في توجّه جديد للسعودية أثار تساؤلات عدة عن أسبابه وتوقيته، قالت كوريا الجنوبية اليوم الأربعاء، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلب من سول المساعدة في تعزيز نظام الدفاع الجوي للمملكة؛ بعد أن أدى الهجوم على منشأتي نفط بالسعودية إلى انخفاض إنتاجها من الخام. واتفق ولي العهد السعودي مع رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه-إن، على تعزيز الشراكات العسكرية في مكافحة الأعمال الإرهابية مثل الهجوم الأخير بطائرات مسيَّرة على منشآت نفطية في السعودية.
ويطرح هذا التوجه نحو الكوريين الجنوبيين عدة تساؤلات عن أسبابه وتوقيته، خصوصاً أن ردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية على الهجمات التي تعرضت لها المملكة، كانت "محبطة" بالنسبة للسعوديين، الذين يرون أن واشنطن لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها في الخليج، كما يقول موقع "المونيتور" الأمريكي.
وما يؤكد انزعاج السعوديين وشعورهم بالإحباط من الإدارة الأمريكية، تكرار ترامب بعد الهجمات تصريحاته التي سبق أن رددها عن السعودية، بأنه يجب عليها أن تدفع الأموال لبلاده مقابل حمايتها، ملمحاً إلى أن "السعوديين عليهم أن يدفعوا إذا شنت الولايات المتحدة عملاً عسكرياً"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الهجوم "كان على المملكة العربية السعودية وليس هجوماً علينا، ولكننا بالتأكيد سنساعدهم، لأنهم حليف عظيم، وأنفقوا 400 مليار دولار على دولتنا خلال السنوات الأخيرة".
هل فقد السعوديون ثقتهم بالإدارة الأمريكية؟
ربما يكون مسعى ولي العهد السعودي للحصول على مساعدة كوريا الجنوبية في تطوير المنظومة الدفاعية، وغيرها من الدول الأخرى، يأتي لشعوره بتخلي الولايات المتحدة عن الوقوف بجانب بلاده بعد هجمات السبت.
ففي رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الغارات التي استهدفت المنشآت النفطية شرق المملكة، قال إن الأمر بيد السعودية لكي تختار ما بين الحرب والسلام. لكنه طالب السعودية في مناسبات عديدة، بدفع الأموال إن أرادت البقاء في ظل الحماية الأمنية الأمريكية.
وأضاف: "أعتقد أنها مسؤولية السعوديين، إذا كان شخص ما مثلنا سوف يساعدهم، أعلم أنه سيتم دفع المال مقابل ذلك، الحقيقة هي أن السعوديين ستكون لهم مشاركة كبيرة إذا قررنا أن نفعل شيئاً ما، وهذا يتضمن الدفع، وهم يفهمون ذلك بشكل كامل".
وبسؤاله عما إذا كان قد وعد السعوديين بحمايتهم، قال الرئيس الأمريكي: "لا، لم أعِد السعوديين بذلك". وأضاف: "يجب أن نجلس مع السعوديين ونتوصل إلى شيء ما". وأشار إلى أن وزير خارجيته مايك بومبيو ومسؤولين آخرين سوف يزورون السعودية قريباً. وهو ما يعني عدم مبالاة واضحة بأمر السعودية، التي تضررت بشدة من الهجمات الأخيرة، وما زالت احتمالات تعرضها لهجمات مشابهة أمراً شديداً الاحتمال.
لكن لماذا اختارت الرياض كوريا الجنوبية دون غيرها؟
التوجه السعودي نحو سول له دلالات عدة، أهمها إيصال رسالة إلى الأمريكيين بأن الرياض تمتلك خيارات أخرى غير واشنطن، وأنها ستنفق أموالها على شراء السلاح في المكان الذي تريد، خصوصاً أن السعودية تواجه حملة شرسة من المشرعين الأمريكيين لمنع تصدير الأسلحة الأمريكية لها بسبب انتهاكاتها في حرب اليمن، وجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وهي في الوقت نفسه لا تستطيع التوجه بطلب السلاح إلى الدول الأوروبية، التي امتنعت هي الأخرى عن عقد صفقات تسليح مع الرياض، لأسباب الكونغرس الأمريكي نفسها؛ ومن ثم، لم يكن أمام المملكة إلا التوجه نحو كوريا الجنوبية، التي تعتبر بشكل أو بآخر، حليفة قوية للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن ما يجب ذكره أيضاً هنا، أن السعودية كانت قد وقّعت عقد شراء منظومة صواريخ أمريكية، ضمن حزمة صفقات أسلحة تعاقدت عليها مع واشنطن في عام 2017 بقيمة 110 مليارات دولار.
وكان البنتاغون قد أعلن في شهر مارس/آذار الماضي، أن شركة لوكهيد مارتن ستحصل على دفعة أولى من عقد توريد منظومة دفاع صاروخي تعاقدت عليها السعودية بقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار، مبيناً أن الدفعة الأولى تبلغ نحو 950 مليون دولار، في إطار تعاقد على توريد منظومة "ثاد" الدفاعية.
لكن حتى اللحظة، يبدو أن الرياض لم تتسلم بعدُ المنظومة الدفاعية الأمريكية، وهي الآن بحاجة ماسة، لتعزيز الدفاع الصاروخي بشكل كبير بعد الهجمات النوعية الأخيرة التي استهدفت أرامكو.
ماذا عن المنظومة الروسية S-400؟
كانت السعودية قد أعلنت في أكثر من مناسبة منذ عام 2017، نيتها شراء منظومة S-400 الروسية الدفاعية، وتحدثت تقارير عن توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين لشراء الرياض أقساماً من منظومات "إس-400" الصاروخية للدفاع الجوي وعدداً من الأنواع الأخرى من الأسلحة الروسية في أكتوبر/تشرين اﻷول 2017، بعد زيارة قام بها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز لموسكو، وقع خلالها الجانبان على حزمة كبيرة من الاتفاقيات.
لكن موسكو أعلنت مؤخراً، وعلى لسان رئيس مؤسسة "روستيخ" الحكومية الروسية للصناعات العسكرية، سيرغي تشيميزوف، أنَّ عقد توريد منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" إلى السعودية لم يتم توقيعه بعد. وربما يكون تأجيل السعودية شراء المنظومة، نتيجة ضغوط أمريكية شديدة، كالتي وجَّهتها واشنطن إلى أنقرة حليفتها في "الناتو" هذا العام، لمنعها من شراء المنظومة الروسية، إلا أنها فشلت في ذلك، ومضت تركيا بصفقتها في النهاية وتسلمت أجزاء منها بالفعل مؤخراً، وهو التحدي الذي لا تجرؤ الرياض على فعله.
ما يجب الإشارة إليه هنا أيضاً، أنه وعقب الاعتداء على منشآت أرامكو، الأحد 15 سبتمبر/أيلول 2019، نصح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ساخراً، خلال قمّة ثلاثية مع إيران وتركيا عُقدت في أنقرة الإثنين 16 سبتمبر/أيلول، الرياض بشراء منظومة S-400 الدفاعية، لمنع الهجمات محتملة كالتي تعرضت لها منشآت المملكة النفطية، وهي نصيحة قابلها كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف الجالسَين أمام بوتين، بالضحك والسخرية، في الوقت الذي تشير أصابع الاتهام إلى طهران بالمسؤولية عن هذه الهجمات.
ما الذي يمكن أن تقدمه كوريا الجنوبية للسعودية؟
تمتلك كوريا الجنوبية عدة أنظمة دفاعية جوية مغرية، أبرزها M-SAM وKM-SAM، (متوسطة المدى جو-أرض)، وهي قادرة على اعتراض الصواريخ القادمة على ارتفاعات تتراوح بين 15 و40 كيلومتراً.
حيث تتألف البطارية الكاملة من نظام (KM-SAM) على سبيل المثال، من ستة قاذفات ذات 8 خلايا (Transporter Erector Launchers (TELs، ورادار ثلاثي الأبعاد (يعتمد على رادار S-400 الروسي)، وكذلك سيارة سيطرة نيرانية. وتتم إدارته بمعدل 40 دورة في الدقيقة، ويغطي ما يصل إلى 80 درجة في الارتفاع.
وعلى الرغم من تطوير هذا النظام الدفاعي في روسيا من قبل مكتب ألماز للتصميم Almaz Design Bureau بمساعدة من شركة Samsung Thales و LIG Nex1 و Doosan DST ، فقد تمت عملية التوطين والتصنيع في كوريا الجنوبية بما يكفي لاعتباره نظاماً كوريّاً جنوبياً محلياً.
كما تمتلك سول منظومة L-SAM الاعتراضية من الطبقة العليا مصممة لإسقاط الصواريخ الباليستية، والتي تحظى بقدرات مماثلة لمنظومة ثاد الأمريكية، بمدى يصل لـ150 كم وسقف طيران 61 كم، وبمستويات أداء أعلى مرتين من صواريخ باتريوت و Cheolmae II الأمريكية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن تعاون عسكري سعودي-كوري جنوبي، إذ كانت تقارير تحدثت قبل عامين، عن قيام المملكة بتجربة نظام الدفاع الجوي الكوري الجنوبي قصير المدى من طراز K30 Biho بمدفعين رشاش 30 ملم و4 صواريخ أرض-جو، والذي يُطلق عليه أيضاً اسم "النمر الطائر" (Flying Tiger)، لتلبية المتطلبات التشغيلية للقوات المسلحة الكورية الجنوبية، وهو يجمع بين نظام رشاش كهروبصري موجه من عيار 30 ملم ونظام رادار للمراقبة على هيكل K200.