ما زالت هناك أسئلة غامضة تحيط بتظاهرات أمس الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، أحدها يتمثل في تعامل الشرطة "غير المعتاد" مع المتظاهرين في البداية ثم قيامهم بالفض باستخدام قنابل الغاز، والثاني حول إمكانية وقوع انقلاب عسكري بالفعل ضد الرئيس المصري.
وكان المصريون خرجوا في مظاهرات لأول مرة منذ تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر، للمطالبة برحيله عقب دعوة وجهها المقاول والفنان محمد علي، صاحب فيديوهات كشف الفساد في الهيئة الهندسية للجيش.
مصادر سيادية خاصة أوضحت لـ"عربي بوست" ملابسات المشهد الذي وقع يوم الجمعة، وسر التعامل "غير العنيف" مع المتظاهرين، وهو ما اتضح أكثر في الإفراج لاحقاً عن العشرات من المتظاهرين، بالإضافة إلى سيناريوهات الأيام القادمة.
سيناريوهان قادمان
وكشفت مصادر أمنية سيادية لـ"عربي بوست" أن هناك سيناريوهين متوقعين خلال الأيام القادمة. السيناريو الأول يتمثل في تغيير جذري لسياسات الرئيس المصري السيسي ومن حوله، بينما السيناريو الثاني هو تغيير دراماتيكي كبير وغير متوقع في قلب النظام.
يأتي هذا في وقت لم تكن فيه التوقعات متفائلة إلى حد كبير بنزول مصريين للتظاهر، حتى ولو بأعداد قليلة، ضد السيسي.
ولكن كانت المفاجأة التي لا ينكرها سوى الإعلام المصري الرسمي، هي نزول المصريين وبأعداد معقولة بالنسبة لحالة القمع التي يعيشها الشعب منذ تولي السيسي حكم مصر.
فقد كانت المظاهرات بمصر نادرة للغاية وسط حملات قمعية واسعة ضد المعارضة تحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 2013. ولكن ما حدث أمس يؤكد حالة الاحتقان المكتومة لدى الشعب المصري، وفجرها المقاول "محمد علي"، وخرج المئات يهتفون "ارحل ياسيسي".
تعامل غير عنيف من الشرطة
وتحركت قوات الأمن لتفريق التجمعات الصغيرة والمتفرقة باستخدام الغاز المسيل للدموع في القاهرة، ولكن شباناً كثيرين ظلوا بالشوارع بوسط العاصمة وهم يهتفون "ارحل يا سيسي"، وذلك حسبما قال مراسلون لرويترز في الموقع.
وقال شهود إن الشرطة ألقت القبض على بعض المتظاهرين.
وأشاد مصريون بضابط شرطة منع جنوده من الاعتداء على المتظاهرين ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي في العاصمة القاهرة، وحقق فيديو للضابط انتشاراً كثيفاً على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت تعرض فيه متظاهرون آخرون للاعتقال والضرب من قبل عناصر شرطة.
ونشرت صفحة "أسرار محمد علي" على موقع "فيسبوك" مقطع فيديو للضابط، الذي ما إن بدأ عناصره بمهاجمة المتظاهرين وملاحقتهم حتى هرع مسرعاً إلى مقدمتهم، وطلب منهم التهدئة وعدم الاعتداء على المتظاهرين، وطلب من عناصره الرجوع، قبل أن يتحدث مع عدد من المتظاهرين كانوا يحملون هواتفهم النقالة ويصورون تصرف الضابط.
ولكن السؤال الآن لماذا لم تتعامل الشرطة المصرية بعنف في بادئ الأمرمع المتظاهرين، ثم استخدمت قنابل الغاز بعد ذلك؟ وما هي سيناريوهات الأيام القادمة بالنسبة للسيسي نفسه؟
الشرطة تعلمت الدرس
مصدر أمني سابق رفيع المستوى قال لـ"عربي بوست"، إن الشرطة "لديها تعليمات بعدم استخدام العنف مع أي تظاهرات سلمية".
وأوضح أن الشرطة لا تستخدم العنف إلا بإذن من النيابة، وفي مثل هذه الحالات يكون في الميادين التي تشهد تجمعات احتجاجية أكثر من عضو في هيئة النيابة العامة، ولابد أن تأخذ الشرطة الإذن منه باستخدام أساليب فض التظاهرات المعروفة مثل خراطيم المياه أو استخدام قنابل الغاز.
وأشار إلى أنه في حالة تظاهرات أمس الجمعة التي تنادي بإسقاط النظام "تعد مظاهرات سياسية كبيرة من وجهة نظر الأجهزة السيادية، ولديها تقدير موقف، وتخشى تكرار سيناريو ثورة يناير 2011".
وأوضح أن فجهاز الشرطة المدنية طوال السنوات الماضية "درس هذه الثورة جيداً ووعى الدرس، ولن يكرر ما حدث، مهما كانت التكلفة، "لن تكون الشرطة كبش فداء للآخرين وتقتل المتظاهرين، وتتحمل تبعات فساد نظام سياسي".
وأضاف المصدر "نحن مع أي تظاهرات سلمية والقول في النهاية لحكم الشعب، وهناك تعليمات بأنه لا مساس بالمتظاهرين على الأرض، ولكن فقط يتعلق الأمر بحماية المنشآت الهامة".
سر التحرك العنيف للشرطة في النهاية
وكشف مصدر سيادي لـ"عربي بوست" أن دعوات وترتيبات المقاول محمد علي للتظاهر "ليست من بنات أفكاره"، مؤكداً أنه يضع توقيتات وخطط للتحرك، ومثل هذه الأمورلا يقوم بها سوى جهاز استخباراتي قوي لديه كل تفاصيل وأوجاع المجتمع المصري.
وأضاف "محمد علي أظهر هذه التفاصيل ولعب عليها، فكانت الاستجابة الجماهيرية له، ولكن ما هو مطلوب الآن ألا تخرج الأمور عن السيطرة وتعم الفوضى، لذلك تعاملت الشرطة بعنف محدود في نهاية الفعاليات".
الأمن الوطني ومسؤولون يرفضون السيسي
وقال المصدر "هل تعلم أن مسؤولين كباراً في مصر يشاهدون فيديوهات محمد علي، وكأنه ينفس عن أوجاعهم التي يشعرون بها من سوء الإدارة للحكم في مصر".
وأكد المصدر أن طريقة تعامل الشرطة مع المتظاهرين ليلة أمس تختلف عن تعاملها مع المتظاهرين عام 2013، أو حتى تظاهرات تيران وصنافير قبل عامين.
وأوضح أن هذا يرجع إلى أن عقيدة الشرطة الآن هي عدم الدخول في صدام مع الشعب ويحسب عليها فشل النظام، على حد قوله.
وأضاف أن هناك حالة "عدم رضا من بعض الأجهزة على أداء السيسي ومعاونيه"، خاصة في جهازي المخابرات العامة المصرية والأمن الوطني، اللذين تقلص دورهما إلى حد كبير عقب تولي عباس كامل -كاتم أسرار السيسي- ونجل السيسي مسؤولية هذا الجهاز.
لكنه استدرك قائلاً "في نفس الوقت لا ترغب هذه الأجهزة في خروج الأمر عن السيطرة".
وأضاف أن ما حدث "مجرد هزة بسيطة للنظام"، وقد تكون هناك مفاوضات بين السيسي ومعاونيه مع الأجهزة المستاءة لتغيير سياساتهم الفاشلة، خاصة فيما يتعلق بإنفاق المليارات بلا حساب، وترك مساحة للحريات السياسية والتعبير.
وألمح المصدر إلى أن "ثمة شيئاً مريباً يجري في مطبخ الدولة، سيعقبه إما تغيير جذري في السياسات، أو تغيير دراماتيكي كبير في قلب النظام".