بصوت عربي واحد كُلف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، وازدادت فرصه ليعود لرئاسة الوزراء، ولكن بقي أمامه عائق أساسي قد يحمله للسجن بدلاً من رئاسة الحكومة.
فقد حصل بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود من الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على تكليف رسمي للبدء بتشكيل الحكومة المقبلة، بعد انسحاب التجمع الوطني الديمقراطي من كتاب التكليف الذي قدّمته القائمة العربية المشتركة.
ويبدو أن نتنياهو لديه احتمال أفضل لتشكيل الحكومة من بيني غانتس رئيس حزب أرزق أبيض، رغم أن الأخير حصل على 33 مقعداً في الكنيست، متفوقاً بمقعد واحد على الليكود، الحاصل وفق النتائج النهائية الرسمية على 32 مقعداً فقط.
لكن نتنياهو نجح في حشد معسكر اليمين خلفه، وحصل على ترشيح 55 عضو كنيست لتشكيل الحكومة، في حين بلغ عدد أعضاء الكنيست الذين أوصوا بتكليف غانتس بهذه المهمة 54 عضواً فقط، بعد انسحاب التجمع الوطني الديمقراطي من كتاب التكليف الذي قدّمته القائمة العربية المشتركة.
وكان قرار القائمة العربية بدعم تكليف غانتس بتشكيل الوزارة قد أثار جدلاً داخل الأوساط العربية في إسرائيل، حيث انتقده البعض باعتبار غانتس جنرالاً إسرائيلياً يتباهى بدوره في حروب إسرائيل على غزة، بينما يراه آخرون أقل سوءاً من نتنياهو.
ولكن طريق نتنياهو للحصول على ولاية خامسة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية ليس معبّداً، فهناك جملة إشكاليات سياسية وحزبية وقضائية قد تحول بينه وبين أن يقضي أربع سنوات جديدة في مقر رئاسة الوزراء.
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية قال لموقع "عربي بوست" إن "نتنياهو بدأ سباقه لتشكيل ائتلافه الحكومي، حيث يستغرق وقتاً محدداً بـ28 يوماً، مع خيار التمديد لـ14 يوماً أخرى، وإذا فشل في مهمته هذه يمكن لرئيس الدولة أن يعطي التفويض لخصمه غانتس، أو قد يعلن أنه لا أحد لديه فرصة تشكيل الحكومة، وبالتالي فإن الكنيست سوف يُحل مرة ثانية، ويبدأ التحضير لانتخابات ثالثة".
هناك أربعة سيناريوهات أمام نتنياهو
السيناريو الأول: نجاحه في تشكيل حكومة يمينية عبر التحالف مع ليبرمان
علاء الريماوي، الباحث في الدراسات الإسرائيلية قال لموقع "عربي بوست" إن "تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة يتطابق مع معظم التوقعات الصادرة في الأيام القليلة الماضية، التي تنبّأت بأنه أقرب لهذا التكليف رغم تفوق حزب أزرق-أبيض، لكن المهمة أمام نتنياهو ليست سهلة".
وأضاف أن "أفيغدور ليبرمان زعيم حزب يسرائيل بيتنا ما زال يلعب دوراً محورياً في نجاح مهمة تشكيل الحكومة، وهو أقرب لنتنياهو، ويميل لقبول التحالف معه بشروط، أهمها التسوية على قانون تجنيد المتدينين (يريد ليبرمان فرض التجنيد الإجباري عليهم)، إضافة للحصول على بعض الحقائب الوزارية المهمة".
وأوضح أن "نتنياهو سيحاول البحث عن خارطة طريق تجعله يستوعب ليبرمان بجانبه، في حين أن حزب أزرق-أبيض تبدو قدرته على تشكيل حكومة متواضعة، إلا من خلال تحالف مع نتنياهو.
السيناريو الثاني: هو العودة لانتخابات جديدة
إذا فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة فقد يكلف الرئيس الإسرائيلي غينتس بذلك، أو يقرر الذهاب لانتخابات جديدة.
ولكن يرى الريماوي أن العودة للانتخابات الثالثة هو خيار ضعيف، بسبب معارضة الرأي العام الإسرائيلي لذلك.
السيناريو الثالث: تشكيل حكومة ائتلافية مع خصمه غانتس
تراجعت احتمالات هذا السيناريو بعد أن فشل الاجتماع بين نتنياهو وغانتس.
وكان تكيف الرئيس الإسرائيلي لنتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية قد جاء عقب فشل محادثاته مع غانتس، وبعد لقائهما بالرئيس الإسرائيلي.
فقد تعثرت المفاوضات بينهما، بعد رفض غانتس لخيار التناوب على رئاسة الحكومة، شرط أن يترأسها نتنياهو في العامين الأولين، ثم يقودها هو في العامين التاليين، وعقب هذا الفشل بدأ غانتس بمهاجمة نتنياهو بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، قائلاً: "لن نجلس بحكومة يرأسها شخص توجَّه له اتهامات خطيرة".
في زحام هذا الاستقطاب السياسي والحزبي في إسرائيل، أعلن ليبرمان أن نتنياهو وغانتس مطالبان بإجراء قرعة لتحديد مَن سيكون رئيساً للوزراء أولاً، لأن ما يحصل من خلاف بينهما حول هذه النقطة يشبه نزاعاً صبيانياً حول من سيكون رئيس الحكومة الأول.
وفق النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية التي أُعلنت في الساعات الأخيرة، فإن ليبرمان يُمسك بمفاتيح تشكيل الحكومة المقبلة، في أعقاب الجمود السياسي بين حزبي الليكود وأزرق-أبيض، مع تعهده بالدفع نحو حكومة وحدة ليبرالية وقومية موسعة تضم أكبر حزبين، رغم أنه يميل على الفور لدعم الليكود، شريكه القديم في الائتلاف الحكومي.
السيناريو الرابع.. الذهاب للسجن
"هناك سيناريو غريب ما زال باقياً، ويتمثل في أن يأتي نتنياهو بعد أسبوع فقط من الآن، ويعيد التفويض للرئيس الإسرائيلي، ويبلغه بفشله في هذا التكليف، وعجزه عن تشكيل الحكومة، حسبما يرى سعيد بشارات.
وقال إن هذا السيناريو يتزامن مع اقتراب توجيه لائحة اتهام، يحتمل تقديمها ضده في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، وفي مثل هذا الموقف قد يختار ريفلين شخصاً من أزرق-أبيض، أو يذهب لتكليف مرشح آخر من معسكر اليمين، أو مسؤول كبير في حزب الليكود".
إحدى الإشكاليات المعقدة التي تواجه مسيرة نتنياهو في تشكيل حكومته بناء على كتاب التكليف، تتمثل في البعد القانوني القضائي، حيث يتزامن بدء مشاوراته مع الكتل البرلمانية المتوقع أن تتحالف معه مع بدء العد التنازلي لعقد جلسة استماع له أمام الجهات الشرطية والنيابية.
المحكمة قد تصدر قراراً يمنعه من تشكيل الحكومة
وتتزايد التوقعات بأن توجه عقب الجلسة لائحة اتهام ضده، الأمر الذي سيُجبره على وقف مشاوراته الائتلافية، والانشغال بتعيين طاقم محامين للدفاع عنه خشية الذهاب إلى السجن.
في ظل هذا المأزق، وعدم إيجاد حلول ناجعة تضمن نجاح نتنياهو في تشكيل الحكومة، فإن الأوساط السياسية والحزبية الإسرائيلية لم تستبعد أن تذهب إسرائيل إلى انتخابات ثالثة، وهو سيناريو بدأ يلوح في الأفق، مع أن ذلك قد تسبقه إمكانية أن يكون نتنياهو قد اتّهم في قضايا الفساد ضده، وفي هذه الحالة فإن المحكمة الإسرائيلية العليا قد تمنع تكليفه من تشكيل الحكومة إذا تقررت محاكمته.
أكثر من ذلك، فإن خبراء القانون الدستوري في إسرائيل، يقدرون الوضع القانوني الصعب لنتنياهو، بحيث إذا قرر المستشار القضائي توجيه الاتهام إليه، فمن المرجح أن يمنعه من المبادرة لخوض جولة انتخابات ثالثة، وهذا أسوأ ما قد يتوقعه نتنياهو.
عماد أبو عواد، المحلل السياسي الفلسطيني قال لموقع "عربي بوست" إنه "منذ بداية ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية في مسوداتها الأولية، كان واضحاً صعوبة أن نتخيل المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي من دون وجود نتنياهو، وها هو من جديد يتسلم ملف تشكيل الحكومة".
وأضاف أنه "ليس شرطاً أن ينجح نتنياهو في تشكيل الحكومة، لكن من الأهمية بمكان الأخذ بعين الاعتبار أن فرص غيره أقل، مما يجعل المشهد الإسرائيلي معقداً، وفهمه يحتاج إلى متابعة حثيثة وعمق في التفكير، لأن الأكيد أن إسرائيل تعاني من أزمة، قد تأخذها إلى انتخابات ثالثة باتت قريبة".