ظلَّ محمد دحلان، المسؤول الأمني الفلسطيني السابق المثير للجدل واللاعب السياسي الذي يقيم في أبوظبي، متربصاً عدة سنوات في الساحة الخلفية للسياسة الفلسطينية يتحيَّن الفرصة المناسبة للظهور مرةً أخرى. والآن، يمكنه أن يصبح المسؤول الأبرز عن تمهيد الطريق أمام "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي لاقت العديد من الانتقادات.
منحة "صفقة القرن"
إذ أدان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة الصفقة المقترحة، التي لم تُنشَر حتى الآن، وقاطعا مؤتمراً نظَّمه جاريد كوشنر، صهر ترامب الذي يدير المفاوضات بتكليفٍ منه، في البحرين في يونيو/حزيران الماضي يُركِّز على الجوانب الاقتصادية للصفقة المقترحة.
وجاءت المقاطعة الفلسطينية بعدما رفض عباس توسُّط الولايات المتحدة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بعدما اعترفت إدارة ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقطعت التمويل عن منظماتٍ تعمل في فلسطين، وأغلقت مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وجديرٌ بالذكر أنَّ ترامب اعترف كذلك بأنَّ هضبة الجولان السورية المحتلة جزء من إسرائيل.
وكشف كوشنر في مؤتمر البحرين، الذي حضره مسؤولون حكوميون ورجال أعمال من الخليج والولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، عن خطة استثمار بقيمة 50 مليار دولار أمريكي، منها 28 مليار دولار أمريكي ستُخصَّص لخلق فرص عمل للفلسطينيين وخفض معدل الفقر في البلاد.
ومن جهتها، قالت إدارة ترامب إنَّها لن تعلن التفاصيل السياسية لخطة السلام المقترحة إلَّا بعد الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 17 سبتمبر/أيلول الجاري حتى لا تُمثِّل مشكلةً في السباق الانتخابي الذي يبدو محتدماً بين حزب الليكود اليميني برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس القائد الأسبق للجيش الإسرائيلي.
دحلان يؤدي دوراً مهماً في صفقة كوشنر
وفي السياق نفسه، يسعى الأمير السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد سراً إلى دعم "جهود السلام" التي قال كوشنر إنَّها ستختلف عن خطة السلام العربية التي طُرحت عام 2002 في أنَّها لن تدعو إلى حلِّ الدولتين.
يقول جيمس دورسي، الصحفي المخضرم والباحث في كلية الدراسات الدولية بجامعة راجارتنام في سنغافورة، في مقالة نشرها بموقع Lobelog الأمريكي، إلى أنَّ دحلان، الذي يُعتقد أنَّه مقرب إلى الأمير محمد في الإمارات وكذلك وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، يؤدي دوراً مهماً في هذه المساعي، لا سيما في الجهود الإماراتية الساعية إلى إضعاف حركة حماس.
بدأ دحلان منفاه في الإمارات عام 2007 بعدما أحبطت حماس جهوده المدعومة من الولايات المتحدة لإنهاء سيطرة الحركة على قطاع غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية بأغلبية ساحقة. ووصف جورج بوش الابن، الرئيس الأمريكي آنذاك، دحلان بأنَّه "ولدنا".
ومنذ ذلك الحين، توجِّه السلطة الفلسطينية برئاسة عباس اتهاماتٍ بالفساد إلى دحلان. ويُقال إنَّ أحدث ما يُفكِّر فيه هو تشكيل حزبٍ جديد لم يكن محل ترحيب كبير لفترة طويلة، وهي خطوة ستحظى بدعمٍ من الإمارات ومصر، لكنَّها قد تُحدِث انقساماً بين أنصاره في غزة.
إذ يُذكَر أنَّ بعض أنصار دحلان في تيار الإصلاح الديمقراطي، الذي ما زال جزءاً من حركة فتح التي يتزعمها عباس، قالوا سابقاً إنَّ تشكيل أي حزب جديد سيؤدي إلى تفاقم تشرذم المشهد السياسي الفلسطيني.
ويبدو أنَّ الدافع وراء عودة الحديث عن هذا الحزب هو تسهيل إسرائيل لدخول مئات الملايين من الدولارات التي أرسلتها قطر إلى قطاع غزة لدعم خدمات الصحة والتعليم وإعادة الإعمار هناك، كما يقول دورسي.
جديرٌ بالذكر أنَّ قطر، التي لديها علاقات وثيقة مع عدة حركات إسلامية، لطالما دعمت حركة حماس، في حين أنَّ معارضة الأمير محمد بن زايد القوية لأي تمثيل للإسلام السياسي حرَّضت الإمارات على الحركة.
وتعد وجهتا نظر الدولتين، قطر والإمارات، المتعارضتين تماماً تجاه الإسلام السياسي من الأسباب الرئيسية وراء الشقاق الحالي في الخليج، حيث تقود الإمارات إلى جانب المملكة العربية السعودية حملة مقاطعة دبلوماسية واقتصادية ضد قطر منذ أكثر من عامين.
تحرك سياسي منتظر لدحلان
وتأتي عودة الحديث عن الحزب الجديد عقب محاولةٍ فاشلة عام 2017 للتفاوض حول عودة دحلان إلى غزة في محادثاتٍ جرت بين حماس، وبعض ممثلي المخابرات المصرية، ودحلان نفسه.
وكانت نتائج الاتفاق، الذي لم يحظ بالموافقة، ستتضمَّن تقاسم السلطة في غزة بين حماس دحلان في مقابل تخفيف القيود الاقتصادية الإسرائيلية المصرية على القطاع الفقير في وقتٍ كان عباس يرفض فيه دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في غزة، وكانت إسرائيل تُقلِّل إمدادات الكهرباء إلى القطاع سعياً لإخضاع حماس.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الحديث عن سعي دحلان إلى الإقدام على تحرُّكٍ سياسي يأتي وسط جهودٍ مستمرة أكبر تبذلها الإمارات والسعودية لتسهيل صفقة القرن الأمريكية، على الرغم من إصرار الدولتين الرسمي على أنَّ القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة، والتصدي للتحركات التي تتخذها قطر، وحليفتها تركيا، في فلسطين.
إذ تسعى السعودية والإمارات إلى إضعاف الجهود التركية لاستغلال معارضة اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل من أجل تعزيز ادِّعائها بأنَّها قائدة العالم الإسلامي، وإضعاف دور الأردن في الوصاية على المسجد الأقصى.
دحلان يستكمل الأجندة السعودية الإماراتية حول فلسطين
وعلى صعيدٍ آخر، أكَّد كمال خطيب، القيادي الإسلامي في الداخل الفلسطيني، في حديثه في وقتٍ سابق من العام الجاري إلى مواقع إعلامية، أنَّ دحلان حاول الاستعانة برجال أعمال فلسطينيين للحصول على عقارات مجاورة للحرم القدسي الشريف، والمعروف لدى الإسرائيليين باسم جبل المعبد، حيث كان يضم معبدين يهوديين في الماضي.
وفي ظل أنَّ نصف سكان الأردن تقريباً من أصولٍ فلسطينية، اتبعت البلاد نهجاً حذراً متوازناً لإمساك العصا من المنتصف بين رفض نهج إدارة ترامب في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية وعلاقاتها المعقدة مع الإمارات والسعودية.
وعلى عكس الأردن، فالإمارات والسعودية ليستا مقيدتين بالفلسطينيين بين سكانهما، لكنَّهما بحاجةٍ إلى توخي الحذر في دعم مبادرةٍ يعتقد كثيرون أنَّها تهدف إلى حرمان الفلسطينيين من حق الدولة المستقلة.
وهنا يُمكن القول إنَّ عودة دحلان الرسمية إلى السياسة الفلسطينية يمكن أن تساعد في حل المعضلة الإماراتية والسعودية التي تتفاقم بسبب القلق من أنَّ ممارسة ضغط أكبر من اللازم على عباس للتراجع عن موقفه الرافض للوساطة الأمريكية يمكن أن تقوي شوكة حماس.
إذ قال أحد المسؤولين الخليجيين: "نحاول تحقيق توازن دقيق. ومفتاح النجاح في ذلك هو تقوية المعتدلين، وليس المتطرفين"، وهي الكلمة الرسمية التي توصف بها الإمارات حماس والإسلاميين.