منذ بداية الأزمة السورية رفعت جميع الدول والقوى والجهات المعنية، وحتى غير المعنية مباشرة بالمسألة السورية، شعار "الحل في سوريا سياسي لا عسكرياً". رغم ذلك، فالأزمة السورية تقترب من نهاية عامها التاسع، دون أن يلوح في الأفق أثر أو بارقة أمل لحل سياسي.
الأدهى من ذلك أنه حتى هذه اللحظة لا أحد يدري على وجه التحديد، من هم أطراف الحل السياسي في سوريا، هل هم السوريون نظام ومعارضة؟ أم شركاء أستانة، روسيا وتركيا وإيران، الذين أخذوا على عاتقهم ضمانة وقف إطلاق النار وإنهاء القتال؟ أم دول أستانة مع أمريكا، أي الدول التي تحتفظ بقواتها ووجودها العسكري على الأراضي السورية؟ أم 4+1 أي الدول الأربع سالفة الذكر، بالإضافة للكيان الإسرائيلي، الذي يجوب طيرانه الحربي سماء سوريا صباح مساء، طولاً وعرضاً، وينتقي من الأهداف ما يشاء دون حسيب ولا رقيب.
ثمة من يريد إطالة أمد الحرب
إذا كان جميع أطراف الأزمة مجمعين ومتفقين على شكل الحل في سوريا، وأنه سياسي محض، فلماذا تستمر الحرب وتغيب السياسة؟ أو لماذا لا يتفقون على أسسه وعنوانه، أفي جنيف هو أم في أستانة؟ أو لماذا لا توكل مهمة رعاية الحل السياسي للأمم المتحدة، على غرار دايتون ورواندا وجنوب إفريقيا؟
إذن ثمة من يريد إطالة أمد الحرب في سوريا لتحقيق أهدافه الاستعمارية التوسعية. وذلك من خلال إدارة الأزمة لا حلها. وثمة من يريد تصفيه حساباته مع الآخرين على الأرض السورية.
قمة "أستانا" الثلاثية حول سوريا في أنقرة
استضافت العاصمة التركية أنقرة قمة ثلاثية الأسبوع الماضي جمعت الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، لمناقشة الأزمة السورية، شدد بيانها الختامي على الحفاظ على سيادة سوريا، ووحدة أراضيها والتمسك بمبادئ الأمم المتحدة.
وأكّد البيان الختامي للقمة رفض قادة الدول الثلاث محاولة خلق أي وقائع جديدة في الميدان تحت ذريعة مكافحة الإرهاب في سوريا، وأنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في شمال شرقي سوريا إلا على أساس احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية.
كما أكد الزعماء المشاركون في القمة الثلاثية مجدداً على عدم إمكانية حل الأزمة السورية بالوسائل العسكرية، وضرورة حل الصراع من خلال العملية السياسية، التي يقودها السوريون برعاية الأمم المتحدة.
ربما الجديد الوحيد في قمة أنقرة، هو الاتفاق الذي تم حول تسمية أعضاء اللجنة الدستورية، بعد مماطلة النظام وخلاف بين الأطراف استغرق أكثر من عام، فقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: "قررنا خلال اجتماع القمة الثلاثي حول سوريا مباشرة اللجنة الدستورية أعمالها في أقرب وقت ممكن".
لكن بالرغم من الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية، التي تعني بالضرورة فتح الملف السياسي من جديد، فإن رؤى الدول الثلاث للحل السياسي تكاد لا تلتقي حول موضوع واحد.
الرؤية التركية للحل السياسي في سوريا مختلفة
في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح القمة الثلاثية حول سوريا، بحضور نظيريه الروسي والإيراني، أكد أردوغان أن مسار أستانا يعتبر المبادرة الوحيدة القادرة على إيجاد حلول مجدية وملموسة لإخماد الحريق المشتعل في سوريا.
من الطبيعي أن يكون مسار أستانا هو الوحيد حالياً، في غياب الطرف الأمريكي، وتغييب الأمم المتحدة ومسار جنيف.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أحد أكبر المتضررين من استمرار الحرب في سوريا، تركيا، حيث يقع على عاتقها العبء الأكبر من تبعاتها، ابتداء بالفراغ الأمني وليس انتهاء بالفاتورة الاقتصادية، وقد دفع حزب العدالة والتنمية الحاكم فاتورة سياسية، بخسارته بلديات رئيسية كان نجاحه فيها شبه مضمون في السابق، وذلك عندما وظفت المعارضة التركية ورقة اللاجئين السوريين ضده في الانتخابات البلدية.
ربما تكون مشكلة أنقرة في سوريا أنها لم تنجح في اختيار تكوين الشريك السوري الأفضل لها، مما اضطرها للاعتماد على قوتها الذاتية، والدخول بجيشها للأراضي السورية. وتدرك أنقرة أن الحل النهائي في سوريا لا بد أن يكون تحت سقف الأمم المتحدة، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية.
ما الأمر الذي يعني تركيا في سوريا؟
رغم كل ما قيل، فإن تركيا تبدو أقرب لمسار جنيف من مسار أستانا، وما مشاركتها في مسار أستانا إلا من قبيل الاضطرار، لا الاختيار؛ حيث من الصعوبة بمكان اعتبار أستانا مساراً سياسياً، لأن روسيا وإيران معنيتان بالحسم العسكري لصالح نظام الأسد بالدرجة الأولى، كسيناريو وحيد، بينما الحل السياسي غير وارد عندهما حالياً، وعندما تتكلمان عنه فهما تعنيان استسلام المعارضة السورية دون قيد أو شرط.
تضطلع تركيا بمسؤولية اللاجئين على أراضيها الذين تجاوز عددهم 3.6 مليون لاجئ، كما تشرف على إدارة مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، بالإضافة لضمانة مناطق خفض التصعيد في إدلب من جهة، لكن منطقة شرق الفرات تبقى مصدر قلقها الأساسي، لأن الأمور هناك تسير بطريقة تهدد أمنها الاستراتيجي.
في النهاية، يمكن أن تتلخص الرؤية السياسية لتركيا في سوريا بأربعة أهداف أساسية: الحفاظ على وحدة سوريا، سياسياً وجغرافياً، منع تأسيس كيان إرهابي على حدودها مع سوريا، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وأخيراً، منع حدوث مأساة جديدة قد تضطر 4 ملايين شخص في إدلب للنزوح إليها؛ لذلك تصرح بوضوح بأن أية موجة لجوء جديدة لن تؤثر على تركيا وحدها، بل ستطال تأثيراتها القارة الأوروبية أيضاً.