نفَّذت روسيا وصربيا، لأول مرة، تدريباً مشتركاً للدفاع الجوي أُطلق عليه اسم "Slavic Shield" في سبتمبر/أيلول 2019. وقد تعلَّمت قوات الدفاع الجوي الصربية في هذا التدريب كيفية استخدام منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400، وتدرّبوا على مهامها ضد مجموعة متنوعة من الأهداف، سواء حقيقة أو جرت محاكاتها. هذا بدوره يثير تساؤلاً بشأن ما إذا كانت صربيا تخطط لشراء منظومة صواريخ S-400 الروسية، إذ تُعتبر بيلاروسيا والصين وتركيا من أوائل الدول التي اشترت "إس-400″، عامي 2016 و2018 على التوالي.
كما أن السعودية والهند من الدول المهتمة بحيازة "إس-400″؛ إذ وقعت الهند، العام الماضي، اتفاقية مع روسيا بقيمة أكثر من خمسة مليارات دولار، لشراء خمس منظومات دفاعية جوية من "إس-400". لكن بالعودة إلى صربيا، فإن احتمالات شرائها لهذه المنظومة تتطلب النظر في تاريخها، وهو الأمر الذي يُقدّم إجابات متباينة.
هل تكون صربيا آخر زبائن روسيا بشراء S-400؟
تقول مجلة National Interest الأمريكية، وفقاً لمقابلات وتسجيلات تاريخ شفوي جمعها وزير الخارجية اليوغسلافي السابق، زفادين يوفانوفيتش، كانت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية مهتمة بمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-300 في وقت مبكر يعود إلى عام 1989.
وكانت المفاوضات جارية عندما بدأت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية في التفكّك عام 1991، جنباً إلى جنب مع الاتحاد السوفييتي. لم تحدث عمليات تسليم أجزاء المنظومة، بسبب الحرب الأهلية التالية وحقيقة أنَّ جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية دعمت المُتشدّدين السوفييت في أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي.
وقد بدأت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الجديدة (التي تشكَّلت بشكل أساسي من جمهوريتي صربيا والجبل الأسود) في التطلع إلى امتلاك أنظمة دفاع جوي مُجدَّداً عقب رفع حظر الأسلحة بموجب اتفاقية دايتون للسلام في عام 1995. وُضعت خطط لشراء منظومة S-300VM إلى جانب أنظمة دفاع جوي أخرى متوسطة المدى، وقد أُرسلت قوات الدفاع الجوي اليوغوسلافية إلى روسيا، ليتدرّبوا عليها.
الحروب وحظر التسلح كانا العائق الأول دائماً
لكن حرب كوسوفو في عام 1998 حالت أيضاً دون المضي قدماً في عمليات التسليم المُخطّطة، إذ فرضت منظمة الأمم المتحدة حظراً جديداً على جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية في عام 1998. ولم يُسمح بعودة قوات الدفاع الجوي اليوغوسلافية التي كانت تتدرب في روسيا. ولم تُسلّم أية قاذفات أو صواريخ. واعتمد الدفاع الجوي اليوغوسلافي خلال حرب كوسوفو، بصورة أساسية، على منظومة صواريخ S-125 Nevas، التي جرى شراؤها من رومانيا.
ومع صدور قرار رفع حظر الأسلحة مرة أخرى في عام 2001، كان لجمهورية صربيا الجديدة مطلق الحرية في شراء الأسلحة مُجدَّداً، لكنها لم تكن في وضع يسمح لها بذلك. واصلت الصناعة المحلية بالبلاد تحديث منظومة S-125، وأُرسل طلب شراء بطاريتي قاذفات صواريخ طراز Buk-MB من بيلاروسيا في عام 2017، وهو تحديث عميق إلى حدٍ ما لمنظومة صواريخ Buk متوسطة المدى. لكن حتى ذلك الحين، كانت هناك تقارير مستمرة تفيد بأنَّ صربيا تريد شراء منظومة S-300 الروسية. لكن دائماً ما تُنفى هذه التقارير من جانب صربيا وروسيا، وتُستبعد على اعتبار أن ذلك لا يعد جزءاً من الخطة الرسمية للتعاون الدفاعي والتقني.
الوقت مناسبٌ الآن لإتمام الصفقة
لكن تضمين صربيا في تدريبات الدفاع الجوي المشتركة في عام 2019 قد يلمح إلى تغيير محتمل بالمواقف. من المحتمل أنَّ وزارة الدفاع الصربية كانت تنتظر من روسيا البدء في بيع منظومة "S-400" إلى مزيد من الدول، وتعتقد الآن أنَّ الوقت مناسب لإتمام صفقة شراء.
في المقابل، نشرت وسائل إعلام ترعاها الحكومة الصربية مقالاً بارزاً بالصفحات الأمامية في 5 سبتمبر/أيلول، يقول إنَّ المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في غرب البلقان، ماثيو بالمر، قد عرض صفقة مذهلة على صربيا تحصل بموجبها على سرب من مقاتلات F-16، قيمتها 10 مليارات دولار، فضلاً عن ضمان عضوية الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2024، كل ذلك في مقابل الاعتراف باستقلال كوسوفو.
وفي حين أنَّ هذا أمر غير مرجح إلى حدٍ كبير، في ضوء عدم وجود إفادة من أي مصدر غربي بشأن تلك الصفقة، فضلاً عن كونها ستكون مُكلّفة للغاية، كانت صربيا تتجه نحو الغرب في الآونة الأخيرة، من أجل شراء الأسلحة.
هل تكون لعبة أخرى إذن؟
تسلمت صربيا عديداً من مروحيات طراز Airbus H145M ومنظومة صواريخ دفاع جوي قصيرة المدى طراز MBDA Mistral في وقتٍ سابق من هذا العام.
ويُحتمل أنَّ صربيا، على غرار جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية سابقاً، تتطلَّع إلى اللعب على كلا الجانبين روسيا والغرب؛ في محاولة للحصول على أفضل الأسلحة لجيشها. قد يكون التدريب على منظومة S-400 مع روسيا مجرد جزء آخر من تلك اللعبة الطويلة.