مَن اخترع الليزر؟ سؤال أصعب مما تتخيل، فحتى اليوم لا توجد إجابة واضحة عن هذا السؤال؛ رغم أن هناك شخصاً تلقى ملايين الدولارات من وراء هذا الاختراع.
ولكن إذا قمت بالبحث، ستجد العديد ممن يلقبون بـ "مخترع الليزر"، بحسب ما ورد في تقرير لموقع BBC Mundo باللغة الإسبانية، التابع لهيئة الإذاعة البريطانية.
فمن الصعب تحديد من هو مخترع شيء ما، ومن الذي يحصل على براءة الاختراع.
هل مؤلف الفكرة الأولية، أم من ينتهي به الأمر إلى جعل هذه الفكرة حقيقة؟
ويمثل اختراع الليزر نموذجاً واضحاً لهذا الجدل، إنه اختراع يبدو أنه سيغير مفاهيمنا عن الاختراعات.
من اخترع الليزر، هل هو إينشتاين؟
في شأن اختراع الليزر، حتى اليوم لا توجد إجابة واضحة عن هذا السؤال؛ فإذا قمت بالبحث ستجد العديد ممن يلقبون بـ "مخترع الليزر" .
بدأ كل شيء باقتراح قدمه ألبرت أينشتاين في دراسة بعنوان "On the Quantum Theory of Radiation" في عام 1917، وفيها وضع الأسس لإنتاج هذا الشعاع الضوئي الذي نستخدمه اليوم، بداية من العمليات الجراحية الدقيقة إلى قياس المسافة بين الأرض والقمر.
ومنذ ذلك الحين، بدأ العديد من العلماء في أنحاء مختلفة من العالم في استكشاف ما توقعه أينشتاين.
لكن لم يجد علماء الفيزياء طريقة تطبيق هذا المفهوم حتى عقدي الأربعينات والخمسينات.
في عام 1957.. الأرق يلهم عالماً
في ليلة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1957 ، لم يتمكن عالم يدعى جوردون جولد من النوم في سريره في نيويورك.
فجأة، راودته فكرة، أخذ دفتر ملاحظات وبدأ في ملئه بالرسومات والمعادلات والحسابات.
بعد أسبوع من العمل المكثف، أخذ دفتره وذهب إلى متجر للحلويات، حيث طلب من المالك -الذي كان أيضاً كاتب عدل- أن يختم كل صفحة من الصفحات التسع التي توجد عليها نتائج عمله.
كان العنوان الذي اختاره هو "بعض الحسابات التقريبية حول صلاحية الليزر LASER: تضخيم الضوء عن طريق تنشيط الإشعاع المنبعث" .
لقد صاغ الكلمة، التي كانت اختصاراً لتضخيم الضوء عن طريق تحفيز انبعاث الإشعاع؛ light amplification by stimulated emission of radiation.
ولكن عالمين آخرين حصلا على براءة الاختراع
في الوقت نفسه، وفي نيويورك أيضاً، كان هناك نجم فيزياء يبلغ من العمر 34 عاماً يدعى تشارلز تاونز، يفكر باهتمام شديد في الأمر نفسه.
في يوم آخر من عام 1957، ناقش أفكاره مع زميله وصديقه وشقيقه آرثر شاولو، الذي وجد السبيل للقيام بذلك؛ وذلك بوضع الذرات التي أراد تحفيزها في تجويف طويل ضيق مع مرايا عاكسة لتعزيز عملية انبعاث الفوتون (جسيمات الضوء)، وإنتاج تفاعل متسلسل.
لكن اتضح أن هذه الفكرة كانت هي نفسها التي راودت جوردون جولد.
على عكس جولد، كان تاونز وشاولو فقط يعلمان أنه للحصول على براءة شيء ما في الولايات المتحدة، لم يكن عليك تصنيع اختراعك؛ كان عليك فقط إثبات أنه من الممكن تصنيعه.
لذلك كانا هما من حصلا على براءة اختراعه.
ثلاثة عقود من النزاعات.. الكل ينكر حق جولد
في العقود اللاحقة، تمحورت صناعات بأكملها حول الليزر.
في عام 1964، اشترك تاونز في جائزة نوبل في الفيزياء مع الروس ألكسندر م. بروخوروف ونيكولاي جي باسوف بسبب تطوير هذا الاختراع.
فاز شاولو بنفس الجائزة في عام 1981 لما حققه من تقدم في استخدام الليزر.
وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن جولد كان أول من اكتشف كيفية صنع الليزر وصاغ المصطلح، لم يصدقه أحد.
استغرق الأمر 30 عاماً، معارك قضائية كثيرة، وملايين الدولارات، وصراعاً ملحمياً مع الحكومة الأمريكية وصناعة الليزر قبل أن يحظى بالتقدير والاعتراف بأحد أكثر الاختراعات ثورية في القرن العشرين.
والنتيجة أنه جمع قدراً هائلاً من المال
تكمن المشكلة في أنه إذا صُرّح بصحة ما قاله جولد، فإن كل من صنع أو استخدم الليزر مدين له بالمال، وكلما استغرق الأمر وقتاً أطول للبت في القضية زاد الدَّيْن.
في عام 1977، بعد 20 عاماً من توثيق دفتر ملاحظات جولد، صرّح مكتب براءات الاختراع الأمريكي أن جولد أول من طرح نوعاً من الليزر، مما أعطاه الحق في تحصيل إتاوات من جميع الشركات التي صنعته.
وفي عام 1979، فاز بمعركة أخرى، لكن القرار النهائي جاء في عام 1985 عندما رفض القاضي قضايا إعادة النظر في براءة اختراع جولد.
لقد فاز. وعلى الرغم من أنه لم يحصل سوى على 20% من حقوق براءات اختراعه، فقد تقاعد في النهاية ومعه مبلغ 46 مليون دولار أمريكي.
نهاية واحدة من أطول حروب الاختراعات في التاريخ تغير فكرة الاختراع نفسها
وهكذا انتهت واحدة من أكبر حروب براءات الاختراع في التاريخ.
في عام 2013، غيّرت الولايات المتحدة نظامها من خلال منح براءة الاختراع لأول من اخترع لإعطائها لأول من يعرض اختراعه، وذلك لمنع القضايا التي لها أثر رجعي لعقود مثل قضية جولد.
وكانت آخر دولة صناعية تتحول إلى هذا النظام.
رغم أنه لم يصنع الليزر أصلاً.. إنه عمل وليس عملية
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يكن جولد أو تاونز أو شاولو أول من صنع آلة لأشعة الليزر؛ فقد كان الشخص الذي نجح في جعلها حقيقة فيزيائيٌّ آخر يدعى ثيودور ميمان، في عام 1960.
إذن، هل يجب أن يكون هو من يحصل على لقب مخترع الليزر؟
كتبت المؤرخة جوان ليزا برومبرج مؤلفة كتاب (الليزر في الولايات المتحدة، 1950-1970): "هناك رأي مشترك بين مؤرخي العلوم والتكنولوجيا هو أنه من الخطأ بشكل عام محاولة ربط اختراع أو اكتشاف علمي بفرد واحد أو بلحظة في وقت محدد" .
وأشارت جوان إلى هيو ج. ج. إيتكين، الأستاذ في جامعة أمهرست الأمريكية في ماساتشوستس، الذي كتب: "نحن نميل إلى التفكير في الاختراع كعمل وليس كعملية، نظراً للتنميط في قوانين براءات الاختراع لدينا" .
وتابع: "من أجل ضمان حقوق الملكية لاكتشاف جديد، من المهم أن تكون قادراً على تحديد الأولوية في الوقت المناسب… ومع ذلك، يجب ألا يفسد هذا التنميط مفاهيمنا التاريخية… الاختراع [عملية] تستغرق زمناً طويلاً، ويساهم فيها العديد من الأفراد بشكل كبير" .
قضية اختراع الليزر هي مثال جيد على ذلك.
بالنسبة إلى برومبرج، لم يصنع أي من غولد ولا تاونز ولا شاولو ولا ثيودور مايمان الليزر بمفردهم؛ إذ تم التوصل إلى الليزر بسبب إسهاماتهم جميعاً… وكذلك مساهمات العلماء الآخرين.
المفارقة أنه لم تظهر له فوائد في البداية سوى الخيال العلمي
على الرغم من الخلاف الطويل، سرعان ما خلب الليزر ألباب العامة، ربما بسبب تشابهه مع "الأشعة الحرارية" في الخيال العلمي، لكن التطبيقات العملية استغرقت سنوات لتطويرها.
مازحت فيزيائية شابّة تُدعى إيرني ديهانين، أثناء عملها مع ميمان على الليزر، قائلةً إن الجهاز "حل يبحث عن مشكلة"… وأخيراً عثر على العديد منها.
ولكن الحقيقة هي أننا نعيش اليوم في عالم يوجد فيه الليزر في كل مكان، بحيث يصعب تخيله من دونه.