تحليل اتجاهات التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية أظهر مَيل الشباب إلى أستاذ الجامعة قيس سعيد بصورة واضحة، مما جعله يتصدر قائمة المرشحين ويصل لجولة الإعادة الحاسمة، فهل يتمكن هؤلاء من تمكين سعيد من الوصول لقصر الرئاسة في قرطاج؟
موقع ميدل إيست آي البريطاني تناول القصة في تقرير بعنوان: "الشباب: سلاح قيس سعيد السري في الانتخابات الرئاسية التونسية"، ألقى فيه الضوء على خبايا الزلزال الذي شهدته تونس.
الشباب الأكثر عزوفاً
أطلق نبيل بافون، رئيس الهيئة العُليا للانتخابات التونسية نداءً أخيراً للناخبين الشباب، يوم الأحد الماضي 15 سبتمبر/أيلول، لحثِّهم على الإدلاء بأصواتهم، وقال بافون قبل وقتٍ قصير من إغلاق اللجان الانتخابية: "يا شباب تونس، ما زالت أمامكم ساعة للتصويت. يجب علينا الخروج من منازلنا والإدلاء بأصواتنا، فهذا حقٌّ اكتسبناه من ثورة 2011 التي ضحَّى فيها البعض بأرواحهم" .
وبالنسبة للعديد من الناخبين الشباب، فالثورة -وعدم إحراز تقدم والشعور بخيبة الأمل الذي يتراكم منذ ذلك الحين- هي التي منعتهم من التوجه إلى صناديق الاقتراع، وفقاً لما ذكره بعضهم لموقع ميدل إيست آي.
إذ قال علي ريحاني، وهو مواطنٌ تونسي يبلغ من العمر 20 عاماً، بينما كان يستقل سيارة أجرة من تونس إلى بن عروس، إحدى ضواحي العاصمة: "لن أشارك في الانتخابات. لقد كانت الثورة التونسية أكبر خطأ على الإطلاق" .
تصويت عقابي لصالح الأستاذ
لكنَّ بعض المواطنين الآخرين قالوا للموقع البريطاني إنَّ هذا الإحباط تحديداً هو الذي دفعهم إلى التصويت للمرشح قيس سعيد، أستاذ القانون البالغ من العمر 61 عاماً، الذي ليست لديه أي خبرةٍ سياسية، والذي لم يُجر حملةً انتخابية تقليدية.
إذ قال عبدالهادي حمزاوي، البالغ من العمر 28 عاماً، للموقع البريطاني: "قيس سعيد نظيف ومستقل وجدير بالثقة. نحتاج إلى شخصٍ غير مقيد بسياساتٍ حزبية" .
هذا، وأكَّدت الهيئة العليا الانتخابات يوم أمس الأول الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول، أنَّ سعيد ونبيل قروي، إمبراطور الإعلام الذي يُجري حملته الانتخابية من السجن وسط تحقيق في اتهاماتٍ بغسيل الأموال، سيتواجهان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
مرشح الطلاب
ويبدو أنَّ سعيد يتلقى دعماً كبيراً من الشباب التونسي. إذ أظهر استطلاع رأي أجرته منظمة Sigma Conseil أنَّ 37% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، و20.3% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 26 و45 عاماً صوتوا لسعيد، في حين ذهب الجزء الأكبر من أصوات الناخبين الأكبر سناً إلى قروي.
وقال حاتم ملكي، المتحدث باسم قروي، للموقع البريطاني: "قيس سعيد هو مرشح الطلاب"، وأضاف: "لديه صورة الأستاذ الجامعي المحبوب. والناخبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً ليسوا أكثر ميلاً نحو التيار المحافظ بالضرورة، لكنَّهم لديهم موقفٌ مختلف تجاه الدولة. فهُم، على عكس والديهم، لا يعتبرون الدولة شيئاً عَملياً" .
فيما قالت ياسمين مصري، وهي صحفية عمرها 26 عاماً، إن سعيد مدين بفوزه لـ "النظام" . وأوضحت أنَّ المزيد من الشباب كانوا سيصوتون للمرشح اليساري محمد عبو، لولا الحملة التي شنَّها ضده أنصار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في اللحظات الأخيرة.
وقالت: "قبل يومٍ واحد من الانتخابات، بدأوا حملة تشهير ضخمة على موقع فيسبوك ضد محمد عبو، اليساري محارب الفساد السياسي. لقد خافوا من شعبيته المتزايدة بين الشباب" .
صاحب قيم تقليدية
وقال صفوان الطرابلسي، الذي شارك في تأسيس حركة عيش تونسي التي ستشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة ورئيس قسم الأبحاث في الحركة، إنَّ الكثير من الناخبين الشباب يرى أنَّ سعيد يُجسِّد أكبر مخاوفهم بشأن الوضع الراهن.
وأضاف: "يشعر الشباب بأننا لم نعد قادرين على تحمُّل الفساد السياسي المتفشي، والامتيازات التي يحظى بها السياسيون ذوو المناصب. وقيس سعيد يُمثِّل أفضل ما في العالمين: فهو أستاذٌ سياسي وأستاذ قانون متمرس ذو قيمٍ تقليدية" .
فيما قالت درة رحوي، وهي طالبةٌ عمرها 19 عاماً، إنَّها صنعت قائمةً بأفضل ثلاثة مرشحين من وجهة نظرها: محمد عبو، وعبدالفتاح مورو، مرشح حزب النهضة الديمقراطي الإسلامي، وسعيد، ثم وقع اختيارها على مرشحٍ واحد في النهاية.
إذ قالت وهي تنتظر القطار المتجه إلى مدينة تونس من ضاحية بن عروس: "وقع اختياري في النهاية على سعيد. فأنا أدرس في كليته. وهو محايد ومستقل وأجدر بالثقة من المرشحين الآخرين" .
انتخابات كسر القوالب
لكنَّ سعيد لم يكن المستفيد الوحيد من تصويت الشباب، وقال الطرابلسي إنَّ الانتخابات حطمت القوالب النمطية نظراً إلى أنَّ هوية المرشحين لم تعد الحافز الأكبر للناخبين، بل صار الاقتصاد المنهار هو شغلهم الشاغل.
وأضاف: "الخطوط الفاصلة الكلاسيكية مثل تلك التي بين التيار الديني والعلماني، أو اليساري واليميني، أو التقدمي والمحافظ أصبحت أقل حدة ووضوحاً، فيما صار الاقتصاد هو الشغل الشاغل، إذ لم يعد الشباب ينشغل بالاقتتال السياسي في ظل تدهور الوضع الاقتصادي" .
وهذا ينطبق على الناخبة يسرا حبورية، البالغة من العمر 25 عاماً، التي قالت: "أنا متدينة، لكنني اخترت المرشح الأفضل ثقافةً وتعليماً: محمد عبو" .
فيما قال حمزة عوني (30 عاماً) إنه صوت لصالح يوسف الشاهد، رئيس الوزراء الحالي، لأنه في الرابعة والأربعين من عمره، ويعد من أصغر المرشحين، مع أنَّ عوني لم يكن يبدو متحمساً. إذ قال: "لا أتوقع الكثير منه، فدور الرئيس رمزي فقط" .
بينما ذكرت فرح اللواتي، البالغة من العمر 20 عاماً أنَّها تؤيِّد المرشح اليساري منجي الرحوي بكل قوة، وقالت: "إنه صغير السن، لكنه يتمتع بالخبرة ويدعم الحريات الفردية والمساواة الاجتماعية" .
فيما قالت ساندرا معروف، وهي مهندسةٌ عمرها 28 عاماً كانت ترفع العلم التونسي أمام اللجنة الانتخابية في بن عروس، إن شغلها الشاغل هو الوضع الاقتصادي في البلاد.
وأضافت: "بدافع حبي لبلدي أدليت بصوتي للمرشح الأكثر ديناميةً والأصغر سناً. فأنا أريد شخصاً يبذل جهوداً في تقنية المعلومات والرقمنة. فالبلاد بحاجةٍ إلى أن تمضي قدماً وتصبح عصرية. مَن بالضبط؟ أفضِّل عدم ذكر هوية المرشح الذي اخترته" .