قال روبرت جوردان، الدبلوماسي الأمريكي، وسفير الولايات المتحدة السابق في السعودية منذ عام 2001 إلى عام 2003، إن "المسارعة الآن إلى تقديم الدعم العسكري الأمريكي للسعودية سترسل إشارة خاطئة بشكل مطلق إلى الرياض، التي أضرت تصرفاتها خلال السنوات القليلة الماضية بمكانة أمريكا العالمية وهدَّدت أمننا".
ويضيف جوردان في مقالة له نشرت بمجلة Politico Magazine الأمريكية ، إن هجوم 14 سبتمبر/أيلول الماضي على المنشآت النفطية السعودية -وهو الهجوم الذي تُجمع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا على القول إن إيران هي مَن نفَّذته- يبيّن مدى قرب الشرق الأوسط من الحرب. لكن التركيز على الاعتداء الذي يزعم أن إيران خلفه يجب ألا يُعمي عن دور المملكة العربية السعودية في الوضع المتدهور، وليس أقله حربها الكارثية في اليمن.
ويدرس الكونغرس حالياً ما إذا كان سينهي الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. يقول جوردان ينبغي على الكونغرس تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية وغيرها من أشكال الدعم للحرب اليمنية، ليس فقط للمساعدة في إنهاء هذا الصراع المفزع، بل وأيضاً لتوضيح أن المملكة العربية السعودية عليها اتخاذ خطوات لتجنب تأجج حريق إقليمي واسع.
"الرياض عاشت في حالة إنكار حول هجمات 11 سبتمبر"
يضيف السفير الأمريكي السابق: أعلم من تجربتي الشخصية تعقيدات الروابط الأمريكية السعودية، إذ خدمت سفيراً أمريكياً في الرياض. وربما تكون تلك المدة، حتى الآن، أصعب وقت شهدته علاقاتنا الثنائية التي استمرت تسعة عقود. وقد واجهت خلال ولايتي حكومةً سعودية في حالة إنكارٍ أن 15 من خاطفي الطائرات في هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانوا مواطنين سعوديين، وفي حالة تعامٍ عن الخطر الذي يمثله التطرف على كلا البلدين. ثم، وكما هو الحال الآن، رفض القادة السعوديون الاعتراف بالمخاطر التي اتَّضحت أمام كل شخص آخر بوضوح. أما الآن، على عكس ما كان حينذاك، فإن الخطر الناشئ على المملكة العربية السعودية لا يأتي من المواطنين المتشددين، ولكن من القيادة السعودية نفسها.
"ولي العهد السعودي متهور"
ومن بين العديد من الخطايا التي ارتكبتها المملكة العربية السعودية على مدى السنوات القليلة الماضية، ثبتت اثنتان منها في أذهان المشرّعين الأمريكيين والجمهور الأمريكي: الحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن، وجريمة القتل البشعة للكاتب في صحيفة Washington Post جمال خاشقجي. والأمران يقف وراءهما محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي المتهور، والمعروف بـاسم MBS.
لم تسفر الحرب المستمرة لأربع سنوات في اليمن عن إحراز أي تقدم في صراع المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين، على الرغم من أن القتال قد أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وعرّض ملايين آخرين لأخطار الجوع والأمراض.
وشهدت العديد من الغارات الجوية التي شنتها السعودية (وحليفتها الإمارات العربية المتحدة)، والتي تجاوز عددها الـ20 ألف غارة، استخدام ذخائر أمريكية لاستهداف المدنيين بشكل متكرر وغير قانوني، رغم أن الجيش السعودي كان قد تلقى التدريب والدعم لسنواتٍ في الولايات المتحدة. وقد حذَّر جمال خاشقجي في عموده الصحفي الأخير قبل اغتياله من أن السعودية لا يمكنها الفوز عسكرياً في اليمن، وحثَّ على وضع حدٍّ للحرب قبل أن تضر بسمعة المملكة العربية السعودية أكثر مما فعلت.
يقول جوردان: كنت قد التقيت جمال للمرة الأولى خلال عملي سفيراً للولايات المتحدة في السعودية، وكان سعودياً فخوراً بسعوديته، نشأت دعواته للإصلاحات الداخلية واحترام حقوق الإنسان من رغبة راسخة لديه في رؤية بلاده تزدهر. غير أنه قُتل بوحشية على أيدي عملاء سعوديين لتجرئه على انتقاد محمد بن سلمان.
"القيم الأمريكية معروضة للبيع"
يردف السفير السابق: كان يتعين على إدارة ترامب منذ عهد طويل إدانة الاعتداءين السعوديين كليهما في حربها على اليمن وفي قتل خاشقجي، والحد من الدعم العسكري الأمريكي وغيره من أشكال الدعم. غير أنه بدلاً من ذلك وقف ترامب إلى جانب زعيم سعودي متهور، وفشل حتى في انتقاد أكثر الانتهاكات السعودية بشاعة، فضلاً عن توسعه في بيع الأسلحة ذاتها التي قتلت الآلاف من المدنيين اليمنيين الأبرياء. وفي الوقت الذي يستحضر الرئيس مبيعات الأسلحة الأمريكية لتسويغ الدعم الذي يقدمه للسعودية، فإنه يبعث برسالة فظيعة مفادها أن القيم الأمريكية معروضة للبيع، ومن ثم يقوض مبادئنا الأساسية.
لكن الوضع الراهن يفرض مخاطر متزايدة على كل من السعودية والولايات المتحدة. فقد عززت الحرب في اليمن علاقات إيران مع الحوثيين، بعد أن وفرت لطهران حليفاً مستعداً لضرب المصالح السعودية والأمريكية في المنطقة (كما تبينه مزاعم الحوثي الزائفة بالمسؤولية عن هجمات الأسبوع الماضي). وزاد على ذلك استفادة كل من القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من الحرب لترسيخ أقدامها في اليمن، واحتمال شروعهما في التخطيط لشنِّ هجمات مستقبلية ضد أمريكا والمصالح الأمريكية. تهدد الحرب في اليمن حتى الشراكة بين السعودية والإمارات، إذ بدأ حلفاؤهما اليمنيون، الذين كانت قواتهم قد اتحدت في السابق لمحاربة الحوثيين، مؤخراً في قتال بعضهما بعضا.
"على الكونغرس كبح جماح السعوديين"
ويرى جوردان، أنه إزاء هجمات 14 سبتمبر/أيلول الدراماتيكية وسنوات من إساءة التصرف من قبل السعودية، ينبغي أن يقاوم الكونغرس الضغوط لإبداء ردود أفعال تضامنية مع الرياض، وأن يتقدم، لا أن يعطل، تحركاته الأخيرة لكبح الدعم العسكري الأمريكي للسعودية. يناقش الكونغرس حالياً عدة بنود في مشروع قانون الدفاع السنوي، تتضمن تعليق الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، وطرح عملية مساءلة محدودة عن جريمة قتل خاشقجي، وتشمل الوقف المؤقت لمبيعات القنابل الأمريكية دقيقة التوجيه إلى السعودية والإمارات.
سيبرهن تطبيق تلك المعايير والتدابير على أن قيم أمريكا لا تقدر بثمن، ويسهم كذلك في تخفيف حدة التوترات في المنطقة، بدلاً من سكب الوقود على نار مشتعلة بالفعل. وبالرغم من دعم ممثلي الحزبين في مجلسي النواب والشيوخ، فإن الجمهوريين في مجلس الشيوخ قاوموا تلك التدابير خشيةَ التعارض مع سياسات الرئيس. لكن الوقت قد حان لكي يتقدموا لكبح جماح إساءة التصرف من قبل السعودية، قبل أن تشعل الرياض حرباً مع إيران ستكون أكثر دموية بكثير من تدخلها الكارثي في اليمن.
بحسب جوردان، قد يساعد تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية عند هذا المنعطف في اغتنام فرصة قصيرة لإنهاء حرب اليمن، من خلال طرح الأمور واضحة أمام السعودية بأنها لا يمكنها الهيمنة عسكرياً في نزاعها مع الحوثيين.
وقد سبق أن ساعد وقف التزويد الأمريكي بالوقود جواً للطائرات السعودية، خلال العام الماضي، في إقناع الرياض بدعم وقف إطلاق نار محدود على موانئ اليمن الرئيسة لتقديم المساعدات الإنسانية. ومن ثم فإن تعليق الكونغرس مبيعات القنابل دقيقة التوجيه الآن، يمكن أن يحفز السعوديين بالمثل على العودة إلى المفاوضات، قبل أن يؤدي تفشي الصراع أكثر من ذلك إلى جعل السلام أمنية بعيدة المنال.
"المشرّعون الأمريكيون قد يُجبِرون السعودية على إنهاء حرب اليمن إذا أرادوا"
يقول جوردان: لم تكن الخيارات الأمريكية في تعاملها مع السعودية محصورة قط بين خياري القبول المطلق للتصرفات السعودية أو قطع العلاقات معها، فقد تمكن الرؤساء من روزفلت إلى رونالد ريغان من إيجاد طرق للحفاظ على القيم الأمريكية في الوقت نفسه، الذين يتعاونون تعاوناً انتقائياً لخدمة المصالح الأمريكية.
ولو كانت الظروف مثالية، لكان المفترض أن يعمل الكونغرس والرئيس معاً لحل مسائل السياسة الخارجية، لكن إحجام الرئيس الآن عن كبح سوء السلوك السعودي يعني أن الكونغرس تقع عليه الآن مسؤولية التصرف، إذ لا يمكن للوضع في اليمن أن ينتظر تصحيح المسار على يد إدارة مستقبلية.
إذ إن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة إلى الكونغرس، لدرجةٍ تحول دون انسياقها وراء دعوات التعاطف مع السعودية في أعقاب هجمات هذا الشهر. إذا أخفق الكونغرس في تحركاته، فستقتل الأسلحة الأمريكية مزيداً من المدنيين الأبرياء في اليمن، مقلصةً أكثر فأكثر من فرص السلام، وفي الوقت نفسه، فإن الإفلات من العقاب في جريمة قتل خاشقجي سيجرِّئ الطغاة في جميع أنحاء العالم، وستواصل الحرب في اليمن تمكين الإرهابيين وزيادة زعزعة الاستقرار في منطقة محفوفة بالمخاطر بالفعل.