قد لا تبدو نجمة إنستغرام "آجي لال"، الشقراء والمسمرة من الشمس والتي عادةً ما تأخذ وضعيات التصوير في ملابس السباحة، الشخص المثالي للترويج لفضائل المملكة العربية السعودية. لكنها في هذا الربيع شاركت رحلتها مع ما يزيد عن 800 ألف متابع على تطبيق إنستغرام بينما تكتشف الأطلال السعودية القديمة وتمرح في الصحراء.
بالنسبة لآجي، كانت فرصة نادرة للسياحة في هذه البلد على خلاف أي مكان آخر، مع دفع مصروفاتها بالكامل. كانت هذه ميزة تشاركتها مع عدد آخر من الشخصيات المؤثرة -كما يُطلق عليهم- والذين يكسبون لقمة عيشهم من متابعيهم على شبكات التواصل الاجتماعي. أما بالنسبة للمملكة الإسلامية، كان توقيت هذه الرحلة ملائماً وكانت بمثابة دعاية مفيدة للدولة التي عانت للمحافظة على أصدقائها بعد الاحتجاجات الدولية جراء جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي.
دعاية من نوع خاص
كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحاول قبل مقتل خاشقجي فتح السعودية على العالم. والآن، ومن أجل المساعدة في نشر حس أكثر إيجابية، بينما يحاول هو وبلاده الخروج من هذه الانتقادات العالمية، فقد رحبت المملكة بقدوم شخصيات مؤثرة مثل آجي، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
كانت زيارتها التي استمرت 10 أيام، من ترتيب برنامج Gateway KSA، وهو برنامج بدأ بعرض الجولات السياحية منذ عامين، وتمولها خدمات الرعاية المُقدمة من الشركات السعودية. ويستضيفه الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة سابقاً، وقضى بعدها وقتاً قصيراً سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة، وذلك عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية.
خفف الأمير محمد القيود الاجتماعية ودعا إلى فعاليات منها حفلة للدي جي الفرنسي ديفيد غيتا، في مهرجان لسباق السيارات حضره أيضاً بعض الشخصيات المؤثرة. أما القادم فهو مفاجأة من العيار الثقيل. إذ تنوي المملكة إصدار تأشيرات سياحية للمرة الأولى في وقت لاحق من هذا الشهر.
حرب مدمّرة وحملات قمعية ضد المعارضين في الوقت ذاته
لكن ولي العهد، وهو الحاكم الفعلي في المملكة، شن أيضاً حملات قمعية على معارضيه، وصعّد حدة الحرب في اليمن، وأكد على سمعة البلد، التي ظلت خافتة منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول، كونها شريك ثابت للحلفاء الغربيين.
قال الأمير تركي عن ضيوف Gateway KSA "ما نريه لهؤلاء الشباب هو أن هناك جانباً آخر يختلف عن الرواية التي نسمعها عن السعودية من الصحافة"، وأضاف "لدينا الكثير مما يمكن القيام به في المملكة للتأثير في آراء الآخرين".
ويقول بن فريمان، مدير مبادرة الشفافية في التأثير الأجنبي؛ التي تتبع محاولات كسب التأييد في مركز السياسة الدولية في واشنطن العاصمة، عن مجهودات البرنامج إنها "تُبين أن السعوديين يتطلعون إلى ما هو أبعد من مجرد حشد التأييد ومؤسسات العلاقات العامة من أجل أن تحظى بسلطة في الغرب".
وبعد أن تعطلت مجهودات المملكة في إعادة تجديد صورتها بعد مقتل خاشقجي، يقول فريمان، "يبدو منطقياً تماماً أن يحاولوا سلك طرق أخرى من وسائل التأثير كهذه".
أُدين الأمير بن سلمان في الخارج من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقب قيام عملائه في القنصلية السعودية في إسطنبول بقتل خاشقجي وإخفاء جثته. وقد أنكرت الحكومة السعودية بقوة أداءه أي دور فيما حدث. ويقول فريمان إنه منذ الحادثة، عُلمت شركات العلاقات العامة التي تمثل السعودية في واشنطن "بحرف قرمزي". وقطع المسؤولون التنفيذيون الأجانب، الذين كانوا في وقت ما ودودين مع الأمير، صلاتهم به أو ألغوا زياراتهم، على الرغم من أن الكثير منهم الآن يتبعون المصرفيين عائدين إلى البلاد.
الجانب "الأنعم" من السعودية
لم يكن في الإمكان تصور برنامج مثل Gateway KSA في السعودية منذ 5 أعوام، عندما كانت الشرطة الدينية تطوف الشوارع وتصرخ في النساء ليستترن. لكن المملكة الآن تتوق لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار جانبها الأنعم.
في الواقع، كانت أبعاد ما يطمح برنامج Gateway لفعله (وما سُمح به له) للشخصيات المؤثرة، أخاذة بالمقاييس السعودية. إذ في بلد يمكن فيها القبض على شريكين غير متزوجين، قامت واحدة من زواره هذا العام، وهي متنافسة سابقة في برنامج تلفزيون الواقع The Bachelor، بإحضار صديقها، حيث جلسا معاً في ظلمة الليل تحت النجوم. وقد اتخذت آجي مع رجل عاري الصدر (ووجهه غير ظاهر) وضعية تصوير في الصحراء ممسكين سيفاً.
كيف بدأت فكرة Gateway KSA؟
خرج برنامج Gateway KSA إلى النور بعد أن قامت الشخصية المؤثرة نيليك فان زاندفورت كيسبيل، الهولندية الأسترالية بزيارة المملكة في رحلة عمل. وقد رأت فرصة لإظهار جانبٍ آخر للبلد وعرضت هذه الفكرة على الأمير تركي عندما تقابلا في فعالية في جامعة جورجتاون. وقد زارت أول بعثة للبرنامج السعودية في عام 2008، وهي مجموعة من طلبة جامعة هارفارد.
زار المملكة أكثر من 200 شخص من خلال البرنامج حتى هذه اللحظة، وقد انقسم الزوار إلى نوعين: الطلبة الجامعيون والشخصيات المؤثرة. وكانت تكاليف زيارتهم مدفوعة، مع عدم تلقيهم أي أجر على هذه الزيارات.
لا تربط برنامج Gateway KSA علاقة مباشرة مع الحكومة، على الرغم من وجود شركات راعية خاضعة للدولة مثل شركة تيليكوم Telecom، والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، وشركة الخطوط الجوية السعودية. تقول كيسبيل "ليس الأمر أنني أدعم السعودية بالتحديد أو أن لدي أجندة سياسية"، وتضيف "أعتقد أن الطريقة التي نُظهر بها البلاد هي طريقة بارعة وعادلة تماماً".
"الصحافة سيئة مع السعودية"
تتلاءم هذه الرؤية تماماً مع استراتيجية الحكومة لإصلاح صورة السعودية. وينصب تركيز الحكومة على توسيع القوة الناعمة للمملكة لمواجهة خصومها أمثال تركيا. وقد قام المسؤولون بالتودد إلى الفنانين السعوديين أو بالضغط عليهم للحصول على مساعدتهم، كما ضخت ملايين الدولارات من أجل حشد تأييد السياسيين وإقامة حفلات موسيقى البوب. وفي هذا تؤدي الشخصيات المؤثرة دوراً هاماً في نشر الرسالة.
وبينما هاجم آجي بعض متابعيها لنشرها "صوراً دعائية"، اقتنع الكثير من المتابعين، الذين قالوا إنهم لا يستطيعون الانتظار لزيارة السعودية. وقد نشرت آجي صوراً ومقاطع فيديو لرحلتها، منها ما يوضح كيف خالفت بعض القواعد المتعلقة بالفصل بين الجنسين، عندما دخلت بالخطأ إلى جانب الرجال في مقهى ستاربكس. وتذكرت آجي التطرق لموضوع اغتيال خاشقجي مع السعوديين الذين قابلتهم. وحسبما قالت، فقد أخبروها أنهم ليسوا فخورين بما فعلته حكومتهم.
قالت آجي متحدثة من خلال هاتفها في الشهر الماضي أثناء جولتها في أوروبا: "أعتقد أن أي شخص من أي بلد في العالم يمكن أن يفهم هذا التصريح"، وأضافت: "من الواضح أنه ليس رأياً منتشراً. يريدني الناس أن أتحدث بسوء عن السعودية. نحن نعيش في أمريكا، والأسهل هو أن تشوه سمعة الدول الأخرى كي تشعر أنه لا ينقصك شيء لتتعلمه".
ويقول الأمير تركي إن الصحافة السيئة ليست جديدة على السعودية، لكن زوار برنامج Gateway KSA لهم الحرية في قول أي شيء يريدونه عن الرحلة. ويقول: "إنها ليست عملاً دعائياً. بل مجرد مشاركة إنسانية".