منذ بدأت في مصر قبل أقل من شهر ما يمكن تسميته بـ "هوجة محمد علي"، كان موقف مَن تبقَّى من النشطاء الذين شاركوا في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 واضحاً وهو عدم المشاركة في التظاهرات التي دعا إليها المقاول والفنان، على أساس أن ما يحدث "حرب أجهزة" داخل النظام المصري، فلماذا يُلقي النظام القبض على هؤلاء؟ وما هي أهدافه؟
ماهينور المصري ونائب رئيس حزب الكرامة
أوقفت الشرطة المصرية، أمس الأحد 22 سبتمبر/أيلول، الناشطة والمحامية المدافعة عن حقوق الإنسان الحاصلة على جائزة لودوفيك تراريو عام 2014 ماهينور المصري، بعدما حضرت تحقيقات النيابة مع عدد من المتظاهرين الذين تم توقيفهم، بحسب محاميها طارق العوضي.
بحسب تقرير لموقع قناة الحرة، قال العوضي: "تم توقيف ماهينور من قِبَل الشرطة فور خروجها من مقر نيابة أمن الدولة في القاهرة حيث حضرت التحقيقات بصفتها محامية مع عدد من الذين تم توقيفهم خلال التظاهرات" مساء الجمعة 20 سبتمبر/أيلول.
كما أكد توقيف ماهينور وعدد من الناشطين والحقوقيين والساسة مثل المحامي والسياسي خالد علي على صفحته في فيسبوك.
وأمس الأحد أيضاً، صرح محمد سامي، رئيس حزب الكرامة، لقناة الحرة، بأن قوات الأمن ألقت القبض على نائبه عبدالعزيز الحسيني، وأكد سامي أن الحزب سيعلن في بيان له، تفاصيل القبض على الحسيني بعد انتهاء أحزاب الحركة المدنية من اجتماع لها.
موجة اعتقالات
الأسبوع الماضي ألقت قوات الأمن القبض على الناشط الحقوقي اليساري كمال خليل وقررت نيابة أمن الدولة حبسه 15 يوماً على ذمة القضية، والتهمة بث أخبار وبيانات كاذبة وإهانة رئيس الجمهورية.
وخليل واحد من أبرز المدافعين عن حقوق العمال ويعتبر رمزاً من رموز المعارضة المصرية منذ عقود وكان أحد المشاركين بقوة في ثورة يناير، وآخر مرة تم اعتقاله من جانب نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي كانت عام 2017 أثناء التظاهرات المنددة بالتخلي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهي آخر مرة تشهد مصر تظاهرات، قبل احتجاجات الجمعة الماضي.
وقد شهدت مصر على مدى الأسبوعين الماضيين موجة من الاعتقالات وملاحقات بحق كثير من الشباب الذين كان لهم وجود في ثورة يناير، رغم أن أغلبهم أعلن عبر صفحاته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي أنه لن يشارك في تظاهرات الجمعة الماضي التي دعا إليها المقاول والفنان محمد علي التي وجَّه فيها اتهامات بالفساد للرئيس السيسي وأسرته وتحدَّى الرئيس بأن يرد عليه بصورة غير مسبوقة.
ماذا يمكن أن يعني ذلك؟
ما يجري في هذا الملف، شأنه شأن ما يحدث في مصر منذ بدأ محمد علي في بث مقاطع الفيديو، يصعب تفسيره في ظل غياب الشفافية وانشغال النظام والإعلام الداعم له ببث رسائل التخويف من المشاركة من المظاهرات، رغم أن التعامل الأمني مع الاحتجاجات التي شهدتها القاهرة وعدة محافظات أخرى الجمعة 21 سبتمبر/أيلول اتسم بالتعقل في أغلب الأحيان وهو ما يغذي نظرية وجود "حرب أجهزة" تسببت فيما يحدث.
وفي هذا السياق يمكن تفسير استهداف مَن تبقوا من ثوار يناير – بعد أن أصبح غالبيتهم إما داخل السجون أو فقدوا حياتهم أو أصيبوا أو غادروا البلاد أو ابتعدوا تماماً عن المجال العام بعد أن أصابهم اليأس – في سياق ما يمكن تسميته "ضربة استباقية" حال زادت حدة التظاهرات وهو ما قد يغريهم بالمشاركة.
لكن اللافت هنا أن أحد أهم نشطاء ثورة يناير وهو وائل غنيم – الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية – عاد للظهور من خلال فيديوهات وبث مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي هاجم خلالها محمد علي واعتذر عما حدث في ثورة يناير بصورة تخدم النظام الحالي بشكل عام، وقد بث عمرو أديب في برنامجه الحكاية مقاطع من فيديوهات غنيم للتدليل على أن المظاهرات والثورة نتيجتها "خراب البلد".
لكن قوات الأمن اعتقلت حازم غنيم شقيق وائل، مما أدى لتحول موقفه بشكل جذري وأصبح يهاجم النظام الحالي وأطلق هاشتاغ "أنقذور حازم – حرروا مصر"، وبدأ ينشر بوستات عبر صفحته على الفيسبوك التي يتابعها أكثر من مليون و300 ألف شخص.
من الصعب فعلاً تفسير استهداف النظام لهذه الشريحة من النشطاء دون أن يكون لهم دور فعلاً فيما يحدث، حيث إن حملة الاعتقالات ترسل رسالة مفادها سواء شاركت أم لم تشارك فأنت مهدد بالاعتقال، وبالتالي فالمشاركة في التظاهرات والدعوة لها تبدو خياراً وحيداً في هذا السياق، ومن الواضح أن هناك شيئاً ما يحدث في مصر، لكن لا أحد يمكنه الجزم بما يجري في كواليس النظام.