لم تكن المظاهرات التي خرجت في مصر مؤخراً بعيدة عن المتابعة الإسرائيلية الحثيثة، وسط قلق من تطورها إلى حالة من الاحتجاجات المستمرة زماناً والمتسعة مكاناً، وصولاً لأن تكون نسخة مكررة عن ثورة يناير 2011.
وتزامن مع التغطية الإعلامية الإسرائيلية الواسعة للمظاهرات المصرية، حالة من الصمت أبداها المسؤولون الإسرائيليون، السياسيون منهم والعسكريون والأمنيون، بعدم التعليق الرسمي على الاحتجاجات، رغبة في عدم إحراج حليفهم المقيم في قصر الاتحادية، دون أن يعني غياب التواصل الحثيث بين القاهرة وتل أبيب على مدار الساعة.
وكانت مظاهرات تعد هي الأولى من نوعها، خرجت يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول في عدة محافظات مصرية مطالبة برحيل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على خلفية دعوة أطلقها الفنان والمقاول المصري محمد علي.
ويفتح الموقف الإسرائيلي من المظاهرات المصرية الباب واسعاً للتركيز على رؤية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتطور الأوضاع في مصر، وطريقة تعاملها المحتملة مع السيناريوهات المختلفة لدى جارتها الجنوبية، وحقيقة الدور الذي يمارسه اللوبي الصهيوني في أمريكا لدعم السيسي، والإبقاء عليه، ما يحتم بالضرورة الإشارة لكيفية استفادة إسرائيل من السيسي، من أجل الدفاع عنه.
وسائل إعلام إسرائيلية: الحدث خارق
تتوافق الأوساط الإسرائيلية أننا أمام حالة جديدة اسمها كسر حاجز الخوف لدى المصريين، الذين خرجوا للتظاهر، ودعوا لإسقاط نظام السيسي، واتهموه ورجاله بالفساد، وبناء القصور على حساب أموالهم، فيما لا يجد ملايين المصريين ما يأكلونه.
وفيما لم تنشغل وسائل الإعلام الإسرائيلية بأعداد المتظاهرين المصريين، فقد توافقت على أننا أمام "حدث خارق من نوعه في مصر"، لعلها تكرار لمظاهرات 2011 التي دعت لإسقاط مبارك، ونجحت بذلك.
عبدالستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية بالضفة الغربية، قال لـ "عربي بوست" إن "إسرائيل قلقة على السيسي".
وفسّر هذا القلق بأنه لو تم إجبار السيسي على مغادرة الحكم تحت وقع المظاهرات الاحتجاجية، فهذا يعني أن النظام السياسي المصري سيدخل في حالة من المجهول، "إسرائيل تخشى ألا يكون الرئيس المصري القادم أو النظام الجديد بمجمله يعمل في خدمتها كما هو السيسي حالياً"، على حد تعبيره.
ودأبت إسرائيل الرسمية، سواء على لسان رئيس الحكومة والوزراء وقادة الجيش والمخابرات، على الإشادة العلنية بالسيسي، ولم يعد سراً أن صداقة نتنياهو والسيسي تطورت بشكل لافت، والإسرائيليون لم يستمعوا في عهده كلمة نقد واحدة لسياستهم ضد الفلسطينيين.
واعتاد نتنياهو وصف السيسي بأنه "صديقي الطيب"، وهذا تعبير شخصي ومشحون، ويشهد على علاقات تتجاوز شؤون العمل، فهما يتحدثان هاتفياً بصورة دائمة، وربما التقيا أكثر مما نشر، وهذه منظومة علاقات استثنائية.
كما يعول الإسرائيليون كثيراً على المسارات التي يعمل فيها السيسي لمعالجة القضية الفلسطينية، فهو يسعى لإعادة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، لأنه لا يريد بقاءه بيد حماس، ابنة الإخوان المسلمين، الأكثر كراهية بالنسبة له، فضلاً عن انخراطه الكامل بصفقة القرن، وتسويقه لها.
رحيل السيسي مقلق أكثر من رحيل مبارك
وأضاف قاسم أن "إسرائيل ترى في السيسي زعيماً يحقق لها مصالحها الأمنية والسياسية والعسكرية، وهو وفيّ جداً لها".
وأوضح أن هذه المصالح تتمثل في إجرائه تغييرات جذرية في العقيدة العسكرية للجيش المصري، ورفع مستوى التنسيق العملياتي مع نظيره الإسرائيلي، مضيفاً: "لا يعلم الإسرائيليون كيف ستتطور الأمور في مصر بعد هذه المظاهرات".
وأشار قاسم إلى أن "القلق الإسرائيلي اليوم من إمكانية الإطاحة بالسيسي تبلغ أضعاف خشيتها عند إزاحة مبارك في 2011".
وأوضح أن هذا ربما يعود لعدم معرفتها بطبيعة موازين القوى السائدة داخل المؤسسة العسكرية المصرية حالياً، وعدم وضوح الأمور بالنسبة لها في حال تم إزاحة السيسي، ومجيء جنرال جديد قد تكون له تطلعات قومية تنحاز للقضية الفلسطينية، وتستعيد السيادة المصرية الكاملة على سيناء.
إسرائيل تدعم السيسي في أمريكا
قلق تل أبيب من تبعات استمرار المظاهرات المصرية على مستقبل السيسي، دفعها لاستغلال نفوذها في واشنطن لتعزيز الدعم المالي والعسكري للقاهرة.
هذا النفوذ اتضح في إشادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الساعات الأخيرة بالسيسي، متجاهلاً الاحتجاجات، بقوله إن الجميع لديهم مظاهرات، لكن السيسي أنهى حالة الفوضى.
وتوقفت وسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكزها البحثية عند ترديد اسم إسرائيل كثيراً في المظاهرات المصرية، باعتبار السيسي صديقاً لها، ما يجعل عودة الحياة إلى ميدان التحرير تمثل أخباراً سيئة جداً لها، لأن مؤشرات عدم استقرار نظام السيسي، سيجعل إسرائيل تواجه مجدداً سيناريو الرعب الذي خشيته بعد ثورة يناير 2011.
علاء الريماوي، الباحث بمركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، قال لـ "عربي بوست" إن "إسرائيل شكلت للسيسي المظلة السياسية والأمنية لدى البيت الأبيض في عهد الرئيسين السابق باراك أوباما والحالي دونالد ترامب، ولا أستبعد أن يكون اللوبي الصهيوني في أمريكا مارس ضغوطه اللازمة على الإدارة الأمريكية في هذه الأيام للحفاظ على استقرار الأوضاع في مصر، وعدم البحث عن تسويات تتضمن التخلي عن السيسي".
إسرائيل ترى أن الثورة قادمة بمصر
ورغم الحرص الإسرائيلي على استقرار نظام السيسي، لكن تقديراتهم تشير إلى أن تجدد الحراك الثوري في مصر مسألة وقت.
ويرجح الخبراء الإسرائيليون أن الجيش المصري سيبقى المسيطر مهما كانت التطورات، ويستبعدون مؤقتاً رحيل السيسي في هذه المرحلة، وحتى لو تحقق سيناريو رحيله، فإن المؤسسة العسكرية ستبقى صاحبة القول الفصل.
إسرائيل، وإن كانت تخشى على مستقبل السيسي، لكنها مطمئنة إلى أنه يدير تحت قيادته المفاصل الأساسية لأجهزة الأمن والمنظومة القضائية والأدوات البيروقراطية، وجميعها داعمة له.
لكن هذه القناعة الإسرائيلية لا تنفي الفرضية التي ترى أن أكبر التحديات التي تواجه السيسي هي تجدد المظاهرات والحراك الثوري، وغياب بدائل إسرائيلية عن السيسي، حتى لو تحت مظلة الجيش، لا يمكن التقليل من خطورتها.
أهم ما تريده إسرائيل هو الأمن
وأوضح علاء الريماوي أن النظرة الإسرائيلية للمظاهرات المصرية ترتكز على البعد الأمني، "إسرائيل ترى ببقاء السيسي مصلحة استراتيجية بعيدة المدى، من خلالها يتم استباحة سيناء أمام الطيران الإسرائيلي، وإمكانية توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها عبر صفقة القرن، ما جعل القاهرة وتل أبيب تجريان في عهد السيسي تعاوناً لا يعرفه الجميع في المجالات الأمنية والعسكرية"، على حد قوله.
وأضاف أن مخاوف إسرائيل من تدحرج المظاهرات المصرية تعود لإمكانية المساس بما تم مراكمته من علاقات مصرية – إسرائيلية وصلت حد إقامة غرفة عمليات مشتركة تضم معهما الأردن والإمارات والسعودية، وهو إنجاز يصعب على إسرائيل التفريط به، ما يجعلها تجري اتصالات عالية في الولايات المتحدة للإبقاء على السيسي، وعدم التفريط به".
الأمر الأكيد أن مصلحة إسرائيل وحلفائها في المنطقة تكمن في الاستمرار بمساعدة السيسي لمواجهة هذه المظاهرات والاحتجاجات، وسط تقديرات إسرائيلية بوجود توترات داخل المؤسسة العسكرية المصرية الحاكمة، ما يجعل السيناريوهات مفتوحة على كل الأبواب، ويُبقي إسرائيل في حالة من القلق والترقب.