عاد الخطر السياسي يلوح مرة أخرى في أفق مصر، ويهدد الآن وضع البلاد بوصفها سوقاً ناشئة مفضلة، بعدما فوجئ المستثمرون بالمظاهرات المناهضة للنظام الجمعة الماضية، الأمر الذي أدى لتراجع البورصة المصرية بسبب المخاوف السياسية.
وخضعت الأصول المصرية للضغط منذ الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي اندلعت يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، التي تزعم وجود فساد في الجيش، في ظل انخفاض تسعير قيمة الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لأجل عام إلى أدنى مستوياتها، منذ مارس/أيار 2017، لتصل إلى 18.38 جنيه لكل دولار أمريكي (مقابل سعر الصرف الفوري المقدر بـ16.29 جنيه مقابل الدولار).
وتراجعت الأسهم بنسبة 7% تقريباً خلال يومين، وهي النسبة الأكبر منذ أكثر من ثلاث سنوات وأكبر هبوط بين أسواق الأسهم حول العالم، بحسب ما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وحتى الآن، يغضّ المستثمرون الطرف عن المخاوف السياسية، المنطوية على اعتقال الحكومة لآلاف من المعارضين، ويركزون بدلاً من ذلك على الاقتصاد الكلي لمصر.
ما حقيقة الوضع الاقتصادي المصري؟
بفضل الإصلاحات تحت قيادة صندوق النقد الدولي منذ عام 2016، يُعد الاقتصاد المصري الأسرع نمواً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أما معدل التضخم فهو الأقل منذ 6 سنوات ونصف السنة. وقد ساعد كل هذا الأصول المصرية على التفوق على الأسواق الناشئة في عام 2019.
ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة أعمق على البيانات يكشف عن ارتفاع معدلات الفقر وضغط الطبقة الوسطى، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، العوامل التي يقول المحللون إنها أسهمت في الاحتجاجات الصغيرة التي لم يسبق لها مثيل، والتي اندلعت ضد السيسي خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقال عمر عاشور، المدير المؤسس لبرنامج الدراسات الأمنية الحرجة في معهد الدوحة للدراسات العليا، إنه في حين أن السيسي حقَّق بعض الإصلاحات الاقتصادية، فإنها كانت جزئية ونفذت في نظام فاسد للغاية" .
وأضاف عاشور لقناة الجزيرة: "لقد أزال نظام الأمان الاجتماعي عن طريق خفض الدعم، وهو جزء مهم من حياة الكثير من المصريين" .
وسبق أن قال يحيى حميد، الوزير السابق في حكومة مرسي، إن الحكومة المصرية "لم تقدم أي شبكات أمان على الإطلاق"، مما يعني أن الإصلاحات الاقتصادية تضع "عبئاً أكبر على من يستطيع تحملها" .
ففي مقال لمجلة Foreign Policy الأمريكية، في شهر يونيو/حزيران 2019، قال إن القمع السياسي المتزايد في مصر يعني "اتخاذ القرارات الاقتصادية مع مراعاة ضئيلة لمصالح الشعب" .
وكتب يقول "تُواصل حكومة السيسي تمويل مشروعات البنية التحتية دون جدوى والإسراف. ومع ذلك، فإن معظم المصريين العاديين بالكاد يستطيعون شراء زيت الطهي" .
ومن الأمثلة الرئيسية على هذا المشروع، مشروع السيسي الذي تبلغ تكلفته 58 مليار دولار، والذي تم إطلاقه في عام 2015 لبناء عاصمة جديدة.
وكان من المفترض أصلاً أن يتم تمويلها من قبل المطورين العقاريين، لكن مستثمراً رئيسياً من الإمارات العربية المتحدة قد توقف بعدما أعلن عن توليه المشروع، واضطرت الحكومة إلى اقتراض 4 مليارات دولار من الصين في المرحلة الأولى من بناء المدينة.
الجيش ينافس رجال الأعمال
في مذكرة موجزة في شهر يوليو/تموز الماضي، قال يزيد صايغ، الزميل البارز في مركز الشرق الأوسط في لبنان، إن تركيز السيسي على "إطلاق مشاريع ضخمة قد ولّد تكاليف كبيرة في رأس المال وتكاليف الفرصة البديلة" .
وقال إنه في الوقت نفسه ازداد تدخل الجيش في الاقتصاد.
تمكّنت القوات المسلحة "من إدارة ما يقرب من ربع جميع الأشغال العامة الممولة من الحكومة منذ عام 2014" و "تدخل في قطاعات اقتصادية متنوعة مثل إنتاج الصلب والإسمنت والتنقيب عن الذهب" .
وقال عاشور: "رغم كل ما لديهم من مهارات إدارية وهندسية متفوقة، فإن القوات المسلحة على الأقل غير قادرة مثلها مثل الوزراء والفنيين المدنيين الحكوميين على حشد إيرادات محلية أكبر تكفي لزيادة الاستهلاك العام وتوسيع الصادرات" .
قال عاشور لقناة الجزيرة إنَّ الدور المتزايد للجيش يعني أيضاً أن المستثمرين الأجانب والشركات الخاصة يحجمون عن الاستثمار في الاقتصاد المصري.
وأضاف: "السوق ليس حراً"، "إذا كنت رجل أعمال من القطاع الخاص فأنت محروم جداً في هذه البيئة، الجيش لديه قبضة تشبه المافيا على الاقتصاد، مما يجعلها محفوفة بالمخاطر للمستثمرين. يمكنك الذهاب إلى السجن في حالة حدوث نزاع" .
في هذا السياق، قال عاشور إنه يتوقع أن تزداد المظاهرات ضد السيسي.
وتابع قائلاً: "الظروف الهيكلية للتعبئة الجماهيرية موجودة في مصر، إذا لم تحدث يوم الجمعة مرة أخرى، فلا بد أن تحدث في وقت لاحق" .
لقد استغرق الأمر من مصر سنوات لإعادة بناء ثقة المستثمرين، بعد الاضطرابات التي شهدتها الحكومة، والتي أعقبت الربيع العربي عام 2011. ورغم أنها لا تزال في طورها المبكر، فإن عمليات البيع السريع تنم عن مدى تزعزع تلك الثقة، حسب بلومبيرغ.