توجهت أصابع الاتهام إلى الجيش المصري ومؤسسات أمنية، في أزمة شطب مالكي اثنتين من أكبر سلاسل الصيدليات في مصر، ولكن نشطاء مصريين برَّأوا الجيش، متحدثين عن جهات أخرى تحيك مؤامرة ضد صغار الصيادلة في مصر.
بدأت الأزمة عندما تذكَّرت الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة المصرية، فجأةً، أنَّ هناك حكماً قضائياً، صادراً في مارس/آذار 2019، بتأييد قرار هيئة تأديب نقابة الصيادلة، بإسقاط عضوية أحمد العزبي، وحاتم رشدي أصحاب سلاسل صيدليات العزبي ورشدى الشهيرة، وعليه تقرَّر شطبهما من سجلات الصيادلة بوزارة الصحة والسكان.
وصدر الحكم بسبب مخالفتهما للقانون الذي ينص على أن كل صيدلي لا يحق له فتح أكثر من صيدليتين باسمه.
أخيراً تذكَّروا حكم القضاء!
التذكُّر المفاجئ للحكم أثار شكوكاً كثيرة حول أسباب توقيت قرار الإدارة الحكومية.
وما إن صدرت الصحف بمانشيت (الصحة تُقرِّر شطب "العزبي ورشدي" من سجلات الصيادلة نهائياً) حتى سرت استنتاجات على صفحات التواصل الاجتماعي، ومنها انتقلت لبعض المواقع الإلكترونية، التي تربط بين القرار المفاجئ وصيدليات 19011، التي تربطها الشائعات بالقوات المسلحة المصرية، أو بالإمارات، أو المخابرات.
واعتبر الكثيرون أنَّ هذا القرار المقصود به ضرب السلاسل الصيدلية الكبرى لصالح السلسلة الجديدة، المملوكة للمخابرات، أو المملوكة للإمارات برعاية استخباراتية مصرية.
الرواية الأخرى لنشطاء الصيادلة.. حقيقة دور الجيش في تجارة الدواء
في إحدى صيدليات شارع القصر العيني بوسط القاهرة المكتظ، القريب من نقابة الصيادلة، التقى "عربي بوست" باثنين من نشطاء الصيادلة، هما نيفين جريس ووائل عاطف، وكلاهما من المهتمين بالشأن العام الصيدلي في مصر.
الحديث دار مع الناشطين المشتبكين مع القصة، للوقوف على حقيقة القرار المفاجئ وعلاقته بصيدلية 19011 الغامضة والمخابرات والجيش.
بدأت نيفين حديثها قائلة: ربط قرار شطب أحمد العزبي وحاتم رشدي من سجلات الصيادلة بالجيش أو بصيدليات 19011، التي يقال إن المخابرات شريكة فيها، هو محض "هبد من الفيسبوك" (هراء).
واستدركت قائلة: وإن كنت بالقطع متفهمة أسباب الربط هذا، فالجيش مؤخراً بدأ يدخل بقوة في سوق الدواء المصري، لكن دخوله لم يكن ولن يكون بمنافذ البيع.
وأضافت: الجيش دخل من باب التوريدات، فمنذ ما يقرب من 4 سنوات صدر قرار أن جميع التوريدات الخاصة بمستشفيات الجامعات الحكومية والتأمين الصحي تتم عن طريق مناقصة موحَّدة ينفذها الجيش، على أن يحصّل الجيش مستحقاته المالية بعد ثلاثة أشهر من الوزارة والجامعات، وبالفعل الجيش حالياً هو المورّد الأوحد لقساطر القلب وبعض المستحضرات الطبية الأخرى.
هذا بيزنس مجزٍ وله مردود اقتصادي، سواء للجيش أو حتى للمستشفيات؛ نظراً لأن الجيش أصبح المورِد الأوحد في الحصول عليها بأسعار أرخص بكثير من أسعار السوق، حسب قولها.
لكن، والحديث مازال لجريس: بيزنس الصيدليات، أو غلق تلك السلسلة أو فتحها، الجيش ليس له أدنى علاقة به.
الأمر له أبعاد أخرى لا يغيب عنها الفساد "والتربيطات"، لكن من أطراف أخرى، حسب الصيدلانية الناشطة.
أطراف من مصلحتها ضرب الصيدليات الصغرى وإحكام قبضتها على النقابة لأطول فترة ممكنة، على حد قولها.
يلتقط الحديث الدكتور وائل عاطف، صاحب إحدى الصيدليات بمنطقة جاردن سيتي وناشط نقابي قائلاً: الأزمة هي أزمة الحراسة على النقابة، فالنقابة موضوعة تحت الحراسة من ستة أشهر، نتيجة لصراعات ومشاجرات حادة.
أطراف هذا النزاع الآن في السجن، وعليه فقانوناً أصبح من حقنا كصيادلة الاجتماع والدعوة لعقد جمعية عمومية لانتخاب مجلس نقابة جديد، وهو ما فعلناه بالفعل يوم الخميس الماضي، حيث اجتمع في حديقة النقابة 350 صيدلياً (النِّصاب القانوني 200 صيدلي)، ووقَّعوا على المطالبة بعقد جمعية عمومية، وهو حقّنا الدستوري تماماً، وهنا مربط الفرس، حسب قوله.
ما الهدف من هذه المؤامرة التي تحدَّث عنها النشطاء؟
شبكة المصالح العنكبوتية المكوّنة من تيكونات الدواء (تكتلات عملاقة) ممثلين في غرفة الدواء (التي يرأسها بالمناسبة أحمد العزبي نفسه) ولجنة الصحة بالبرلمان، وأطراف في وزارة الصحة، من مصلحتهم أن تظلَّ النقابة تحت الحراسة، حسب جريس.
والهدف -حسب قولها- أن يتم تخدير الصيادلة لحين تمرير عدة قوانين.
هذه القوانين ستعصف تماماً بالصيدليات الصغيرة لصالح السلاسل الكبرى التي تربطها شبكة منافع متبادلة مع متخذي القرار.
وقالت إنهم يريدون إقرار هيئة الدواء المصرية، والتي نُشر قانونها بالفعل في الجريدة الرسمية، والذي جاء مخيّباً للآمال، بعدم النصِّ على أن رئيس الهيئة يكون صيدلياً (تخيل هيئة عُليا للمحامين يرأسها مهندس مثلاً).
فهم يريدون تمرير تعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة (والذي ينتظر أن يتم في الدورة البرلمانية القادمة لمجلس النواب).
ويتوقع أن يتم فيه إلغاء شرط الـ100 متر، المسافة الفاصلة بين أي صيدلية قائمة وأخرى جديدة، وهو الشرط الموجود في القانون الحالي.
إلغاء هذا الشرط يصبُّ في مصلحة السلاسل الكبرى، التي ستفتح في كل مكان، وتبتلع الصيدليات الصغرى، وينتظر أيضاً أن يُلغى الشرط الشكلي بوجود مدير صيدلي للصيدليات، وبذلك يصبح وضع السلاسل الكبرى قانونياً تماماً.
وتقول جريس: وبالطبع سيتم تجاهل مطلبنا القديم بحقِّ الصيدلي في تأسيس معامل تحاليل طبية، بعد الحصول على الدبلومة اللازمة.
وتضيف: لذلك اجتمعنا ودعونا لعقد الجمعية العمومية لنقابة الصيادلة.
ولكن الطرف الآخر (وبألاعيب الحواة)، حسب تعبيرها، أصدروا هذا القرار العبثي الخاص بإسقاط عضوية أحمد العزبي، وحاتم رشدي (ملاك السلاسل الكبرى)، والذي فعلياً لا يعني أي شيء؛ لأن لكل صيدلية مديراً مسؤولاً.
وأردفت قائلة: فأحمد العزبي وحاتم رشدي لن يتواجدا بشخصيهما في أي فرع، وإن كان اسماهما موجودين على أي فرع، فبسهولة يمكن تغييره.
وخلصت إلى أنَّه من الناحية العملية قرار الشطب والعدم سواء، والهدف منه الظهور بمظهر المعادي للسلاسل الكبرى، في حين هم في حقيقة الأمر شركاء، ويريدون التِهام السوق والتهامنا كصيادلة صغار، حسب قولها.
"هذه هي القصة كما نراها وتلك، هي المؤامرة التي تُحاك لنا"… بهذه الكلمات اختتم الصيدليان حديثهما معنا.
رد الجهات الحكومية المعنية
لكن على الجانب الآخر، تنفي الدكتورة رنا حسين، رئيسة إدارة الصيادلة بالقاهرة كل هذه الاتهامات، مؤكدة أن الإدارة ليست لها أي مصلحة مع أحد، وأن قرارها الصادر ضد العزبي ورشدي لكونهما مخالفين للقانون.
وقالت إن الإدارة لا تتربح ولا تتستر مطلقاً على أحد، هي فقط تطبّق القانون.
"عربي بوست" حاول الاتصال بالنائب الدكتور محمد العماري، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، للوقوف على حقيقة تعديل قانون مزاولة الصيدله، المزمع مناقشته في الدورة البرلمانية القادمة، لكنه اعتذر عن التعليق، مكتفياً بقوله إن المجلس في إجازة الآن.
وها هي سلاسل الصيدليات مازالت تعمل
تجدر الإشارة إلى أن صيدليات العزبي ورشدي واصلت عملها بشكل منتظم على مستوى فروعها بأنحاء المحافظات، بعد قرار شطب مالكي السلسلتين من سجلات الصيادلة بوزارة الصحة، الذي أعلنته الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص.
وقال الدكتور علاء عثمان، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، لموقع مصراوي، إن المديرية لم تتخذ أي إجراءات بشأن القرارات المعلنة بشأن مالكي سلسلتي الصيدليات الشهيرتين، وذلك لعدم ورود أي إخطارات رسمية من الوزارة إلى أجهزة المديرية باتخاذ أي إجراء.
حقيقة صيدليات المخابرات وعلاقتها بالأزمة
إذا كان توجيه أصابع الاتهام للجيش في أي أزمة اقتصادية بات أمراً مفهوماً، خصوصاً بعد تغول المؤسسه العسكرية اقتصادياً وتمدُّدها في مجالات شتى، لكن ما علاقة سلاسل صيدليات 19011 بهذا الأمر؟ ولِمَ ربط البعض القرارَ بها تحديداً وليس بسلاسل أخرى؟
نبيل إسحاق، مدير إحدى شركات الأدوية سابقاً يعلق لنا على قصة دخول صيدليات 19011 الغامضة للسوق قائلاً: الحقيقة أن قصة دخولها في السوق المصري كانت قوية ولافتة للنظر، بدءاً من استحواذهم على سلسلة "إيمدج" بفروعها المنتشرة، ثم افتتاحهم فروعاً وصلت لـ60 فرعاً. فضلاً عن نجاحهم في الحصول على اعتمادات بـ140 مليون جنيه من شركات الأدوية الكبرى، وهو رقم كبير، مكّنها من الإعلان عن تخفيضات وصلت لـ20% عن السعر الرسمي للأدوية، وهي ضربه قوية للسوق.
كل هذه المعطيات -والكلام لإسحاق- جعلت البعض يعتقد وجود شريك أجنبي قوي لمجموعة الملاك المصريين، قيل إنه شركة "الفطيم" الإماراتية.
لكن يظل تحديد مَن يقف وراء هذه الصيدليات صعباً، في ظلِّ الغموض وغياب الشفافية اللذين يميزان الأعمال في مصر، ما يفتح الباب أمام الشائعات دوماً.