كانت القوات الجوية لجمهورية إيران، في يوم من الأيام، أحد أكبر وأقوى القوات الجوية في العالم، لكنها لم تعد اليوم سوى مجرد ظل باهت لما كانت عليه في السابق، كما يقول كايل ميزوكامي، الباحث المختص بشؤون الدفاع والأمن القومي الأمريكي.
فقد أدَّت الحرب وعقود من العقوبات التعجيزية بالقوة الجوية التي كانت موضع فخر إيران يوماً، أن تقلصت لتصبح تشكيلةَ طائرات حربية، مجموعة من دول مختلفة، تقادم بها الزمن وباتت مشكوكاً في كفاءتها. ويعني اضمحلال القوة الجوية الإيرانية الذي استمر لفترة طويلة، أن البلاد غدت قادرة بالكاد على تأمين مجالها الجوي فحسب، أي ليس بإمكانها الصمود أمام منافسيها الإقليميين وليس الولايات المتحدة فحسب، كما يقول ميزوكامي.
أفضل المقاتلات الجوية الأمريكية كانت في خدمة إيران
يقول ميزوكامي في تقرير منشور بمجلة The National Interest الأمريكية، إن شاه إيران، الذي أعيد تنصيبه وتثبيته في الحكم من خلال انقلاب دعمته المخابرات الأمريكية في عام 1953، كان حليفاً أمريكياً فعالاً وموثوقاً به. ورأت الولايات المتحدة في إيران ركناً أساسياً في مساعي إدارة حربها الباردة في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم كانت إيران، مثلها مثل اليابان وأستراليا، حليفاً عسكرياً إقليمياً قوياً، أمكنها الاستناد إليه في بناء تحالف موالٍ للغرب ومعادٍ للشيوعية.
ولما كانت حليفاً عسكرياً للولايات المتحدة، فقد كانت إيران في حاجة إلى قوات عسكرية قوية، وهو التزام خضع له الشاه في سعادة. ومن ثم اشترت إيران كميات هائلة من المعدات العسكرية الأمريكية، تتضمن أكثر من 179 مقاتلة جوية من طراز "إف 5 أ/ب فريدوم فايتر"، و "إف 5 إي/إف تايجر الثانية"، و225 مقاتلة من فئات "إف 4 دي"، و "إف 4 إي"، و "آر إف 4 إي" من المقاتلات طراز "فانتوم الثانية"، إضافة إلى 56 طائرة نقل تكتيكي من طراز "هرقل سي 130″، و6 طائرات دورية ومراقبة من طراز "بي 3 أوريون"، و6 طائرات تموين بالوقود من طراز "كيه سي 35" .
وكذلك اشترت إيران 80 مقاتلة اعتراضية من طراز "إف 14 إيه توم كات" وتم تسليحها بالصواريخ بعيدة المدى من طراز "إيه آي إم 54 فينكس"، وهي طائرات طراز "إف 14" الوحيدة التي بيعت إلى دولة خارج الولايات المتحدة، فقد تسلمت إيران 77 طائرة من هذا الطراز قبل سقوط نظام الشاه. فضلاً عن أن الشاه طلب حتى شراء طائرة الاستطلاع الاستراتيجي "إس آر 71 بلاك بيرد"، غير أن الحكومة الأمريكية ردّت طلبه بأدب.
القوة الجويّة الإيرانية.. من خدمة مصالح أمريكا إلى ضدها
تقول المجلة الأمريكية، إن هذه القوة الجوية الضخمة كان الغرض الأصلي منها خدمة المصالح الأمريكية، إلا أنها سقطت بغتة في أيدي حكومة ثورية في عام 1979، عندما عُزل الشاه، وسيطر آية الله الخميني على السلطة. ثم شرعت الحكومة الثورية الجديدة في عملية تطهير واسعة للجيش، لاقتلاع الضباط المؤيدين أو من يشتبه بتأييده للشاه، العملية التي تراجع في إثرها الاستعداد العسكري الإيراني، ولاسيما على مستوى القوات الجوية بشدة. وعندما تحاربت كل من إيران والعراق عام 1980، أُخذت طهران على حين غرة في البداية، في وقت لم تكن مستعدة فيه إلى حد خطير.
غير أن القوات الجوية الإيرانية بإمكاناتها التقنية العالية، واستدعاء الطيارين والتقنيين الذين كان قد طردهم النظام الجديد، نجحت في إنقاذ إيران من خسارة السيطرة الجوية لصالح العراق. وقد خاضت المقاتلات الجوية الإيرانية والعراقية في سماء البلدين نحو 1000 اشتباك، وبلغ إجمالي الخسائر على كلا الجانبين مئات المقاتلات. ومع ذلك، فإن حالة الاضطراب وضعف القيادة التي كان عليها النظام الجديد حالت دون تمكن إيران من الهيمنة على السماء خلال الحرب بالقدر الذي كان يمكنها. فقد واجه النظام الجديد، بعد أن جعل من الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر"، حظراً على قطع الغيار والمعدات، وهو ما زاد من تقييد قدرات القوات الجوية الإيرانية على القتال بطاقتها القصوى.
بحلول عام 1993، وبعد خمس سنوات من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، كان عدد أفراد القوات الجوية لجمهورية إيران الإسلامية قد انخفض 15000 فرد فقط، أي ربع قوتها في عام 1976. ولم يتبق لدى إيران في الخدمة سوى 60 من أصل 225 طائرة مقاتلة من طراز "إف 4 فانتوم الثانية"، و60 أخرى من أصل 179 طائرة مقاتلة من طراز "إف 5″، أما باقي المقاتلات، فإما كانت قد أسقطت وإما فقدت صلاحية الطيران أو فككت لاستخدام أجزائها كقطع غيار.
الاستعانة بالسوفييت والصين
كان أداء أسطول طائرات الـ "إف 14" أفضل بكثير، فقد ظلت نحو 60 من أصل 80 طائرة مقاتلة قيد التشغيل. في حين تبقى 20 فقط من طائرات النقل التكتيكي طراز "هرقل سي 130" . وفي عام 1990، تلقَّى النظام الإيراني 20 طائرة هجومية من طراز "سوخوي سو 24″، و30 طائرة مقاتلة من طراز "ميكوبان ميغ 29" أو "الفلكروم"، من الاتحاد السوفيتي.
كما تضمنت القوة الجديدة 25 طائرة مقاتلة صينية من طراز "تشنغدو جيه 7" –النسخة الصينية من الطائرة المقاتلة ميج 21- لكن كانت هذه الطائرات التي اشترتها إيران بالكاد تكفي لتعويض خسائر الحرب. بالإضافة إلى أن القوات الجوية الإيرانية استوعبت أيضاً عدداً قليلاً من طائرات سلاح الجوي العراقي التي فرت من البلاد خلال حرب الخليج الفارسي واتخذت إيران ملجأً لها.
استمرَّ عداء طهران للغرب، وبرنامجها النووي، في جعلها دولة منبوذة خاضعة للعقوبات. وفقاً لمجلة Flight International، لا يزال العمود الفقري للقوات الجوية الإيرانية كما كان منذ فترة طويلة: 42 طائرة مقاتلة من طراز "إف 4 فانتوم الثانية"، و24 طائرة مقاتلة من طراز "إف 5" (تشمل النسخة المقلدة المنتجة محلياً سايجه)، و20 طائرة مقاتلة من طراز "ميغ 29″، و7 طائرات مقاتلة من طراز "إف 7″، و23 طائرة هجومية من طراز "سوخوي سو 24" (تضم بعض الطائرات الهجومية، كانت تابعة لسلاح الجو العراقي في السابق)، و9 طائرات مقاتلة كانت عراقية سابقاً، من طراز "ميراج إف 1" .
كما يضم الآن سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، الذي يعد ذراعاً جوية منفصلة وجزءاً من فيلق الحرس الثوري، 10 طائرات هجومية كانت تابعة للعراق في السابق، من طراز "سوخوي سو 25″، أو "فروجفوت"، وهي طائرة هجومية أرضية منخفضة المستوى، صُممت في الأصل كردّ سوفيتي على الطائرة المقاتلة "إيه 10 ثاندر بولت الثانية" .
متى كان آخر استخدام لهذه الطائرات؟
على الرغم من قدم أسطولها الجوي، فقد نشرت إيران قواتها الجوية مرات عديدة في الحرب ضد داعش. وقامت الطائرات الإيرانية من طراز "إف 14 توم كات" بمرافقة قاذفات سلاح الجو الروسي، خلال قصف أهداف في سوريا، وقامت الطائرات الإيرانية من طراز "إف 5 تايجر" و "إف 4 فانتوم" و "سوخوي سو 24" الهجومية بضربات اعتراضية ضد الدولة الإسلامية. هذه الطائرات المقاتلة تتراوح أعمارها بين ثلاثين إلى خمسين عاماً، ولن تتحمل كثيراً قبل أن تسقط إذا دخلت في نزاع مع دولة ذات قوات مسلحة حديثة. ويظهر مدى تقدم الأسطول في العمر في حوادث مثل تحطم أربع طائرات حربية إيرانية في عام 2016، تشمل طائرات من طراز "إف 4" و "جيه 7" و "سو 24″ و"ميغ 29" .
وقد حاولت إيران إطلاق صناعة طيران عسكرية محلية، غير أن النتائج كانت مخيبة للآمال إلى درجة كبيرة. قدمت إيران المقاتلة "سايجه"، وهي نسخة تثبيت عمودي مزدوجة من طراز "إف 5 تايجر"، التي وصفت في الصحافة الإيرانية بأنها "يُصعب على أنظمة الرادار التقاطها مقارنة بالنسخة العادية نظراً لقدرتها على المناورة"، وهو تصريح غريب لأن القدرة على المناورة والتخفي عن الرادارات ليس لهما علاقة ببعضهما.
قدمت إيران في عام 2013 نموذجاً أولياً لـ "طائرة مقاتلة شبحية" من طراز "قاهر 313" التي بدت صغيرة للغاية، لدرجة أن ركبتي الطيار كانت ظاهرة من مقصورة قيادة الطائرة. ورغم أن الإصدار الجديد الذي تم الكشف عنه في عام 2017 بدا أكبر، فإن الكثيرين لا تزال لديهم شكوك حاضرة حول صلاحية التصميم وكفاءته.
عقود من الإهمال
لم يؤدِ إنهاء البرنامج النووي الإيراني إلى الرفع الكامل للحظر العالمي المفروض على تصدير الأسلحة إلى إيران. وهناك إمكانية للتحايل على حظر عام 2010 لنقل الأسلحة التقليدية إلى البلاد، شريطة موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الصفقة. ينتهي الحظر في عام 2020. وكانت المحادثات الإيرانية الروسية، التي ظُن أنها واعدة، بشأن بيع وإنتاج 48 قاذفة من طراز "سو 30" قد توقفت، على الأرجح بسبب اختلافات تخصّ السعر ونقل تكنولوجيا التصنيع إلى إيران. ولا شك أن إيران ستطالب بنقل التقنيات الرئيسة إليها، تحسباً لفرض حظر لتصدير الأسلحة إليها في المستقبل.
من الواضح أنه، بعد عقود من الإهمال، تبدو القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية متمسكةً بخيط رفيع. أما فيما إذا كانت البلاد تستطيع تحديث سلاحها الجوي أم لا، فإن هذا يعتمد إلى حدٍّ كبير على قبولها لمطالب الأمم المتحدة فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وحتى مع ذلك، فإن عداء إيران لجيرانها في منطقة الشرق الأوسط والغرب وإسرائيل، سيدفع العديد من بائعي الأسلحة -ربما باستثناء روسيا- لتجنب التعامل معها. فقط التقارب مع أعدائها الألدّاء هو من قد يعيد إحياء سلاح الجو الإيراني، غير أنه ليس هناك ما يشير إلى حدوث ذلك في أي وقت قريب.