سعت السعودية إلى طمأنة سوق النفط بقدرتها على استعادة إنتاجها النفطي بسرعة، بعد الهجوم الغامض الذي استهدف منشآت أرامكو بشرق المملكة ورغم ذلك فإن هناك شكوكاً حول قدرتها على تنفيذ الجدول الزمني الذي وعدت به.
ولكن اللافت هو حرص السعودية على طمأنة سوق النفط بجداول زمنية مشكوك بها وما ينتج عن ذلك من تراجع أسعار النفط، أي تراجع إيرادتها.
ولكن يبدو أن السعودية تسعى لحماية ما هو أهم من بضعة ملايين من الدولارات إضافية يمكن أن تكسبها يومياً من زيادة أسعار النفط، فالسعودية تسعى لحماية صفقة القرن الخاصة بها.
محاولة لطمأنة الزبائن رغم الخسارة الكبيرة
وقالت المملكة إن الخسارة الكلية للهجوم الذي وقع يوم السبت 14 سبتمبر/أيلول 2019 كانت 5.7 مليون برميل من النفط الخام يومياً، أو ما يعادل أكثر من 6% من الإمدادات العالمية، إلى جانب تأثر إنتاج الغاز الطبيعي، حسبما ورد في تقرير صحيفة Financial Times البريطانية.
واستهدف الهجوم منشأة بقيق لمعالجة النفط وحقل نفط كبيراً، ورفع الأسعار بما يصل إلى 20% ظهر يوم الإثنين 16 سبتمبر/أيلول 2019، بعدما أدى إلى تعطيل أكثر من نصف إنتاج المملكة من النفط الخام.
وبعد الهجوم بيومين، سعت المملكة العربية السعودية إلى طمأنة سوق النفط يوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 2019 بأنها قادرة على توفير إمدادات النفط لعملائها على نحوٍ جيد، على الرغم من الهجمات على منشآت نفطية رئيسية لديها، مما أدى إلى انخفاض حاد في أسعار النفط الخام بعد ارتفاعها في اليوم السابق.
ولكن تصريحات المملكة بعيدة عن الواقع
حذر أفراد أُطلِعوا على حجم الأضرار التي لحقت بمنشأة بقيق، التي تعالج أكثر من 70% من الإنتاج الطبيعي للمملكة، من أن الأمر قد يستغرق شهوراً قبل استعادة الإنتاج الكامل للنفط في السعودية، وفقاً للصحيفة البريطانية.
وسجلت أسعار النفط تراجعاً حاداً يوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 201، منخفضة بأكثر من 7%، بعد أن قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، إن المملكة استعادت نصف الإنتاج المفقود وستستعيد إنتاجيتها الكاملة بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2019.
وأضاف الوزير أن الطاقة الإنتاجية الكاملة البالغة 12 مليون برميل يوماً لن تكون متاحة حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
وانخفض خام القياس العالمي مزيج برنت بنحو 6.23 دولار ليستقر عند 63.79 دولار للبرميل، قبل أن يتعافى إلى ما يقرب من 65 دولاراً للبرميل. وخسر مؤشر خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 3.40 دولار ليستقر عند 59.50 دولار للبرميل.
وفي التعاملات الصباحية يوم الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول 2019 في آسيا، انخفض خام برنت بنسبة 0.2% ليستقر عند 64.41 دولار للبرميل، وانخفض خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.6% ليستقر عند 59.01 دولار.
مصادر مقربة من وزارة الطاقة تقلل من التفاؤل الرسمي.. سيلجأون للاحتياطي المخزن
إلا أن أربعة أشخاص مقربين من وزارة الطاقة السعودية حذروا من أن بيان وزير الطاقة كان متفائلاً ولم يوضح كلياً خطورة الأضرار التي لحقت بالمنشأة.
وبدا هذا الكلام يناقض المؤشرات السابقة.
وقال أحد هؤلاء الأشخاص إنه لا يزال من المتوقع أن تستمر الإصلاحات الكاملة حتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول على الأقل وإن التقييم تضمن استخدام النفط الذي تحتفظ به المملكة في التخزين، بدلاً من الاستئناف السريع لمثل هذه النسبة العالية من الإنتاج المفقود.
فالمملكة تخشى لجوء الغرب لإطلاق مخزوناته
وقال شخص آخر إن التقرير كان محاولة من المسؤولين السعوديين لتهدئة السوق من خلال تقديم نظرة أكثر تفاؤلاً، خشية أن تغمر الولايات المتحدة وحلفاؤها السوق باحتياطياتهم النفطية الطارئة.
وأعلن الحوثيون في اليمن، المدعومون من إيران، مسؤوليتهم عن ما زعموا أنه هجوم بطائرات بدون طيار. لكن الولايات المتحدة اتهمت إيران بالمسؤولية عن الهجوم التي بدورها نفت تلك المزاعم.
وكانت هذه الهجمات على المنشآت النفطية أكثر تطوراً وضرراً بكثير من الهجمات السابقة، وبعيدة مئات الأميال عن الحدود اليمنية، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الحوثيون لديهم القدرة على تنفيذها.
ولم يناقش المسؤول الأمريكي الدور الإيراني، لكنه قال إن حقيقة أن الهجمات جاءت من الشمال الغربي كانت خطيرة.
وصرح مسؤول أمريكي رفيع لصحيفة Financial Times يوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 2019، بأن إدارة ترامب خلصت إلى أن الهجمات تضمنت استعمال أنظمة طويلة المدى موجهة بدقة لضرب أهداف من الشمال الغربي، وهو اكتشاف لم تستطع المخابرات السعودية دعمه بعد، لكن يمكن أن يمهد الطريق لاتخاذ تدابير انتقامية من الولايات المتحدة ضد إيران.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الإثنين 16 سبتمبر/أيلول 2019، إنه رغم عدم رغبته في خوض حرب مع إيران، فإن أمريكا "أكثر استعداداً" لصراع عسكري من أي وقت في تاريخها، مضيفاً: "مع كل ما يقال، نود بالتأكيد تجنب ذلك".
والأهم إنها قلقة على اكتتاب القرن.. من يشتري أسهماً في هذه الحلقة الضعيفة؟
وجزء من الرسائل الجديدة الأكثر إيجابية قد يكون مرتبطاً برغبة ولي العهد محمد بن سلمان حاكم البلاد الفعلي في المضي قدماً في الطرح المخطط لشركة أرامكو الحكومية في البورصة، ، حسبما قال أحد المقربين لوزارة الطاقة السعودية.
ووصف الأمير محمد بن سلمان اكتتاب أرامكو المحتمل بأنه سيكون أكبر اكتتاب في التاريخ.
وكان من المقرر أن يكون هذا الاكتتاب العام الأوليّ -المخطط عقده عام 2018ـ هو الصفقة التي تَجُبُّ ما قبلها، إذ من شأنه أن يجمع أكثر من 100 مليار دولار لصندوق ثروة سيادي جديد، كجزء من رؤية السعودية 2030 التي بشر بها ولي العهد السعودي رعاياه.
ولكن الاكتتاب لم يرى النور بعد.
وقال محللون إن الهجمات كشفت منشأة بقيق باعتبارها حلقة ضعيفة في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، معربين عن قلقهم أيضاً من احتمال وقوع المزيد من الهجمات والتصعيد إلى صراع أوسع.
وأثار تعطل الإنتاج واحتمال التصعيد العسكري أسئلة حول آفاق طرح شركة أرامكو السعودية في البورصة، وهو أحد ركائز خطط ولي العهد لتحويل اقتصاد المملكة.
متى يتم طرح أرامكو؟
وأكد شخصان مقربان من شركة النفط قدرة أرامكو السعودية ومقاوليها على استعادة مستويات الإنتاج بسرعة خلال أسابيع، قائلين إنهم أصبحوا أكثر تفاؤلاً، وإن استعادة أكثر من 70% من الإنتاج كانت أمراً واقعياً.
لكن الشكوك ستستمر على الأرجح.
قال ياسر الرميان، رئيس مجلس إدارة أرامكو، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، إن المملكة لا تزال ملتزمة بطرح الشركة في الاكتتاب العام الأولي في غضون 12 شهراً. وقبل الهجمات، قال مسؤولون سعوديون على نحوٍ متكتم إن المملكة كانت تستهدف إجراء الاكتتاب العام للشركة قبل نهاية هذا العام.
السعودية تعطي الأولوية للزبائن الخارجيين على حساب معاملها
تجدر الإشارة إلى أن السعودية كانت تسحب من مخزونها من النفط في محاولة لاستيفاء التزاماتها من الإمدادات للعملاء الدوليين منذ انقطاع الإمداد، وحولت مسار إنتاجها المتبقي البالغ حوالي 4 ملايين برميل يومياً من مصافي التكرير ومحطات الطاقة المحلية الخاصة بها للمساعدة في الحفاظ على الصادرات.
وقال راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لشركة Vitol، أكبر تاجر نفط مستقل في العالم، لصحيفة Financial Times إنه من غير المرجح أن تعود المملكة إلى كامل طاقتها الإنتاجية بهذه السرعة، مضيفاً: "لن يعودوا إلى طبيعتهم، لكنهم سيعودون إلى الوضع شبه الطبيعي. ماذا يعني الوضع شبه طبيعي؟ هل يعني إنتاج مليون برميل يومياً أم مليوني برميل في اليوم؟".
وقال أشخاص مطلعون على أخبار وزارة الطاقة يوم الإثنين بعد اجتماع تقني للمهندسين والوزارة بشأن استعادة العمل في منشأة بقيق، إن المنشأة لديها بعض الوفرة المحدودة في معدات التكرير الجاهزة، مما قد يساعدها في بدء معالجة المزيد من النفط الخام. وأضافوا أيضاً أن بعض الإنتاج قد يعود بسرعة لأنه أُغلق في الأساس كإجراء احترازي فقط.
لكن التقييم الفني أشار إلى أن إجمالي إنتاج السعودية ربما يظل حوالي مليوني برميل يومياً -دون مستوى ما قبل الهجوم الذي بلغ 9.8 مليون برميل يومياً- حتى أكتوبر/تشرين 2019.
كيف سيكون رد المملكة؟
من جهته، حث العاهل السعودي الملك سلمان يوم الثلاثاء المجتمع الدولي على "تحمل مسؤوليته في إدانة الجناة" ومواجهة "الأعمال الوحشية". في حين أن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم والحليف الرئيسي للولايات المتحدة لم تلق باللوم مباشرة على إيران، قال التحالف الذي تقوده السعودية لقتال الحوثيين في اليمن إن التحقيقات الأولية تشير إلى أن الأسلحة الإيرانية استخدمت في الهجوم.
وقال مجلس الوزراء السعودي في بيان "هذا الهجوم هو امتداد لأعمال العدوان السابقة على منشآت أرامكو السعودية باستخدام الأسلحة الإيرانية" في إشارة إلى هجوم سابق في مايو/أيار 2019.
ولطالما اتهمت واشنطن والرياض طهران بتزويد الجماعات المسلحة الإقليمية، مثل الحوثيين، بالتدريب والأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار. وزاد الحوثيون من هجماتهم بالطائرات بدون طيار والصواريخ على السعودية في الأشهر الأخيرة، ولكن معظمها وقع في جنوب المملكة المتاخم لليمن.