المنطقة الآمنة في شمال سوريا ترى النور.. لكن ما تريده تركيا ليس ما تفعله واشنطن

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/09 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/09 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
قوات أمريكية وتركية تدخل شمال شرق سوريا - رويترز

صحيح أن الدوريات المشتركة بين قوات تركية وأمريكية بدأت عملها بالفعل في إقامة "منطقة آمنة" على الحدود التركية السورية، إلا أن الخلافات في أهداف واشنطن وأنقرة من تلك المنطقة لا تزال محل نقاش، فما تلك الخلافات، وما خلفياتها؟

أين تقع المنطقة الآمنة؟

المنطقة الآمنة تقع شمال سوريا على الحدود الجنوبية لتركيا، وهذه المنطقة في الجانب السوري تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي تتشكل بالأساس من قوات حماية الشعب الكردية، والتي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية بينما تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية حليفاً رئيسياً للتحالف الدولي الذي حارب تنظيم داعش الإرهابي.

ماذا تريد أنقرة من إقامتها؟

تريد أنقرة إبعاد القوات الكردية عن حدودها، كما تريد خلق وضع أمني مستقر يسمح بعودة اللاجئين السوريين الذين تم تهجيرهم من قراهم العربية في تلك المنطقة والذين يخشون العودة خوفاً من انتقام قوات الشعب الكردية منهم.

لذلك تريد أنقرة وجود منطقة آمنة بطول الحدود وبعمق لا يقل عن 35 كيلومتراً، ودخلت في مفاوضات مكثفة مع واشنطن منذ الإعلان عن هزيمة داعش أواخر العام الماضي لتحقيق مطالبها ومعالجة هواجسها الأمنية.

ما أهداف واشنطن؟

واشنطن تعتبر القوات الكردية في المنطقة حليفاً رئيسياً لها، ولا تريد أن تخسرها خوفاً من انضمامهم للتحالف الروسي الإيراني الداعم للنظام السوري. وفي نفس الوقت تود واشنطن أن تسحب قواتها من المنطقة كما وعد الرئيس دونالد ترامب.

لكن سحب القوات الأمريكية دون التوصل لاتفاق مع أنقرة حول الترتيبات الأمنية في منطقة شمال الفرات يعني إمكانية اندلاع مواجهات بين القوات التركية والكردية، وهو ما قد يؤدي في النهاية لاستغلال بقايا داعش الموقف والعودة بصورة أو أخرى للمنطقة، الأمر الذي يعد ضربة قاتلة لترامب وإدارته.

أبرز الأمور الخلافية

من هذا المنطلق انعقدت جولات من المفاوضات بين واشنطن وأنقرة امتدت لأشهر طويلة، وكانت أبرز نقاط الخلاف تتعلق بعمق المنطقة الآمنة وأيضاً بقيادة القوات التي ستتولى القيام بالدوريات الأمنية في المنطقة، فتركيا تريد العمق 35 كيلومتراً على الأقل، بينما واشنطن (أو بالأحرى قوات الشعب الكردية) لا تريدها أكثر من خمسة كيلومترات.

وتريد تركيا أن تكون قيادة القوات مشتركة بينها وبين واشنطن، بينما تريد واشنطن إما الانفراد بالقيادة أو إشراك قوات الشعب الكردية وهو بالقطع غير مقبول من أنقرة.

نفاد صبر أنقرة

مع مرور الوقت دون التوصل لاتفاق، بدأت أنقرة تعلن أن صبرها أوشك على النفاد، وأن واشنطن تماطل ولا تريد التوصل لاتفاق بشكل جاد، وعبّر عن ذلك وزير الخارجية تشاووش أوغلو أواخر يوليو/تموز الماضي عندما قال إن بلاده "نفد صبرها" وإن المقترحات الأمريكية لا تلبي الحد الأدنى من المطالب التركية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان / رويترز

المعنى نفسه أكد عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً بقوله: "نتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة لكننا نرى في كل خطوة أن ما نريده وما يفكرون فيه ليس هو نفس الشيء". وأضاف: "يبدو أن حليفنا يبحث عن منطقة آمنة للمنظمة الإرهابية وليس لنا. نرفض مثل هذا الموقف".

ماذا حدث الآن إذاً؟

أمس الأحد 8 سبتمبر/أيلول، عبرت مركبات عسكرية تركية مسلحة الحدود إلى سوريا لبدء دوريات مشتركة مع قوات أمريكية بهدف إقامة "المنطقة الآمنة".

وانضمت مركبات ترفع العلم التركي إلى أخرى في سوريا ترفع العلم الأمريكي على بعد نحو 15 كيلومتراً إلى الشرق من بلدة أقجة قلعة الحدودية التركية بالقرب من تل أبيض في سوريا، كما شوهدت طائرتا هليكوبتر عسكريتان تحلقان فوق المنطقة لعدة ساعات قبل عودتها إلى تركيا.

بدء تسيير الدوريات المشتركة

بدء تسيير الدوريات البرية لا يعني أن الخلافات قد زالت، حيث لا تزال التساؤلات الشائكة حول مساحة المنطقة الآمنة والإشراف عليها قائمة، ورغم إقامة مركز للعمليات المشتركة في تركيا، لم يتم الاتفاق حتى الآن على عمق المنطقة الآمنة ولا على هيكل القيادة للقوات التي ستعمل هناك.

من جانبها، قالت قوة المهام المشتركة الأمريكية إن الدوريات المشتركة "تظهر التزامنا المستمر بالعمل على تبديد المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا لكنها تسمح في الوقت ذاته للتحالف وشركائنا من قوات سوريا الديمقراطية بمواصلة التركيز على تحقيق هدف دحر (الدولة الإسلامية) نهائياً".

ما موقف النظام السوري؟

الحكومة السورية اعتبرت أن خطوة تسيير الدوريات "انتهاك لسيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية"، مشيرة إلى ما تعتبره محاولات تقوم بها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة لتقسيم سوريا، وهو ما تنفيه هذه الجماعة.

وفرّ الكثير من سكان المنطقة، التي يغلب على سكانها العرب، ومن المتوقع أن تقام فيها المنطقة الآمنة وتشمل تل أبيض ورأس العين وقرى عربية أخرى، إلى تركيا خشية انتقام وحدات حماية الشعب الكردية منهم بناءً على اتهامات بأنهم على صلة بالدولة الإسلامية.

ويتهم قادة عشائر وجماعات حقوقية الفصائل الكردية بمنع كثيرين من العرب من العودة إلى منازلهم التي تعرّض بعضها للمصادرة والدمار، وتنفي وحدات حماية الشعب ذلك بشدة أيضاً، بحسب تقرير لرويترز.

وقال الشيخ مضر الأسعد، وهو أحد الشخصيات العشائرية المعارضة لوجود الفصائل الكردية ويعيش في تركيا، إنه يتوقع أن يعود عشرات الآلاف من العرب النازحين إلى منازلهم بمجرد إقامة المنطقة الآمنة.

وأضاف: "مجرد وجود القوات التركية يرفع الآمال بعودة عشرات الآلاف من العرب الذين هُجّروا قسرياً من قراهم وبلداتهم".

تحميل المزيد