لم تكن السعودية وحدها هي المتضررة من الهجمات التي استهدفت منشآت أرامكو النفطية، بل إن هناك دولاً تعاني وستعاني أضراراً أكبر بكثير، كما أن هناك دولاً أخرى حققت أرباحاً هائلة، فما تلك الدول؟ وما الأسباب؟
مجلة فوربس الأمريكية تناولت القصة في تقرير لها بعنوان: "صدمة النفط السعودي؛ الفائزون والخاسرون"، تناولت فيه التأثيرات التي نتجت عن الهجمات.
ارتفاع الأسعار
في يوم 14 سبتمبر/أيلول، استهدفت طائرات من دون طيارٍ محطة تكرير النفط في بقيق وحقل نفط خريص بالسعودية. وأفادت الأنباء بأن تلك الضربات أودت بأكثر من نصف إنتاج السعودية الإجمالي من النفط، أي ما يصل إلى نحو 6-7% من إمدادات النفط اليومية في العالم. لذا ليس من المستغرب أن تدق الصحافة ناقوس الخطر وتثير الذعر، قبل أن ينقشع الغبار. ثم تدخَّل الرئيس الأمريكي ترامب، وزعم أن الهجوم "لن يؤثر علينا، ولا أعتقد أنه قد يؤثر على العالم أيضاً". حسناً، لنلقِ نظرة على البيانات.
ارتفعت أسعار خام برنت بمقدار 15%، من 60 دولاراً للبرميل في 13 سبتمبر/أيلول، إلى 69 دولاراً للبرميل في 16 سبتمبر/أيلول، يوم التداول الأول بعد الهجوم. ويُتداول خام برنت الآن بسعر 65 دولاراً للبرميل. وعلى الرغم من الزيادة الهائلة، فإن الاستجابة لهذا الحادث أبقت أسعار النفط في المنطقة الآمنة (50-75 دولاراً للبرميل)، بحسب ما يراه أريند كابتين، من بنك الاتحاد السويسري (UBS). عندما تكون الأسعار في هذا المستوى، تكون "المكاسب" و"الخسائر" من تغيّر أسعار النفط متوازنة تقريباً، لذا يمكن أن يمضي الاقتصاد العالمي قدماً دون تأثّر كبير.
عوامل تزيد القلق
ولكن رغم أن أسعار النفط لا تزال في المستوى الآمن، فإن أسعار النفط الخام أعلى مما سيكون عليه الوضع من دون تلك الهجمات، نتيجة الخسارة المؤقتة لحصة السعودية الكبيرة من الإنتاج. بالإضافة إلى أن عمليات الإصلاح والترميم في المرافق السعودية لن تكون مباشرة كما يعتقد كثيرون. في الواقع، حتى الصيانة المخطط لها مسبقاً في محطة بقيق قد تستغرق ثلاثة أشهر لتنفيذها.
ومن ثم، لا توجد قطع غيار جاهزة للاستخدام. سوف تستغرق عمليات الإصلاح والترميم وقتاً مطولاً. وكما لو أن ذلك ليس سيئاً بما يكفي، فقد تكون هناك هجمات أخرى على المرافق السعودية، التي بدت ضعيفة وبلا حماية. بدأت الأسواق بالفعل في وضع توقعات بأسعار أعلى في المستقبل.
الهند الخاسر الأكبر
ومع تلك التوقعات بارتفاع أسعار النفط يُثار ذلك التساؤل الواضح: مَن أكبر الرابحين والخاسرين من ذلك؟ وللإجابة، سوف نستخدم نتائج تمرين نمذجة لبنك الاتحاد السويسري. يعرض الجدول التأثير السلبي لارتفاع أسعار النفط بمقدار 10% (بدءاً من 50 دولاراً للبرميل وصولاً إلى 100 دولار للبرميل)، على أرصدة الحسابات الحالية للدول المستهلكة للنفط. الأرقام الموضحة تشير إلى التغيرات السالبة في نقاط الأساس وتعبّر عن النسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي. الهند، على سبيل المثال، زيادة أسعار النفط بمقدار 10% سوف تؤدي إلى زيادة عجز الحساب الجاري الهندي بنسبة 0.5% (50 نقطة أساس) من إجمالي الناتج المحلي.
تستورد الهند أكثر من 80% من النفط الذي تستهلكه، وهو ما يجعلها واحدة من كبرى الدول من حيث استيراد النفط في العالم. وبينما أصبحت اقتصادات العالم، في المتوسط، أكثر كفاءة وفاعلية في استهلاك الطاقة بمرور الوقت، لم يتغير استهلاك الهند للنفط لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي كثيراً خلال آخر 50 عاماً، ويأتي فوق المتوسط العالمي بكثير. لذا، عندما ترتفع أسعار النفط، يتلقى توازن الهند الخارجي (حسابها الجاري) ضربة موجعة، وتتراجع الروبية.
تستورد تركيا نحو 85% من احتياجاتها النفطية. ومثل الهند، كل زيادة بمقدار 10% في أسعار النفط الخام سوف تؤدي إلى زيادة عجز حسابها الجاري بمقدار 0.5% من إجمالي الناتج المحلي.
روسيا الرابح الأكبر
لننتقل إلى الدول التي تستفيد من ارتفاع الأسعار، ويتبين أن روسيا أكبر الفائزين. كما يوضّح الجدول بالأسفل، تحسّن رصيد روسيا الخارجي بمقدار 1.2% من إجمالي الناتج المحلي عندما يرتفع سعر النفط بمقدار 10%.
لذا، من المتوقع أن ترتفع أسعار النفط عقب الهجمات الأخيرة على مرافق النفط السعودية، ولكنها تظل في الوقت الحالي عند المستويات الآمنة، دون أي اضطرابات عالمية كبيرة. أتساءل إن كان الرئيس ترامب قد درس نموذج أسعار النفط الخاص ببنك الاتحاد السويسري؟ لن نعرف الإجابة أبداً. ولكن، ما نعرفه هو أن الهند وتركيا سوف تتلقيان ضربة قوية، وأن روسيا ستكون الفائز الأكبر من وراء ارتفاع أسعار النفط. ويعِد ذلك بتراجع الروبية الهندية والليرة التركية وانتعاش الروبل الروسي.