في قاعة محكمة بالمملكة العربية السعودية، بدأت محاكمة الرجال المتهمين بقتل الصحفي جمال خاشقجي تحت ستارٍ السرَية، وفي معزل عن العالم منذ أن بدأت في يناير/كانون الثاني، إلا إذا كُنت قارئاً لصحيفة Sabah التركية.
في يوم الأحد 8 سبتمبر/أيلول 2019، نشرت صحيفة Sabah مقتطفات من تفاصيل المحاكمة التي لا يملكها أحد سواها، ذاكرة أسماء الرجال الخمسة الذين سيواجهون عقوبة الإعدام إذا ثبتت إدانتهم، وقدّمت تفاصيل عن شهاداتهم. وأبقى ذلك على حضور القصّة في صدارة المشهد، حتّى وإن كان ما نُشر لا يضيف كثيراً إلى ما نعرفه بالفعل، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وفي الأيام الثلاثة التي تلت ذلك، نشرت الصحيفة مزيداً من التفاصيل، وتضمّن ذلك اقتباسات جديدة قالت الصحيفة إنها مأخوذة من أشرطة صوتية سُجلت داخل القنصلية السعودية التي قُتِل فيها خاشقجي ومُزّقت أوصاله بالعاصمة التركية إسطنبول.
تكتيم سعودي على كل شيء
أما السعوديون، الذين تضررت سُمعتهم بهذه القضية، فقد حجبوا تلك المحاكمة عن مرأى الجمهور. وتُعتبر هذه ممارسة مُعتادة في السعودية، لكن في هذه القضية تحديداً، يرى كثيرون أيضاً محاولة لمنع مزيد من التدقيق -والتشكك- حين تصل السلطات إلى الاستنتاجات الرسمية.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال خاشقجي، سعت تركيا إلى إعادة القضية إلى صدارة المشهد. ومن المتوقع أن يكرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطالب إجراء تحقيق دولي في الأمر عند حضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويبدو أردوغان مصمماً على مواصلة الضغط على السعودية، والحفاظ على مكانة أخلاقية عالية تفوق منافسه الإقليمي.
وتُعرف صحيفة Sabah بأنها مقربة من السلطات التركية، ونشر في كثير من الأحيان تفاصيل جديدة مفاجئة حول قضية خاشقجي، وفي وقت لاحق، نشرت كتاباً، بشأن الاغتيال، رداً على تمسك السعوديين بالإنكار.
وأكّد مسؤولون غربيون كثيراً من تلك المعلومات لصحيفة New York Times الأمريكية ومنصّات إعلامية أخرى، ووردت كذلك في تقرير بشأن الاغتيال أصدرته أغنيس كالامارد خبيرة الأمم المتّحدة المتخصصة في وقائع القتل خارج نطاق القانون، الذي دعت فيه إلى إجراء تحقيق دولي بشأن دور المسؤولين السعوديين في عملية القتل.
ودخل خاشقجي (59 عاماً) القنصلية السعودية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي للحصول على أوراق تسمح له بالزواج. وقال مسؤولون سعوديون في وقت لاحق إن مجموعة من المسؤولين السعوديين قتلته بعد مشاجرة.
وفيما يصر المسؤولون الأتراك على أن المجموعة وصلت إلى تركيا بنية قتل خاشقجي، يزعم المسؤولون السعوديون أن خطة إرغامه على العودة إلى السعودية قد فشلت.
وذكرت الصحيفة أنه لم يُعثر على جثمان خاشقجي قطّ.
لماذا هذه المقالات الآن؟
وبحسب الصحيفة الأمريكية، يبدو أن أحدث سلسلة من مقالات صحيفة Sabah تهدف إلى تقويض شهادات من المحاكمة بدا أنها تُبرئ كبار المسؤولين المقربين من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وتُلقي باللائمة فقط على الرجال الذين نفذوا عملية القتل.
وعلى وجه الخصوص، شككت الصحيفة في الشهادة التي ورد أنها جاءت على لسان اللواء أحمد عسيري، أحد كبار المسؤولين السعوديين الخاضعين للمحاكمة، وهو مستشار رفيع المستوى لولي العهد. وأفادت Sabah بأن عسيري قال في شهادته إنه طلب من قائد العملية إقناع خاشقجي بالعودة إلى السعودية.
وكتبت الصحيفة أن "شهادة العسيري تهدف إلى طمس مسؤولية الأمير بن سلمان عن الأحداث".
وأوضحت الصحيفة أن شهادة مسؤولين آخرين في المحاكمة قد أشارت إلى أن القتل كان مع سبق الإصرار.
وقالت إن اللواء منصور أبو حسين قد اعترف بأنه كان المسؤول في العموم عن العملية، واعترف في شهادته بأن العسيري قد فوّضه لاستخدام القوة إذا لزم الأمر لإعادة خاشقجي. وقال أيضاً إنه رتب لقاء فريق العملية بالمستشار سعود القحطاني، قيصر وسائل الإعلام الاجتماعية الذي يعمل لصالح ولي العهد، قبل مغادرتهم لتنفيذ المهمة.
من حضر المحاكمة
ولم تذكر الصحيفة كيف جاءت بمعلوماتها بشأن المحاكمة. وقالت إن الجلسة الأولى، التي انعقدت في الثالث من يناير/كانون الثاني، كانت بحضور دبلوماسيين من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، فيما لم يحضرها مراقبون أو صحفيون آخرون.
وذكرت الصحيفة كذلك أن مسؤولاً أمنياً سعودياً آخر، هو ماهر عبدالعزيز مطرب، قال في شهادته إن قتل خاشقجي كان بواسطة حقنة مميتة.
ونشرت الصحيفة، يوم الإثنين 9 سبتمبر/أيلول 2019، تفاصيل محادثات مسؤولين سعوديين قبل وأثناء القتل، وقالت إن تلك التصريحات عززت الادعاءات بأن القتل كان مع سبق الإصرار والترصّد. وكانت الاقتباسات مأخوذة من نسخ أشرطة صوتية قالت تقارير إعلامية إن أجهزة التنصّت داخل القنصلية قد سجّلتها.
جدير بالذكر أن صحيفة The New York Times قالت إنه قد تعذر الوصول إلى المسؤولين الأتراك لتأكيد أو نفي التفاصيل التي نشرتها Sabah.