كشفت أمطار الخريف الموسمية بالجزائر، عيوب البنى التحتية لأضخم المشاريع التي شيدها الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة وكانت تمثل مصدر فخر لأنصاره.
رغم أن الأمطار تساقطت بشكل متقطع وخفيف على مدار ليلتي (12/13 سبتمبر/أيلول 2019)، إلا أنها حولت العاصمة الجزائر وبعض الولايات إلى مناطق تسبح وسط أودية وبحيرات تشكلت بفعل كميات الأمطار المتساقطة.
وأثارت الصور المتداولة للسيول سخرية واستهجان الجزائريين، وسط احتجاجات كبيرة من قبل المواطنين المتضررة مساكنهم.
هل الأمطار جاءت أقوى من المتوقع وهل تستحق وصفها بالفيضانات؟
كميات الأمطار التي شهدتها العاصمة الجزائر وبعض الولايات، كانت بمعدل طبيعي ولم تتجاوز الكميات الموسمية المتوقع تسجيلها، حسب ما قال محمد سعد الدين الخبير الجزائري في الأرصاد الجوية، لعربي بوست.
ورفض سعد الدين وصف ما حدث بالفيضانات كما يشير إليه بعض المسؤولين، وقال "هذه الأمطار هي أمطار خريفية رعدية، تشهدها الجزائر كل سنة تقريباً بمعدلات مختلفة، وفي هذه السنة كان معدلها مرتفعاً نوعاً ما ووصلت حتى 50 ملم، لكنها لم تتعد المعدل الفصلي لها".
مصالح الأرصاد الجوية حسب المتحدث سبق وأصدرت نشرات خاصة وزعت على كامل الإدارات والقطاعات، بما فيها مكاتب رؤساء البلديات، الدوائر وكذا الولايات والوزارات، تشير لقدوم أمطار يرافقها رعد".
ويتوقع محمد سعد الدين تواصل تساقط الأمطار الرعدية على أكثر من 10 ولايات جزائرية على مر الأيام الثلاثة القادمة، وهي أمطار خريفية موسمية عادية قد يصل معدل تساقطها 20 ملم.
واتهم سعد الدين بعض المسؤولين "بالتقاعس وعدم التعامل بجدية مع برقيات ونشرات مصالح الأرصاد الجوية، وحتى بيانات جمعيات الفلك والمناخ.
وقال "دائماً ما يترك المسؤول الجزائري مبرراته لعامل الصدفة والمباغتة".
رواية السلطة:"أمطار قوية ومباغتة والبالوعات لم تتحمل الضغط"
من جهته أسرع والي ولاية الجزائر العاصمة عبدالخالق صيودة إلى إصدار بيان لشرح ما حدث بالفعل.
وأرجع أسباب السيول التي شهدتها العاصمة إلى كميات الأمطار القوية التي لم تتحمل ضغطها البالوعات وقنوات صرف مياه الأمطار.
وجاء في البيان "شهدت العاصمة تساقط كميات أمطار قوية وفي وقت قصير، ونتج عن كميات الأمطار المتساقطة ضغط على البالوعات وقنوات صرف مياه الأمطار، مما أدى إلى تشكيل برك مائية على مستوى بعض الطرقات والأحياء خاصة بالجهة الشرقية".
وتحدث البيان عن تسخير إمكانيات كبيرة لمجابهة سيول الأمطار، واختتم بطمأنة المواطنين بعدم تسجيل أي خسائر مادية وبشرية.
البيان أثار سخرية المتابعين بعد مشاهدتهم لصور العاصمة وأحيائها، وكتب الإعلامي حمزة شيبان قائلاً "في حد منكم يفهمنا بمعنى الخسائر المادية حسب بيان ولاية الجزائر؟"
ولكن الواقع إن هناك خسائر بشرية
النقيب نسيم برناوي والمكلف بالإعلام والاتصال بمديرية الحماية المدنية يؤكد تسجيل عدد من الضحايا جراء سيول الامطار التي شهدتها الجزائر، بما فيها تسجيل ضحية بقلب الجزائر العاصمة.
وقال برناوي لـ"عربي بوست": سجلنا حالة وفاة لفتاة تبلغ من العمر 21 عاماً بعد إسعافها من قبل أعوان الحماية المدنية ببلدية بئر مراد رايس بالجزائر العاصمة، بعدما غمرت المياه الجارفة سيارتها إثر الأمطار الغزيرة التي سقطت عبر كامل التراب الوطني".
المصدر نفسه أكد وفاة طفلين يبلغان من العمر 12 و13 سنة، بولاية الجلفة جنوب الجزائر، بعدما جرفتهم سيول الأودية لأكثر من 20 كلم، حيث تم العثور عليهما جثتين بعد رحلة بحث من قبل الحماية المدنية والمواطنين دامت 13 ساعة كاملة.
بولاية المدية غرب العاصمة تم إجلاء ست ضحايا كانوا على متن سيارة جرفتها الأمطار، ووصفت إصابة أحدهم بالخطيرة جداً.
مطار الجزائر الدولي يتحول إلى بركة ماء
الغريب أن الأمطار ألحقت أضراراً كبيرة بمشاريع ضخمة تم تدشينها مؤخراً، كما هو الحال بمطار الجزائر الدولي، الذي دشن في أبريل/نيسان الماضي.
وتداول نشطاء صوراً لسقف المحطة الداخلية للمطار ومياه الأمطار تنساب منها.
ويعد المطار من المشاريع الضخمة التي كان يحلم الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة بتدشينها، وقد كلف البلاد مبلغاً فاق 74 مليار دينار جزائري (60 مليون دولار)، حسب موقع الإذاعة الجزائرية.
هذا المشروع التحفة بحسب تعبير الموقع أنجز لاستقبال 4.5 مليون مسافر سنوياً، على أمل توسيعه ليصل في عام 2028 إلى استقبال 10 ملايين مسافر.
مترو الجزائر يتحول إلى "تيتانيك"
مترو الجزائر، من المشاريع العظيمة التي روجت لها الحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ودامت مدة إنجازه بحسب مهندس المنشآت الكبرى محمد علالو 13 سنة كاملة.
لكنه هو الآخر سقط في زخات مياه الأمطار.
وقال علالو لـ"عربي بوست": سبق وأن حذرت بأن هناك أخطاء جسيمة في إنشاء مشروع المترو، خاصة ما تعلق بشبكة تصريف المياه، وركزت حينها على محطات المعدومين الخمس وأول مايو، والأمطار الأخيرة أكدت بأن شبكة صرف مياه الأمطار لم تنجز بالطريقة السليمة".
وكشفت صور متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ارتفاع منسوب المياه بمحطات المترو، وبقاء عدد من الشباب عالقين بالسلالم الكهربائية لمدة زادت عن ثلاث ساعات، وكتب الناشط سمير قلالقة "إنجازات فخامته.. مترو الجزائر يغرق".
ووصف إعلامي جزائري المشهد، بعودة الجزء الثاني من الفيلم الشهير "تيتانيك" قريباً.
الصحة تغرق.. وكذلك أعرق الأحياء
من الصور المؤسفة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، اجتياح مياه الأمطار لقاعة التصوير الدقيق للأشعة بأحد المستشفيات "سكانير".
ويقول البروفيسور دهليز المتخصص في الإنعاش والأشعة، لعربي بوست إن أغلب المستشفيات لاسيما بالمناطق الجنوبية للبلاد تفتقر لمثل هذه الأجهزة المتطورة.
ووصف دهليز الصورة المتداولة لجهاز السكانير مؤسفة للغاية، وتؤكد حجم الإهمال والفساد الذي عشش في قطاع الصحة في الجزائر"،حسب تعبيره.
وكتب الناشط طارق بن شيخ معلقاً "جهاز SCANNER CT بملايين يغرق بسبب المشاريع غير المطابقة للمعايير المعمول بها"
وتداول نشطاء أيضاً صورة أحد الأحياء الراقية جداً في العاصمة وهو يغرق في بحيرات مياه الأمطار.
أين ذهبت الـ1500 مليار؟
جمال شرفي الخبير الدولي ورئيس الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين قال إن الـ1500 مليار دينار جزائري (50 مليار دولار) التي كان رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى يتغنى بإنفاقها على البنى التحتية والمشاريع الكبرى، قد غرقت في قطرات من الأمطار.
واعتبر شرفي في تصريح لموقع الشروق أونلاين "أن غياب الدراسات الاستشرافية في الجزائر واحد من أهم الأسباب رغم ما كان يصور من تنظيم لقاءات متكررة عن هذه المشروعات، لكن الدروس لم تستخلص بعد من كارثة فيضانات باب الوادي عام 2001."
وضرب شرفي مثالاً ببعض المنشآت التي غرقت بسبب زخات المطر "كالمطار الجديد ومحطات المترو"
وقال "تعرضت كل المنشآت للضرر مع أن كمية الأمطار المتساقطة لم تتجاوز 40 مليمتراً وهي أمطار موسمية عادية وليست طوفاناً مثلما يروج له بعض المسؤولين في محاولة لتبرير أخطائهم".
وأضاف "المشاريع تتم بطريقة عشوائية ودون دراسة ولأن الجزائر تمر بسنوات جفاف تقل فيها الأمطار يتغنى المسؤولون فيها بالإنجازات، وإذا ما تساقطت الأمطار تفضح العيوب وسياسات الترقيع الخاطئة".
واعتبر شرفي ما حدث "هو نتيجة إخفاق حكومي جماعي في عهد الرئيس بوتفليقة"، وطالب وزير العدل بضرورة فتح تحقيق حول كيفية إنفاق الأموال في قطاع السكن والعمران والمنشآت العمومية والطرقات وكل الإنجازات السابقة التي تمت دون دراسة وتم تهميش الكفاءات المحلية فيها والاعتماد على الأجانب".