رغم الضجة والتحقيقات التي أجريت بشأن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، والتي أوصلت دونالد ترامب للبيت الأبيض، يخيم على أجواء الانتخابات الرئاسية نفس الخطر ولكن بصورة أكبر وبقائمة متهمين تزداد كثافة، فما هي القصة وكيف يمكن التصدي لها؟
موقع ناشيونال انترست الأمريكي نشر تقريرا مفصلاً عن الموضوع تحت عنوان: "كيف يمكن أن يُؤثِّر التضليل الإعلامي على انتخابات 2020″، ألقى الضوء على جميع جوانبه ومن مصادر متعددة.
فيسبوك وتويتر ويوتيوب
في عام 2016، استُخدِمَت تطبيقات فيسبوك وتويتر ويوتيوب لغرس الانقسامات بين الناخبين الأمريكيين وتعزيز حملة دونالد ترامب الرئاسية.
ويُسمى ما فعله الروس لتحقيق ذلك "تضليلاً إعلامياً"، وهو نشر محتوى كاذب أو مُضلل بنية الاحتيال أو بث الفرقة، والآن، قبل خمسة أشهر على أول انتخابٍ رئاسي مبدأي، ينبغي أن يكون الشعب واعياً لمصادر التضليل الإلكتروني وأنواعه، التي يُرجَّح استخدامها في انتخابات 2020.
أولاً، سيعود الروس، لا تطمئن إلى التواجد الذي لا يكاد يُذكر لوكالة أبحاث الإنترنت الروسية خلال الانتخابات النصفية في العام الماضي، إذ ربما كانت الوكالة تحتفظ بقوتها ترقباً للسباق الرئاسي عام 2020. ومما ساعد في ذلك أنَّ القيادة الإلكترونية الأمريكية، وهي ذراعٌ عسكري، حجبت الإنترنت -كما قيل- عن الوكالة لبضعة أيام قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
روسيا ستعاود الكرة
لكن إيقاف وكالة أبحاث الإنترنت الروسية مؤقتاً لن يكون كافياً لإيقاف تدفُّق المحتوى الضار. إذ أخبرني لي فوستر، الذي يقود الفريق المختص بالتضليل الإعلامي في شركة الأمن الإلكترونية FireEye، خلال حوارٍ معه أنَّ الوكالة مجرد "جزءٍ من إجمالي العمليات الروسية"، التي تشمل أيضاً وكالة المخابرات الحربية وربما بعض المؤسسات الأخرى، وأضاف فوستر أنَّه على مدار الزمن "تُعيد كل هذه الجهات صياغة مناهجها وأساليبها" .

إلَّا أنَّ هناك جهات ينبغي الخوف منها أكثر من روسيا، إذ كتبتُ تقريراً جديداً عن التضليل الإعلامي وانتخابات 2020، نشره مركز Stern Center for Business and Human Rights في جامعة نيويورك، وفي التقرير، تنبأتُ بأنَّ الروس لن يكونوا وحدهم في نشر المعلومات المُضللة عام 2020. وستكون الجهة الأكثر احتمالاً أن تُقلِّدهم هي إيران، خاصةً إذا استمرت العداوة بين طهران وواشنطن في الازدياد.
التضليل الإعلامي ليس روسياً فقط
في شهر مايو/أيار، وبنصيحةٍ من شركة FireEye، أغلق تطبيق فيسبوك ما يصل إلى 100 حساب وصفحات ومجموعات متصلة بإيران. واستخدمت الشبكة الإيرانية هويات أمريكية مزيفة لدعم الآراء السياسية المحافظة والليبرالية على حدٍّ سواء، بينما في الوقت نفسه تُروِّج إلى مسائل خلافية للغاية مناهضة للسعودية وإسرائيل، وداعمة للفلسطينيين.
وقال مارك وارنر، الرئيس المشارك للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ: "الإيرانيون يمارسون الآن ألاعيب الكرملين" .

وبينما هيمن موضوع التدخل الأجنبي في الانتخابات على النقاشات المتعلقة بالتضليل الإعلامي، إلَّا أنَّ الجزء الأكبر من المحتوى الكاذب عمداً الذي يستهدف الشبكات الاجتماعية في الولايات المتحدة، يأتى من مصادر محلية.
ومن ناحيتي، أعتقدُ أنَّ هذا سيكون هو الوضع في انتخابات 2020، إذ عادةً ما يستخدم الرئيس ترامب تطبيق تويتر من أجل نشر نظريات المؤامرة، وتصوير خصومه على أنَّهم فاسدون. ومن بين المزاعم التي يُروِّج لها أنَّ تطبيقات فيسبوك، وتويتر، وجوجل تتآمر مع الديمقراطيين من أجل تقويض حكمه، ونشر تغريدةً على تويتر، قدَّم فيها مؤتمر قمة يمينياً خاصاً بالشبكات الاجتماعية في البيت الأبيض، في يوليو/تموز، وكتب فيها عن "التضليل الهائل، والتحيز، والتمييز، والقمع، الذي تمارسه شركاتٌ بعينها" .
وشارك مؤيدو الديمقراطيين أيضاً في التضليل الإعلامي. إذ في ديسمبر/كانون الأول 2017، قامت مجموعةٌ من النشطاء الليبراليين بعمل صفحات مزيفة على فيسبوك، لتضليل الناخبين المحافظين في سباق خاص لمجلس الشيوخ بألاباما. وقال لي مات أوسبرن، الذي أقر بتورُّطه في مؤامرة ألاباما، إنَّه في عام 2020 "سوف تشهد الحملات الرقمية تحرُّكاً نحو الإنفاق من مصادر سرية، في الأيام الأخيرة للسباق" . وهو يشير إلى احتمالية وجود محاولات لإثناء الجمهوريين عن الانتخاب من خلال "صورةٍ لموجةٍ حمراء عليها ذلك التصريح المنتصر الذي يميزهم، مع إحساس بالنصر المحتوم: لا داعي للانتخاب. الأمر محسومٌ لصالح ترامب" .
نشر مقاطع فيديو مزيفة
ومما يُرجَّح أن يظهر أيضاً في العام المُقبل: فيديوهات "التزييف العميق Deepfake" . إذ تستطيع هذه التقنية أن تُنتج صوراً ومقاطع فيديو شديدة الإقناع؛ ومزيفة في الوقت نفسه. وفي خطابٍ أخير أُرسله آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات فيسبوك وجوجل وتويتر؛ كتب: "الفيديو" عميق التزييف" المُقنع الذي يُنشر في وقته" وينتشر على أي منصة، "يمكن أن يخترق السباق الانتخابي، بل ويُغيِّر مجرى التاريخ… يمكن أن تكون عواقب ذلك وخيمة على ديمقراطيتنا".
وفي هذا، يمكن لتطبيق إنستغرام أن يكون أداةً لنشر الفيديوهات "عميقة التزييف". إذ أدَّت منصة الصور ومقاطع الفيديو، التي تملكها شركة فيسبوك، دوراً يفوق ما يتخيله غالبية الناس في تلاعب روسيا بالانتخابات عام 2016. ويمكن أن يتم استغلالها مرةً أخرى في انتخابات 2020. ومن جانبها، استمتعت وكالة أبحاث الانترنت الروسية بقدرٍ أكبر من مشاركة المستخدمين في إنستغرام مقارنةً بأيّ تطبيقٍ آخر، وفقاً لما ورد في تقرير ديسمبر/كانون الأول 2018، الذي أمرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بإعداده. وورد في التقرير: "سيكون تطبيق إنستغرام على الأرجح ساحة معركةٍ رئيسية بصفةٍ مستمرة" .
إمكانية تدخل الشركات
تستجيب شركات الشبكات الاجتماعية إلى مشكلة التضليل الإعلامي هذه من خلال تحسين مرشحات الذكاء الصناعي الخاصة بها، وتشغيل آلاف الموظفين الإضافيين المُتفرغين لمسائل الأمن والسلامة. إذ قال ديبيان غوش، المدير المساعد لمشروع تطبيق المساءلة في المنصات بكلية كينيدي في جامعة هارفارد: "صارت الشركات أكثر براعةً في تعقُّب الحسابات المزيفة وحذفها" .
لكن الشركات لا تحذف المحتوى الذي يُنشر على هذه الحسابات وتعتبره كاذباً بالكامل؛ بل تُقلِّل فقط ظهوره للمستخدمين، وأحياناً ما تنشر رسالة تُنوِّه إلى زيفه.
وفي رأيي، فإنَّ المواد التي يثبت زيفها ينبغي إزالتها من الأخبار والتوصيات، مع إبقاء نسخةٍ منها معزولةً في أرشيف، وإتاحتها للأغراض البحثية أمام الباحثين والصحفيين وغيرهم.
وهناك مشكلةٌ أخرى حالياً، وهي أنَّ مسؤولية القرارات بنشر المحتوى تبدو مبعثرةً بين الفرق المختلفة داخل كل شركةٍ للشبكات الاجتماعية. ويُوصي تقريرنا بأنَّه من أجل التنسيق وإضافة طابعٍ مركزي، ينبغي أن تُعيِّن كل شركة مسؤولاً كبيراً يخضع للرئيس التنفيذي، ويكون مسؤولاً عن الإشراف على مكافحة التضليل الإعلامي. ويُمكن لهؤلاء المسؤولين أن يحشدوا الموارد بسهولةٍ أكبر داخل كل شركة، إلى جانب تنسيق الجهود بين شركات الشبكات الاجتماعية بفاعليةٍ أكبر.
وأخيراً، يُمكن أن تتعاون المنصات أيضاً أكثر مما تفعل الآن، من أجل القضاء على التضليل الإعلامي. وقد اشتركت مع بعضها البعض بفاعليةٍ لاستئصال عرض الأطفال في المواد الإباحية، والتحريض الإرهابي. وأرى أنَّهم الآن يتشاركون مسؤولية تخليص الانتخابات القادمة من أكبر قدرٍ ممكن من التضليل. إذ إنَّ الناخبين الذين تم إطعامهم الأكاذيب عن المرشحين وعن القضايا العامة، لا يمكنهم اتخاذ قرارات رشيدة، بل ستكون الأصوات مبنيةً على الأكاذيب. وهذا يعني أنَّ مستقبل الديمقراطية في أمريكا -إبان انتخابات 2020 وما بعدها- يعتمد على التعامل بفاعليةٍ مع المعلومات الكاذبة.