اعتقالات واسعة في مصر تشمل كافة التيارات.. ولهذه الأسباب لن يكون لها تأثير على مظاهرات الجمعة القادمة

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/25 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/25 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
الأمن المصري يشن حملة اعتقالات تشمل أطباء انتقدوا أداء وزارة الصحة " صورة تعبيرية " ..مواقع التواصل الاجتماعي

لم تكتفِ قوات الأمن المصرية باللجوء لحملة اعتقالات واسعة تحسباً للمظاهرات المرتقبة يوم الجمعة القادمة، بل قامت بتصفيات لمعارضين، حسب تقارير إعلامية، فهل تؤدي حملة القمع المشددة هذه إلى وأد المظاهرات المرتقبة، ولماذا يتوقع كثير من المراقبين أن تكون غير فعالة؟.

بعدما نجحت دعوة المقاول المتمرد محمد علي في حشد أعداد من المتظاهرين الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2019، فاجأت الأمن والنظام على حد سواء، بدأت السلطات الأمنية المصرية حملة غير مسبوقة منذ سنوات لمنع تجدد المظاهرات الجمعة القادمة 27 سبتمبر/أيلول 2019.

ووصل الأمر إلى قتل 6 من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، أمس الثلاثاء 24 سبتمبر/أيلول، برصاص قوات الشرطة في مدينة السادس من أكتوبر، غربي القاهرة، من دون إعلان هويتهم، أو الاتهامات الموجهة إليهم، وذلك استباقاً لدعوات التظاهر المرتقبة في الميادين العامة الجمعة المقبلة، والتي أطلقتها المعارضة المصرية للمطالبة برحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي عن الحكم.

وقالت وزارة الداخلية المصرية في بيان مقتضب إن تبادلاً لإطلاق النار مع قوات الشرطة أسفر عن مقتل الضحايا أثناء مداهمة وكرهم، مستطردة أن عناصر جماعة "الإخوان" الذين جرت تصفيتهم "كانوا بصدد الإعداد لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية الكبرى خلال الفترة المقبلة"، من دون تبيان أي معلومات عن هذه العمليات المزعومة.

ودأبت الشرطة المصرية على اغتيال العشرات من أعضاء جماعة الإخوان، بذريعة تصفيتهم خلال مداهمة أحد "الأوكار"، بالتزامن مع أي حراك شعبي ضد الرئيس الحالي، في حين يظهر لاحقاً أن بعض أو كل هؤلاء الضحايا من المعارضين المختفين قسرياً، الذين يحتجزهم الأمن داخل مقارّه بشكل غير قانوني، ويقتل بعضهم بين آن وآخر بزعم أنهم "إرهابيون"، حسبما موقع "العربي الجديد".

حملة تشبه التي نفذها السادات قبل اغتياله.. وهذا مصير المعتقلين

كما نفذت السلطات المصرية حملة اعتقالات ضخمة أدت إلى القبض على نحو 1298 شخصاً، وفقاً لتقدير أولي أجراه المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حتى ليلة الثلاثاء 24 سبتمبر/أيلول 2019.

وجاءت محافظة القاهرة في المركز الأول بواقع 523 حالة تليها محافظات السويس، الإسكندرية، القليوبية، الجيزة، الدقهلية وغيرها من المحافظات.

وقال المركز: "ما زال لدينا 556 بلاغاً عن حالات قبض لم نتمكن من حصر أماكن حدوثها بإجمالي 1298 بلاغاً عن حالات قبض واستيقاف خلال الأيام الماضية".

ومن بين المعتقلين الأستاذان البازران في الجامعة الدكتور حسن نافعة، وحازم حسني المتحدث باسم الفريق سامي عنان.

وكان آخر ما كتبه حسني قبل توقيفه، عبر صفحته على "فيسبوك"، أن الإطاحة بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تبقى خيارًا محكومًا بتغير الموقف الدولي منه، مهما بلغ مستوى الغضب ضده.

كما بدأت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، تحقيقات في واحدة من أكبر القضايا منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013 من حيث عدد المتهمين، وهي الخاصة بأحداث تظاهرات يومي الجمعة والسبت الماضيين  في القاهرة والسويس ومحافظات أخرى.

وبحسب ما ذكرت مصادر قضائية لـ"العربي الجديد"، أحالت الشرطة حتى أول أمس الأحد أكثر من 200 معتقل إلى النيابة، في حين ما زال هناك أعداد أخرى معتقلين في معسكرات الأمن المركزي بالقاهرة حيث يتم التحقيق معهم بمعرفة جهاز الأمن الوطني، الذي يلعب دوراً ترشيحياً للمعتقلين الذين سيتم الإفراج عنهم من دون تحقيق، وأولئك الذين سيحالون إلى النيابة بتهم مختلفة.

وأوضحت المصادر أنه لن يتم البتّ في مصير من يتم التحقيق معهم أولاً بأول، بل سيصدر بشأنهم قرار جماعي يرجح أن يكون الحبس لمدة 15 يوماً على ذمة القضية، بعد الانتهاء من التحقيق، وذلك أيضاً حتى يحصل النائب العام على فرصة للتباحث مع دائرة السيسي والأجهزة الأمنية حول القرار المناسب، وما إذا كان سيتم إخلاء سبيل بعض المتهمين، بناءً على معايير متعددة من بينها تطورات الأوضاع الميدانية، وما إذا كانت ستتجدّد التظاهرات مرة أخرى خلال الأسبوع الحالي.

ووصفت قوى سياسية مصرية المداهمات المتواصلة بأنها "اعتقالات سبتمبر جديدة"، في إشارة إلى حملة الاعتقالات التي شنَّها الرئيس الراحل أنور السادات، في 3 سبتمبر/أيلول 1981، من أجل قمع السياسيين المعارضين لاتفاقية "كامب ديفيد"، (قبل اغتياله في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام) وسط توقعات بحدوث حراك شعبي واسع في مواجهة الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تمر بها مصر حالياً.

14 محافظة وإجراءات أمنية مشددة

وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة مجتمع مدني) إن حركات الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي اندلعت الجمعة الماضية امتدت إلى 14 محافظة مصرية.

وتحسباً لاحتمال لدعوة المقاول المتمرد محمد علي بالتظاهرة الجمعة القادمة، شهدت محافظات مصر الكبرى (القاهرة، الجيزة، الإسكندرية) إجراءات أمنية غير مسبوقة، لاسيما في محيط ميدان التحرير، إذ انتشرت العشرات من مدرعات الأمن المركزي على مداخل الميدان، خصوصاً من ناحية شارع طلعت حرب، إضافة إلى العديد من التمركزات الأمنية لتأمين المتحف المصري، وميدان عبدالمنعم رياض، ومبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" .

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

كما شهدت نقابتا المحامين والصحفيين في القاهرة إجراءات أمنية مشددة، من خلال نشر كثير من المدرعات في محيط كل نقابة، الأمر الذي تسبَّب في حالة من التكدّس المروري بكافة شوارع وسط القاهرة، وشعور الأهالي بسخط عام إزاء التشديدات الأمنية. كما شنَّت قوات الأمن حملات على الفنادق والشقق السكنية المفروشة في القاهرة، في إطار توسيع دائرة الاشتباه السياسي.

في موازاة ذلك، فرضت قوات الأمن حصاراً مشدداً في محيط الجامعات، بالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، خاصة جامعات الأزهر والقاهرة وعين شمس وحلوان. وطلب رؤساء الجامعات من الأمن الإداري التابع لها "زيادة إجراءات التفتيش، ومنع دخول أي شخص لا يدرس في الجامعة، ومنع أي مظاهرات احتجاجية داخل حرم الجامعة إلا بتصريح مسبق" .

وينتشر بين المواطنين أحاديث عن أن رجال الأمن يوقفون المارة في الشارع لتفقد هواتفهم للتأكد من محتواها، في محاولة لتخويف الناس على مايبدو من متابعة ومشاركة فيديوهات محمد علي.

ويخيّم القلق على دائرة السيسي من دعوة محمد علي لتظاهرة مليونية يوم الجمعة المقبل، وقد غيّرت الأجهزة الأمنية استراتيجية التعامل التي اتبعتها الأسبوع الماضي والتي كانت بناء على إدارة نجل السيسي ضابط الاستخبارات محمود السيسي للمشهد.

ونقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر أمنية واسعة الاطلاع، إن السيسي بنفسه أصدر تعليماته لمستشاره للشؤون الأمنية، أحمد جمال الدين، ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار، بعودة الاستراتيجية المتبعة منذ 2016 في التصدي للتظاهرات، وذلك بالاعتماد على الوجود الكثيف لقوات الأمن في الشوارع، وإقامة الكمائن الثابتة والمتحركة لاصطياد الشباب الأصغر سناً، وتفتيش المواطنين وهواتفهم، وهو الأمر المتبع حالياً في محيط ميدان التحرير بالقاهرة وميدان الأربعين بالسويس.

وقد استمر الوجود الكثيف للضباط من أعلى الرتب إلى المجندين وعربات الترحيلات ومصفحات الأمن المركزي في جميع الميادين التي شهدت تظاهرات 20 سبتمبر/أيلول بمختلف المحافظات، في رسالة تعلن أن النظام على أهبة الاستعداد، ولن يسمح بالخروج عليه مرة أخرى.

يعتقلون نشطاء اعتزلوا العمل السياسي

وأفادت مصادر مقربة لبعض المعتقلين لـ "عربي بوست" أن الاعتقالات شملت نشطاء توقفوا تماماً على العمل السياسي واعتزلوا الحياة العامة، لافتين إلى أن الاعتقالات تشمل إسلاميين ويساريين وبقايا حركة 6 أبريل، ومن مختلف التيارات.

ورأت المصادر أن الأمن يتعامل بعقلية قديمة مع هذه المظاهرات، إذ يفترض أن المسيسين، خاصة الإخوان وأعضاء 6 أبريل واليساريين يلعبون دوراً كبيراً، ولكن  الواقع أن الجيل السابق من الثوار ينظر للأمر بحذر.

ولكن من نزلوا للمظاهرات، الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2019، ومَن يتوقع نزولهم الجمعة القادمة، جيل مختلف أكثر شباباً وجرأة، وأقل تسييساً وخوفاً من المعتقلات التي لم يذوقوها بعد.

وبالتالي يصعب توقع من أين ستأتي  المظاهرات، وأين سيتم تنظيمها.

تحميل المزيد