"السعوديون أطلقوا النار علي" كان سالم واحداً من بين مئات رجال القبائل اليمنيين الذين تصادموا على مدار العام الماضي مع القوات السعودية وأتباعها في منطقة المهرة بجنوب شرق اليمن.
كانت الرصاصة قد أحدثت ثقباً في منطقة توازي ارتفاع الكليتين داخل الجسم في الجانب الذي يجلس فيه السائق بالشاحنة الصغيرة. واخترقت رصاصتان أخريان أعلى النافذة.
لكن لسببٍ ما، كان كل ما لحق بسالم بلحاف، وهو جندي يمني متقاعد من شرقي البلاد، من جرَّاء معركة تبادل النيران هذه هو جرحٌ قطعي بالكتف.
ويُخفِّف سالم الألم بملئ فمه بالقات، حسبما وصف مراسل صحيفة The Independent البريطانية.
يقاومون احتلال بلادهم التي كانت سلطنة مستقلة
يقول سالم، وهو يبصق النخاعة في علبة بلاستيكية وردية اللون: "فتحوا النيران عند نقطة تفتيش مؤقتة أقاموها على الطريق الرئيسي".
وأضاف بابتسامة عريضة: "كان السعوديون وقواتهم يرمون لعمل شيءٍ ما الليلة الماضية".
ويُعَد سالم واحداً من بين مئات رجال القبائل اليمنيين الذين تصادموا على مدار العام الماضي مع القوات السعودية وأتباعها في المهرة، وهي محافظة تفخر باستقلاليتها وثقافتها ولغتها الفريدة، لكنَّها باتت الآن تُمثِّل خط المواجهة لحرب وكالة جديدة غير خفية.
إذ نظَّم الرجال والنساء احتجاجات منتظمة ضد ما يعتبرونه "احتلالاً" لأراضيهم من جانب الرياض، التي تقود تحالفاً عسكرياً لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في شطرٍ آخر من البلاد.
تُعَد المهرة، وهي أقصى محافظة يمنية شرقي البلاد، منعزلة بفعل الوديان الواسعة والطبيعة التي تشبه سطح القمر، وقد تجنَّبت أهوال سنوات الحرب الخمس التي أشعلها الحوثيون بعد إطاحتهم بالحكومة اليمنية المُعتَرَف بها.
وكان حضور المجموعات المتطرفة مثل تنظيمي الدولة الإسلامية "داعش" والقاعدة بها ضعيفاً كذلك حتى وقتٍ قريب.
كانت المهرة حتى عام 1967 سلطنةً يبلغ عمرها 450 عاماً وتضم أرخبيل سقطرى، الذي تعتبره منظمة اليونسكو موقعاً للتراث العالمي، وتحرَّكت باستقلالية إلى حدٍ كبير.
لكن بعد فترة من تحولها إلى محمية بريطانية في الستينيات، أصبحت جزءاً من اليمن الجنوبي المنفصل، قبل توحيده مع الشمال عام 1990.
حافظت القبائل المهرية، التي تتحدث لغتها المميزة، على إحساسٍ قوي بالاستقلالية وتجنَّبت إلى حدٍ كبير الحرب اليمنية التي اندلعت عام 2015، باستثناء استضافة الأسر المُشرَّدة.
وهاهي الرياض تعزل محافظ المهرة وتعين بديلاً له
لكن منذ أواخر 2017، وجدت المنطقة المنسيّة غالباً نفسها متورطة في أحدث حروب الوكالة بين الدول الخليجية في اليمن.
فوفقاً للباحثين اليمنيين، بدأ السعوديون نقل ما يصل إلى 1500 جندي إلى المنطقة وتدريب قوات محلية لوقف تهريب الأسلحة المستشري عبر الحدود التي يسهل اختراقها مع سلطنة عُمان.
وبعد أيام فقط من وصول القوات السعودية، استُبدِل محافظ المهرة محمد بن كدة، الذي حاول المقاومة، بالمرشح الذي اختارته السعودية راجح باكريت، وهو شخصية كانت قد قضت فترة صغيرة نسبياً في المهرة وهبط في يناير/كانون الثاني 2018 قادماً على متن طائرة سعودية.
واتهامات للسعوديين بالاستيلاء على أراضيهم
سيطرت الرياض على مطار المهرة المدني وحولته إلى مقرٍ عسكري، رغم تعهُّدها في البداية بعدم الإقدام على كذلك.
وأقام السعوديون كذلك 5 قواعد رئيسية أخرى، لا يزال بعضها قيد الإنشاء، ووفقاً للسكان المحليين، أقاموا 20 نقطةً أصغر، الأمر الذي أثار القلق والغضب بين المهريين الذين اتهموا السعوديين بالاستيلاء على الأرض.
دافعت السلطات السعودية مراراً عن تحركاتها، قائلةً إنَّ الأسلحة الثقيلة تُهرَّب عبر الطريق البحري أو الحدود المشهورة بالفساد مع عُمان إلى المتمردين الحوثيين الذين يطلقوان الصواريخ على السعودية والتي تصل حتى الرياض.
وعمان تخرج عن هدوئها
لم يُثِر الوجود السعودي قلق السكان المحليين وحسب، بل يقول خبراء ودبلوماسيون أجانب إنَّه تسبَّب في صدعٍ متنامٍ مع الجارة عُمان، وهي مركز قوة إقليمية آخر.
تنظر مسقط إلى السيطرة على محافظة المهرة المجاورة باعتبارها تمثِّل تهديداً داخلياً: الكثير من العُمانيين مهريون، ومناطق القبائل تمتد عبر الحدود مع اليمن.
حذَّر الخبراء والسكان المحليون من أنَّ عُمان، التي كانت تُلقَّب بأنَّها سويسرا الشرق الأوسط بسبب رفضها الانحياز في الصراعات، بدأت مؤخراً تقديم الدعم لأتباعها على الأرض.
وعبَّر دبلوماسيون بريطانيون كذلك في مقابلاتٍ مع صحيفة The Independent البريطانية عن قلقهم من دخول مسقط في حرب الوكالة المعقدة.
لم تلقَ التوترات الناتجة اهتماماً دولياً كبيراً، لكن قد يكون لها تبعات واسعة النطاق وربما مدمرة للمنطقة إذا ما واصلت كلا الدولتين القتال من أجل السيطرة على المنطقة.
حرب بالوكالة بدأت تختمر.. واعتقالات للصحفيين
قال فارع المسلمي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية في اليمن: "كانت المهرة منعزلة وآخر مكان مستقر في اليمن. لكن الآن هنالك حرب قوى إقليمية تختمر، والمهرة هي الجبهة الجديدة (لحرب) الوكالة".
وكان الباحث بمركز صنعاء، الصحفي المحلي يحيى السواري، قد اعتُقِل في الثالث من يوليو/تموز الماضي على يد قوات تابعة للسعودية أثناء محاولته إجراء مقابلة مع محتجين مناهضين للسعودية أُصيبوا أثناء مشاركتهم في تجمعات تعرَّضت للهجوم.
لم يملك المركز أو أسرة السواري أي فكرة عن مكان احتجازه أو التهم الموجهة له. ودعت "لجنة حماية الصحفيين" إلى الإفراج الفوري عنه.
ويوم الثلاثاء الماضي 27 أغسطس/آب، أي بعد 50 يوماً، ظهرت رسالة على صفحة السواري على موقع فيسبوك، قال فيها إنَّه نجح في الخروج، لكنَّه تعرَّض للتعذيب للاعتراف بأنَّه عمل لصالح قطر أو عُمان، وإنَّ أخاه لا يزال مفقوداً.
بهذه الوسائل تتصدى السلطنة تتصدى لطموح المملكة في حديقتها الخلفية
كانت إحدى الديناميات التي يبحث فيها السواري هي كيف أدَّى استيلاء السعودية على السلطة إلى جرِّ عُمان إلى المعترك.
فوفقاً للمسلمي ومحادثات أجرتها صحيفة The Independent مع رجال قبائل مهريين، ترسل عُمان الآن بنشاط الأموال إلى القوات داخل المهرة لمنع الاستيلاء الكامل على المنطقة. واتَّهِمَت عُمان أيضاً بتشجيع حركات الاحتجاج المناهضة للسعودية هناك.
ويضيف: "كانت عُمان هي آخر جار محايد لليمن. فلم تتورط في هذه الحرب، لكنَّها الآن تورطت".
رفض المسؤولون في عُمان إجراء مقابلات أو الإدلاء بتعليقات.
لكنَّ الكثيرين في مسقط يعتقدون أنَّ القيادة العُمانية يجب أن تتخذ موقفاً أقوى ضد الزحف السعودي في المهرة، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.
إذ يقول د. عبد الله الغيلاني، وهو باحث استراتيجي عُماني، لصحيفة The Independent من مسقط إنَّ المهرة هي "الحديقة الخلفية لعُمان".
ويضيف: "لقد طورنا كذلك الكثير من البنية التحتية هناك، ولدينا علاقات سياسية قوية. المهرة هي المنطقة العازلة التي ظلَّت مكاناً هادئاً حتى وضع السعوديون والإماراتيون قواتهم هناك".
والنفوذ السعودي يغضب الإمارات أيضاً، إنهم يمنعون استكمال الإمبراطورية
ومن المحتمل كذلك أنَّ هذا وضع السعوديين على مسارٍ مضاد لحليفتهم الإقليمية الإمارات، التي أفادت تقارير بأنَّها حاولت وفشلت بين عامي 2015 و2017 تأسيس وتدريب قوة نخبة مهرية، ظاهرياً من أجل مقاتلة المجموعات المتطرفة مثل القاعدة، مثلما فعلت في محافظات أخرى بينها عدن، عاصمة البلاد بحكم الأمر الواقع.
وفي إطار هذا، أقامت الإمارات مجموعة كبيرة من القواعد بطول الساحل الجنوبي لبقية البلاد.
تقول الأستاذة بجامعة أوكسفورد البريطانية إليزابيث كيندال، وهي خبيرة رائدة في شؤون المهرة، إنَّ الوجود العسكري السعودي في المهرة من شأنه أن "يمنع الإمارات من السيطرة الكاسحة بالجنوب".
وتضيف: "إذا حصل (السعوديون) على قواعدهم العسكرية، فذلك يعني أنَّ الإمارات لا يمكنها الحصول على جنوبٍ منفصل، فضلاً عن عدم حصولها على المهرة وسقطرى".
وتشير إلى حقيقة أنَّ الحملة السعودية لإيقاف التهريب لم تؤدِ إلى وقفٍ كامل للتجارة.
فقالت: "بالتأكيد ذهب السعوديون لوقف التهريب، لكن لا يبدو أنَّهم سيغادرون. وفي حين أنَّهم أوقفوا عمليات التهريب الكبيرة، فإنَّهم تركوا العمليات الأصغر".
حروب صغيرة داخل الحرب الكبيرة
وقد تمزَّق اليمن من جرَّاء حربٍ أهلية مدمرة منذ انتزع المتمردون الحوثيون السيطرة على البلاد في مطلع 2015، مُطيحين بالرئيس المُعتَرَف به عبد ربه منصور هادي.
وخوفاً من زحف النفوذ الإيراني على حدود السعودية، أطلقت الرياض وحلفاؤها السُنّة، بما في ذلك الإمارات، حملة قصف مدمرة في مارس/آذار من نفس العام لإعادة تثبيت هادي.
ومع استمرار الحرب، شنّوا هجوماً برياً، ودرَّبت أبوظبي ما يصل إلى 90 ألفاً من القوات اليمنية لمحاربة الحوثيين، وكذلك لإنهاء وجودٍ متنامٍ لتنظيمي القاعدة وداعش اللذين استغلَّا الانهيار الأمني لتوسيع رقعتهما.
وبعد مرور خمس سنوات، لا يوجد الكثير من الأمل لنهاية الأزمة، التي تركت ما يزيد على 13 مليون شخص على حافة الجوع.
والآن، تنبثق من رماد الحرب عدة حروب منفصلة، بينها حربٌ من أجل استقلال الجنوب تأجَّجت جزئياً بسبب التمكين الخليجي للقوات الانفصالية الجنوبية.
فسيطرت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، العاصمة بحكم الأمر الواقع، وأبعدت الحكومة المُعتَرَف بها والتي يُفتَرَض أنَّها متحالفة معها.
وسيطرت قواتهم بثبات على مزيد من الأراضي شرقاً، وباتوا الآن عالقين في معركةٍ دامية مع بقايا التحالف الخليجي في محافظتي أبين وشبوة.
لهذا مرَّ الصراع المنبثق في المهرة، وهي المحافظة التي أُهمِلَت لوقوعها على بُعد أكثر من 850 كيلومتراً عن خطوط الجبهات المألوفة، إلى حدٍ كبير بدون ملاحظة.
الاحتلال السعودي سيصبح عنيفاً ويشجع السلفيين.. والنساء يتصدين له
قالت نادرة محمد (30 عاماً)، وهي مُدرِّسة قادت طوال عام حركة احتجاجية نسائية ضد وجود القوات السعودية في مدينة الغيضة، عاصمة محافظة المهرة: "أكثر ما يقلقني هو أنَّ الاحتلال السعودي سيستولي على مزيدٍ من الأرض ويصبح عنيفاً".
تقاتل التجمُّعات الاحتجاجية النسائية كذلك تدفُّقاً حديثاً من السلفيين الفارِّين من الحرب في مناطق أخرى من البلاد، والذين ظهروا لأول مرة بعدما أقامت السعودية قاعدتها الرئيسية في المطار.
تعتقد النساء أنَّ السعودية شجَّعت السلفيين على الانتقال إلى المهرة، وهي محافظة معارضة بشدة للتفسيرات المتطرفة من الإسلام وتنظر إلى السلفية باعتبارها تهديداً لنمط حياتهم، رغم كونها مُحافَظة مُحافِظة دينياً.
وقالت نادرة، الأم لأربعة أبناء، إنَّ احتجاجات الرجال، الشبيهة بحركة النساء، قُوبِلَت بالقوة، وادَّعت أنَّ ثلاثة أشخاص على الأقل اعتُقِلوا واختفوا.
وقالت بعصبية: "هذا أكبر مخاوفنا؛ إذا استمر الوضع، ستقع حربٌ هنا".
الرياض تلجأ للأباتشي لتخويف المحتجين
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قُتِل شخصان أثناء احتجاجٍ نظَّمه رجال القبائل المحليون، بعدما تعرَّض للهجوم من جانب القوات المدعومة سعودياً والتي دخلت في معركة بالأسلحة النارية مع السكان المحليين.
ومؤخراً، بدأ التحالف السعودي في المهرة استخدام مروحيات الأباتشي لتخويف المحتجين، وكانت قد أطلقت طلقات تحذيرية قرب مدينة الغيضة في الأسبوع السابق على دخول صحيفة The Independent إلى اليمن.
تنفي السعودية والقوات التابعة لها أنَّهم أظهروا أي عنف. ويرفضون الاحتجاجات، قائلين إنَّها مُدبَّرة من جانب رجال قبائل ساخطين وفاسدين بعدما أُبعِدوا من السلطة خلال المعركة ضد التهريب.
واتهم بعض المنتقدين الاحتجاجات بأنَّها مدعومة من مسقط، وهو الاتهام الذي تنفيه النساء بشدة.
وتعتقل أشقاء الناشطات
يدَّعي حازم كدّة (28 عاماً)، وهو شقيق نادرة، أنَّ السلطات السعودية احتجزته لفترة قصيرة في المطار، واستجوبته بشأن دور شقيقته في الاحتجاجات، وحثَّته على توقيع وثيقة يتعهَّد فيها بعدم الاستمرار بالمشاركة في التجمُّعات الاحتجاجية.
وقال: "قالوا لي أن أخبر شقيقتي أنَّها يجب أن تتوقف عن الذهاب إلى الاعتصامات، وأطلقوا سراحي أخيراً بعد 10 ساعات حين تدخَّل شيخٌ قبلي".
وأضاف: "المطار كالقرية المليئة بالعربات المدرعة والأسلحة. سيكون هناك صراع بين القبائل، وإذا ما استمروا في اعتقال أبناء القبائل، أعتقد أنَّه قد تقع حرب".
لا قات أو أسلحة رشاشة
وبعيداً عن الحركة الاحتجاجية والولاءات السياسية المتداخلة، يوجد شعورٌ متزايد بالخطر بين السكان المحليين العاديين.
ففي المستشفى الرئيسي بالمهرة، قرب لافتة كُتِب عليها "لا قات أو أسلحة رشاشة"، تتحدث الأسر بتلقائية تامة عن تزايد أعداد "الميليشيات" والاعتقالات.
فيقول عبدالله (40 عاماً): "إنَّنا قلقون للغاية بشأن الوضع في ظل وجود هذا الجيش الجديد القادم من الخارج"، في إشارةٍ إلى القوات المحلية المُدرَّبة سعودياً والتي ينحدر الكثير منها من محافظات في مختلف أرجاء البلاد.
كان عبدالله يزور إحدى قريباته المُسِنَّات في جناح النساء بالمستشفى، وقاطع مقابلة أخرى كانت تجريها صحيفة The Independent كي يتحدث.
فقال: "كنا نعيش في سلام حتى وقتٍ قريب. إنَّهم يأتون ويعتقلون الناس من بيوتهم، وعلى ما يبدو يتهمونهم بأنَّهم مُحرِّضون أو متطرِّفون".
وأضاف: "يبدو وكأن الأمر قد ينفجر في أي لحظة بسبب التوتُّرات. أولئك الناس لديهم يد طولى، ويبدو أنَّ لهم السيطرة الآن".
السعودية تقول إنها تمنع التهريب ولكن الصيادين غاضبون مما تفعل
وفي الجهة الأخرى من المدينة في واحدةٍ من قرى الصيد المتضررة في المهرة، كان الصيادون يرتدون الآزرة اليمنية أو ألبسة السارنغ التقليدية الرثَّة، واشتكوا من أنَّه لا يُسمَح لهم بالصيد حول القواعد السعودية الجديدة.
ويقولون إنَّ السعوديين لاحقوهم بسبب مزاعم بأنَّهم متورطون في تجارة التهريب المُربِحة عبر البحر، وهي مشكلة حقيقية ضربت البلاد وغمرتها الأسلحة بالفعل.
قال البعض، مثل سعد عبدالله (30 عاماً)، إنَّه جرت مداهمة مخازن الصيد التابعة لهم بالعنف، الأمر الذي لم يؤدِ إلا لتصاعد التوتُّرات.
قال سعد، وهو أب لثلاثة أبناء تبعد قرية الصيد التي يعمل فيها 3 كيلومترات شرقي الغيضة: "تراجعت أرباحنا اليومية بنحو ثلاثة أرباع ما كنا نحققه من قبل بسبب القيود في المنطقة".
وأضاف: "لو كنا مُهرِّبين لكان لدينا الكثير من المال، وما كنا لنجلس في مركبٍ صغير نحاول الصيد".
والمسؤولون السابقون يتهمونها بالسعي إلى الاستيلاء على أراضي البلاد لإنشاء خط أنابيب
ويدَّعي مسؤولون سابقون ساخطون في المنطقة، فُصِلوا لصالح المُرشَّحين المُفضَّلين للسعودية شأنهم شأن المُحافِظ، أنَّ الاستيلاء على السلطة هو جزءٌ من مساعي السعوديين لبناء خط أنابيب نفطي من أراضيها حتى بحر العرب، وهي الفكرة المطروحة منذ عقود.
ويقولون إنَّ السعودية تفرض قيوداً على الحركة بشكل متزايد منذ هجمات مايو/أيار الماضي التي تمت بطائرات دون طيار على خطوط أنابيب نفطها الخام، والأزمة التي شهدها الممر المائي الرئيسي في مضيق هرمز، وتهديد الحوثيين مضيق باب المندب في الطرف الآخر من شبه الجزيرة العربية.
فيقول أحمد محمد قحطان، مدير أمن محافظة المهرة السابق، من مسقط: "لاحظنا منذ الأزمة في مضيق هرمز أنَّ السعوديين اشتروا مزيداً من الأسلحة وزادوا سيطرتهم على الحدود. وزادوا كذلك تجنيدهم للقوات المحلية".
وكان قحطان من بين المسؤولين اليمنيين الذين حاولوا منع السعوديين من السيطرة على المطار. وتتهمه الفصائل الموالية للسعودية بأنَّه فاسدٌ ومُحرِّضٌ للحراك الاحتجاجي.
ويضيف: "يريدون تصدير النفط إلى هذه المناطق عبر بحر العرب لتجنُّب التوتُّرات في مضيق هرمز. وقد استخدموا ذريعة وقف التهريب والإرهاب".
ويريدون استصدار قرار من الأمم المتحدة، لكنَّ آخرين يستعدون لما هو أسوأ
ويتحدَّث قحطان، المقيم بصورة كبيرة في مسقط هذه الأيام، بصراحة قائلاً: "نرغب في استصدار قرار من الأمم المتحدة يأمر الإمارات والسعودية بمغادرة اليمن في غضون 30 يوماً. إنَّنا نُفضِّل إسرائيل على مَن هم هناك الآن".
ويُعَد يده اليمنى، علي سالم الحريزي، شخصية مثيرة للجدل، وهو قائد حرس الحدود السابق في المهرة ووكيل المحافظة سابقاً، ويُعرَف بين أنصاره بـ"الجنرال".
ومنذ زمن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، اتُّهِم الزعيم القبلي، الذي أصبح شخصية رئيسية في الاحتجاجات المناهضة للسعودية، بمزاعم تورطه في التهريب، وهو ما ينفيه بشدة.
مع ذلك، اعترف علناً بالدعم الذي قدَّمته له الحكومة العُمانية.
ويعتقد هو أيضاً بأنَّ النفط والاستيلاء على الأراضي المحلية الإستراتيجية يقعان في قلب الهدف من الوجود السعودي في المهرة، ويدَّعي أنَّ رجال القبائل التابعين له وجدوا مهندسين تحميهم القوات المدعومة من السعودية وهم يحاولون وضع علامات من أجل خط أنابيب.
وأضاف: "يريد السعوديون الاستفادة من مئات الآلاف من براميل النفط عبر بحر العرب.. وقد رأيناهم مؤخراً وهم يضعون علامات من أجل خط أنابيب، وأمسكناهم وأخذنا أسلحتهم".
ومهما كانت الحقيقة، فإنَّ النتيجة هي نفسها: صراعٌ آخر ضمن حرب اليمن المُدمِّرة بالفعل.
وبالعودة إلى الشاحنة الصغيرة التي خرقتها الرصاصات، حمل سالم بندقيته في المقعد الأمامي. وفي ظل وجود قذيفة آر بي جي في مؤخرة الشاحنة، فإنَّه بات مستعداً للتحرُّك.
وقال: "زرع السعوديون والإماراتيون ميليشيات هنا، وسيبدؤون حرباً أهلية، تلك الحرب بدأت".