تصاعدت المخاوف من احتمالات نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل بعد الهجوم الأخير للحزب على موقع إسرائيلي عسكري.
وأعلن حزب الله في بيان له أن قوة تابعة له تدعى مجموعة الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر قامت بتدمير آلية عسكرية عند طريق ثكنة أفيفيم وقتل وجرح من فيها".
وقال الجيش الإسرائيلي إنه تم استهداف موقع ومركبات عسكرية بعدة قذائف في القطاع الأوسط للحدود مع لبنان، مشيراً إلى وقوع أضرار دون وجود قتلى.
وحسب تقارير إعلامية فإن هجوم حزب الله استهدف آليات عسكرية بصواريخ كورنيت الروسية المضادة للدبابات وموقعاً عسكرياً في محيط مستوطنة.
وأعقب الهجوم قصف إسرائيلي للشريط الحدودي في جنوب لبنان باستخدام نحو 40 قذيفة، ولم تشر الأنباء إلى وقوع إصابات في المناطق اللبنانية.
وقالت قناة المنار التابعة لحزب الله إن الجيش الإسرائيلي يستخدم قذائف فوسفورية في القصف على بلدة مارون الراس"، مشيراً إلى أن "النيران اشتعلت في سهل البلدة نتيجة القصف الإسرائيلي".
الهجوم جاء بعد وعيد من نصرالله
ويشهد لبنان توترات أمنية متصاعدة مع سقوط طائرتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله فجر الأحد الماضي، وانفجار إحداهما.
وتزامن الخرق مع استهداف إسرائيل لمركز عسكري تابع لـ حزب الله في بلدة عقربة جنوب العاصمة السورية دمشق ما أودى بحياة عنصرين من الحزب.
وفجر الإثنين الماضي، دوّت 3 انفجارات في مراكز عسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المدعومة من حزب الله) في منطقة قوسايا بقضاء زحلة في سلسلة جبال لبنان الشرقية.
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الاعتداء الأول بالضاحية والثالث بقوسايا، فيما يتهمها لبنان بالوقوف وراء الحادثين من خلال تصريحات كبار مسؤوليه.
إلا أن إسرائيل اعترفت بالهجوم في محيط دمشق، عبر بيان لجيشها قال فيه إن مقاتلات إسرائيلية أغارت على عدد من الأهداف الإرهابية في بلدة عقربا جنوب شرق دمشق.
وأعلن نصرالله عقب هذه الهجمات "حتمية" الرد على هجوم إسرائيل ضد لبنان، معتبراً أن مسؤولية الرد عند القادة الميدانيين للحزب.
لماذا كان حزب الله حريصاً على الرد هذه المرة؟
تعدد الهجمات الإسرائيلية على أهداف تابعة للمحور الإيراني في المنطقة خلال السنوات الماضية، ولكن هذه المرة بدا حزب الله حريصاً على الرد على إسرائيل رغم مخاطر اندلاع حرب كبيرة في المنطقة.
فلماذا هذا الحرص؟
على مدار السنوات الماضية، بنى حزب الله حالة من الردع مع إسرائيل بلغت ذروتها خلال حرب لبنان 2006، والتي رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها لبنان خلال هذه الحرب إلا أنها أيضاً شكلت فشلاً للجيش الإسرائيلي سواء بسبب عدم تحقيق أهدافها في تدمير الحزب أو بسبب الخسائر الكبيرة في المدرعات وقصف المناطق المدنية في شمال إسرائيل.
فمنذ الحرب الإسرائيلية المشؤومة على لبنان في عام 2006، التي لقي خلالها 120 جندياً إسرائيلياً حتفهم إلى جانب مئات المدنيين (نحو ألف قتيل)، كما لقي 270 من مقاتلي حزب الله حتفهم، فضلاً عن 50 جندياً وشرطياً من لبنان، كان هناك تفاهم غير رسمي بين الخصمين على أن لا يفعل أحدهما شيئاً من شأنه تجديد الصراع الشامل.
ولسنوات سمح هذا التفاهم لإسرائيل القيام ببعض العمليات ورد الحزب أحياناً عليها، محققاً للحزب منظومة من توازن الردع.
لماذا غيرت إسرائيل سياستها؟
مع توسع النفوذ الإيراني في المنطقة بدا أن إسرائيل تحاول تغيير المعادلة عبر محاولة وقف تمدد هذا النفوذ من خلال قصف أوسع نطاقاً من العمليات السابقة التي كانت تتم في إطار التفاهم غير الرسمي بين الجانبين.
وجاء ذلك مع شعور الإسرائيليين من القلق من توسع نفوذ إيران من جهة وفي ظل اتهامات لبنيامين نتنياهو بالضعف من قبل المعارضة الإسرائيلية.
وعزز هذه التوجهات التوجه العدائي للإدارة الأمريكية تجاه إيران، وحلفائها وهو توجه أخل بموازين التفاهمات غير الرسمية بين واشنطن وطهران لتجنيب بلدان مثل العراق ولبنان صراعاتهما.
تريد إسرائيل تقليم أظافر الإمبراطورية الإيرانية في المنطقة عبر استهدافها دون رد، ويريد حزب الله استعادة توازن الردع المفقود.
كلاهما لا يريد الحرب في الأغلب، ولكن الحرب قد تنشأ رغم إرادة الطرفين خاصة مع تداعي معادلة توازن الردع الهشة.
رغم فارق القوة الهائل ما هي الأدوات التي يمتلكها حزب الله في مواجهة إسرائيل؟
بعيداً عن تفاخرات الإيرانيين وحلفائهم عن قوتهم التي لا تقهر، فإن هناك تفوقاً إسرائيلياً واضحاً على إيران.
إيران كقوة عسكرية تنتمي للسبعينيات والستينيات، نعم حققت قدراً من الاكتفاء الذاتي في تصنيع السلاح ولكنه اكتفاء يقوم على تقليد أسلحة أمريكية للسبعينيات والستينيات وصينية وروسية أحدث قليلاً، مع برنامج صاروخي تم بمساعدة من كوريا الشمالية على الأرجح والتي كانت قد طورت بدورها نماذج سوفيتية قديمة.
بينما إسرائيل هي واحدة من الدول الأكثر تطوراً في المجال العسكري، حتى أن دولة مثل روسيا لجأت إليها لتطوير صناعة الطائرات بدون طيار الخاصة بها.
ولكن فيما يتعلق بحلفاء إيران وخاصة حزب الله فالأمر يختلف، فالمشكلة بالنسبة لإسرائيل أنها لن ترى مقاتلي حزب الله لكي تمارس عليهم تفوقها.
ففي الحرب السابقة قصفت إسرائيل بشكل كبير، وبينما كانت الخسائر في المدنيين كبيرة وفي المنشآت المدنية كبيرة، كان حجم الخسارة العسكرية الإسرائيلية مقارباً لخسائر حزب الله.
الأمر الثاني هو الجغرافيا، فبينما يمنح التطور التكنولوجي والطائرات الأمريكية ذراعاً طويلة تكاد تطول كل مناطق الشرق الأوسط، فإن الجغرافيا تلعب لصالح حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية.
إذ أن الطبيعة الجغرافية الجبلية للبنان تمكن حزب الله من إخفاء أسلحته وأنظمة صواريخه، وفي الوقت ذاته فإن القرب الجغرافي لمواقع إطلاق هذه الصواريخ يضعف من قدرة إسرائيل على إسقاطها عبر منظومة القبة الحديدية.
وهذه الطبيعة الجبلية اللبنانية تجعل أي توغل بري إسرائيلي محفوفاً بالمخاطر في مواجهة المقاتلين المتمرسين لحزب الله الذي يحاربون في بيئة يعرفونها جيداً.
الانتخابات.. هل تمنع الحرب أم تشعلها؟
تمثل الانتخابات الإسرائيلية، العامل المستجد في الصراع بين حزب الله وإسرائيل.
فمن ناحية الاتهامات لنتنياهو بالضعف من قبل المعارضة تحفزه على التصعيد، ولكن من ناحية أخرى فإن حدوث حرب واحتمال استطالة أمد هذه الحرب إلى حين موعد الانتخابات هو أسوأ دعاية ممكنة لنتنياهو.
فحتى لو دمرت إسرائيل شطراً كبيرا من لبنان مثلما حدث في حرب 2006 ، فلن يدلي الناخب الإسرائيلي بصوته لليكود إذا اضطر أن يختبئ في الملاجئ من صواريخ حزب الله التي نادراً ما تقتل الإسرائيليين ولكنها تكدر عليهم عيشتهم.
فالناخب الإسرائيلي يختار نتنياهو في الانتخابات لأنه وفر له فترة من حالة اللاحرب الطويلة نسبياً مع ازدهار اقتصادي يصاحبه قضم تدريجي ووممنهج للأراضي الفلسطينية والعربية الأكثر جدوى والأسهل في الاحتلال بينما ينأى بنفسه غالباً عن المناطق الأصعب مراساً محاولاً محاصرتها أو تقليم أظافرها، كما فعل مع غزة مراراً.
مؤشرات على تراجع احتمالات نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل
الواضح حتى الآن أن إسرائيل لا تسعى للتصعيد، إذ أكد الجيش الإسرائيلي عدم وقوع إصابات في أوساط الجيش الإسرائيلي، وتأكيده على أنه رد على مصادر النيران.
وبينما نسب لنتنياهو وعيده للبنان وحزب الله إلا أنه كان تأكيده على عدم وقوع الخسائر بين العسكريين، وحديثه عن أن الجيش الإسرائيلي مستعد للتعامل مع كل الاحتمالات المستقبلية.
لكن أكثر المؤشرات على عدم تصاعد احتمال الحرب، هو إعلان قيادة الجيش الإسرائيلي أن الأمور عادت إلى طبيعتها في الجبهة الشمالية، بعدما كان مطار بن غوريون الإسرائيلي طلب من الطائرات المدينة الوافدة إليه تغيير وجهتها".
من جانبه، طلب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، من الولايات المتحدة وفرنسا والمجتمع الدولي التدخل لمواجهة تطور الأوضاع على الحدود اللبنانية.
وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية بأن الحريري أجرى اتصالات هاتفية مع كل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ومستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أجل احتواء الموقف.
وتقليدياً تلعب مثل هذه الاتصالات دوراً في إعادة بناء قواعد الاشتباك بين الجانبين لعدم تصاعد الأمور.
يحاول الجانبان أن يخرجا منتصرين من الأزمة، حزب الله رد على هجمات إسرائيلية عديدة آخرها استهداف للضاحية الجنوبية التي تعد معقله بالجنوب، وبالتالي هو يرمم حالة توازن الردع بعدما تداعت خلال الفترة الماضية
في المقابل فإن إسرائيل يمكن أن تعتبر أن هذا الهجوم للحزب هو مقابل بخس للهجمات الأوسع نطاقاً والتي استهدفت أطراف المحور الإيراني في ثلاث دول عربية (العراق، سوريا، لبنان).
ولكن هل تخرج الانتخابات الإسرائيلية نتنياهو عن طوره ويقرر شن حرب مدمرة على لبنان طمعاً في كسب أصوات الناخبين الإسرائيليين أم يقبل بترميم توازن الردع مع حزب الله.