو أن العالم قد سئم الحرب منذ فترة طويلة، واستكان إلى الصراع المتجمد، واعتبر وقف إطلاق النار على مستوى البلاد أفضل سيناريو ممكن".

قمع المظاهرات السلمية 

كان الصراع في سوريا أحد تداعيات ما يُسمّى انتفاضات الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام 2010، وأطاحت الحكام الديكتاتوريين في تونس ومصر وليبيا. ولكن ما بدأ في مارس/آذار 2011 في صورة مظاهرات سلمية إلى حد كبير ضد حكم عائلة الأسد، تحوّل إلى تمرد مسلح بعد حملة القمع الحكومية الوحشية. وفي نهاية المطاف، صار الصراع حرباً بالوكالة بين الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج التي ساندت المتمردين من جانب، ضد روسيا وإيران وحزب الله الذين خاضوا الحرب في صف الحكومة من جانب آخر. وفي خِضمّ الفوضى، ازدهر متطرفون على غرار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، واستولوا على ثلث سوريا والعراق.

وقُتل ما يقرب من نصف مليون شخص، ونزح نصف تعداد سكان سوريا قبل الحرب. سُحِقت معظم قوى المعارضة، والسيادة صارت على نطاق واسع في قبضة الأسد. إذ هُزِم مسلحو داعش الذين هيمنت أخبارهم على الساحة سنوات، على الرغم من أن الجماعة تواصل شن هجمات متفرقة.

ويظل وقف إطلاق النار المؤقت قائماً في إدلب منذ نهاية أغسطس/آب، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أنه سيكون هناك أي شيء آخر سوى حالة توقف مؤقت قبل إعادة تنظيم القوات الحكومية وحلفائها وإعادة شنّ حملتها.

قال ويمين: "يبدو أن النظام السوري مصممٌ على استعادة السيطرة على الأرض كلها حتى آخر جزء، دون أدنى مساومة، وما دامت دمشق تصرّ على موقفها، ويدعمها في ذلك مؤيّدوها الأجانب، فستستمر الحرب".

جهود دبلوماسية

بينما لا يزال العالم في طريق مسدود بشأن سوريا، لا توجد مبادرة في الأفق من شأنها حلّ الوضع الراهن. ويُعد مبعوث الأمم المتحدة الحالي في سوريا، جير بيدرسن، رابع من شغلوا المنصب بعد استقالة الثلاثة السابقين في أعقاب سنوات من محادثات السلام التي لم تؤتِ أي ثمار. 

وتتألف اللجنة الدستورية، التي أُعلِن عنها يوم الإثنين 23 سبتمبر/أيلول 2019، من 150 عضواً ينقسمون بالتساوي بين أعضاء الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني. وقد استغرق الاتفاق على أسماء أعضاء اللجنة 20 شهراً من جميع الأطراف، وهي مكلفةٌ صياغة دستور سوري جديد في أثناء المحادثات التي تولت تيسيرها الأمم المتحدة في جنيف. وفي توق حثيث إلى الوصول لانفراجة، وصفها غوتيريش بأنها "بداية المسار السياسي للخروج من المأساة في اتجاه الحل" نحو انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة ونحو مستقبل جديد.

من المقرر أن تجري سوريا انتخابات رئاسية في عام 2021، وتأمل الأمم المتحدة أن تساعِد المحادثات في تهيئة مناخ وآليات يُمكّنان البلاد من إجراء تصويت محايد ونزيه. ولكن في ظل وجودٍ بيِّن ليد عسكرية عليا، من غير المرجح أن تقدم حكومة الأسد أي تنازلات، وقد رجّح مسؤولون سوريون أن الأسد سيرشح نفسه مرة أخرى.

ووصف دبلوماسي غربي ما يجري بأنه "خطوة مهمة"، من ناحية أن المحادثات التي تشرف عليها الأمم المتحدة ستوفر شكلاً من أشكال المراقبة الدولية لعملية الاقتراع.

وقال الدبلوماسي -الذي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويّته؛ نظراً إلى حساسية القضايا- في إشارة الى جولات عديدة مرّت بها المحادثات بين الحكومة والمعارضة في جنيف تحت أنظار مبعوث الأمم المتحدة، إن هذا "لن يكون حلاً للحرب، بل وسيلة لانطلاق برنامج من أجل سوريا، ومحاولة أن يكون الأمر أكثر شمولاً من المحادثات غير المباشرة بين الجانبين". وفي إشارة إلى انعدام الثقة، قال النائب السوري صفوان القربي إن اللجنة "حساسة وخطيرة أيضاً".

وقال القربي في إشارة الى المعارضة ومؤيديها الأجانب: "ما خُطِّط لتنفيذه من خلال هذه اللجنة هو سرقة قرار سوريا السياسي، وهو الأمر الذي لم يتمكنوا من فعله عبر عملٍ عسكريٍ مدمرٍ".

بعيداً عن النهاية

في حين أن العنف ربما يكون قد انخفض، يقول محللون إنه من المُحتمل أن تستمرّ الحرب وقتاً طويلاً.

وفي ذروة الحرب السورية، أسفر الصراع عن أزمة مهاجرين عالمية ما زالت تُعيد تشكيل أوروبا والدول المجاورة التي فتحت حدودها أمام ملايين الفارين من الحرب. وقد قلّت حفاوة ذلك الاستقبال خلال العام الماضي. وفي ظلّ المعاناة من التدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، ساء المزاج العام في تركيا ولبنان والأردن، وتزايدت المطالبات بعودة اللاجئين إلى ديارهم.

وقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده لم تعد قادرة على تحمُّل عبء 3.6 ملايين لاجئ تستضيفهم، وفي وقت سابق من هذا الشهر، هدد بـ "فتح البوابات" والسماح لطوفان من اللاجئين السوريين بمغادرة تركيا، متجهين إلى دول غربية، ما لم يتم الاتفاق بشأن ما يُطلق عليه اسم "المنطقة الآمنة" في سوريا قريباً خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة.

اللاجئين السوريين في لبنان
لاجئون سوريون على الحدود بين لبنان وسوريا/ رويترز

ويبدو أن الاستياء المتزايد من السوريين هو الدافع وراء موجة جديدة من المهاجرين الذين يُبحرون من تركيا إلى جزيرة ليسبوس اليونانية كل يوم.

وقد استغلّ أردوغان خطابه في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء، لتسليط الضوء على التكلفة الإنسانية للحرب من خلال رفع صورة للطفل إيلان كردي، الذي عُثر عليه جثةً هامدةً وهو في الثالثة من عمره على أحد الشواطئ التركية في عام 2015، ولفتت صورته انتباه العالم إلى محنة اللاجئين، وقال أردوغان إنه يجب على العالم "ألا ينسى أبداً الصغير إيلان ابن العالم".

ومن المحتمل أن يسفر الهجوم الحكومي السوري الشامل لاستعادة إدلب -والذي يبدو حتمياً- عن عواقب وخيمة؛ وهو ما سيدفع مئات الآلاف من الأشخاص نحو الحدود التركية.

قال ويمين: "لن يرحل الأسد، لأنَّ طرده لم يعد خياراً، لكن في حين أنه لن يُعاد تأهيله، ولن تُبنى البلاد من جديد في وجوده، فمن المرجح أن يستمر الوضع الراهن البائس على ما هو عليه".

تحميل المزيد