هل تستطيع حل معادلة ناتجها 8,186,699,633,530,061؟ عليك بالسوروبان الياباني

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/27 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/27 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
مسابقات السوروبان في اليابان - نيويورك تايمز

أهم ما يميز الشعب الياباني الدقة والانضباط وحب العمل والإبداع، ولهذه السمات جذور راسخة في الثقافة اليابانية، وفي قلب تلك الثقافة يوجد "معداد خشبي" يستخدم في إجراء عمليات حسابية مركبة بسرعة مذهلة، فما هي قصته؟

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً عن الاختراع الياباني القديم الذي يُسمى "السوروبان"، تحت عنوان لافت: "الإجابة الصحيحة؟ 8,186,699,633,530,061 (المعداد الخشبي يجعلها تبدو شبه سهلة).

تجربة فريدة وممتعة

قرأ المُنادي الأرقام بسرعةٍ تُشبه الاستماع إلى بائعٍ بالمزاد العلني بتقنية التقديم السريع، حيث يختفي كل رقمٍ مُتعدد الخانات في الرقم التالي.

وفي غضون لحظات، ارتفعت يد دايكي كامينو اليُمنى في الهواء مُنتصرة. إذ نجح في الاستماع إلى كل الأرقام، وجدولتها، ليصل إلى النتيجة الصحيحة المكوّنة من 16 خانة: 8,186,699,633,530,061، وفعل كل ذلك باستخدام معدادٍ خشبي (حاسبةٍ يدوية).

مسابقة إملاء حسابية

وبفضل هذا القدر البسيط من البراعة الرياضية؛ تُوِّج دايكي (16 عاماً)، طالب المدرسة الثانوية من هيروشيما، بطلاً لمسابقة الإملاء بالبطولة السنوية التي تُقام في كيوتو، حيث يدخل المتنافسون في مبارزات حسابية مُبهرة عن طريق تمرير خرزات صغيرة فوق القضبان الموجودة داخل إطارات خشبية مُتواضعة بكل بساطة.

دايكي – نيويورك تايمز

ودايكي ممشوق القامة، ويبدو صعب المراس بعض الشيء على طريقة الأولاد المراهقين. ويُحب القصص المصورة (الكوميكس) اليابانية التي تُعرف باسم المانجا، إلى جانب ألعاب الفيديو التي تدور حول تمثيل الأدوار الخيالية. ولكن على مدار السنوات الثمانية الماضية، قضى قرابة الثلاث ساعات يومياً في التدريب على المعداد الخشبي، الذي يُدعى "سوروبان" باليابانية.

وقال مُوضحاً الكيفية التي يُمكنه بها فعل ذلك: "هناك أوقاتٌ لا أتمتع فيها بمزاجٍ جيد. لكنني أبدأ في الاستمتاع بمجرد حصولي على الإجابات الصحيحة. إذ استمع، وأُحرِّك أصابعي، وأُكرّر الأرقام في رأسي. وبمجرد سماع وحداتٍ مثل التريليون أو المليار؛ تبدأ أصابعي في التحرك".

دروس مكثفة في المدارس الخاصة

ويتلقى قرابة الـ43 ألف طالب دروس السوروبان المُكثَّفة داخل المدارس الخاصة في اليابان، بحسب تقديرات الحكومة، رغم أن جمعيات السوروبان تقول إنّ الرقم أعلى من ذلك بكثير. ويخضع الكثير من الممارسين للاختبارات من أجل الحصول على مؤهلات مُتقدمة تُعرف باسم كيو (kyu) أو دان (dan)، والتي تُشبه أسماء الأحزمة في الفنون القتالية. ويُشارك المُتفوِّقون في تلك الاختبارات في المسابقات الوطنية.

وبانضباطٍ يُشبه نُخبة الرياضيين، اجتمع قرابة 800 مُتنافس من كافة أنحاء اليابان -إلى جانب القليلين من كوريا الجنوبية- داخل قاعة عرضٍ كبرى في كيوتو أوائل الشهر الجاري لوضع مهاراتهم رهن الاختبار.

وكان أصغر المُتنافسين يبلغ من العمر 8 سنوات، في حين يبلغ الأكبر 69 عاماً. وبضرب وتقسيم الأرقام التي تصل إلى 16 خانة، أرسلوا موجات سريعة من الطقطقة والنقر بطول الغرفة، وكأنَّها الأمطار تهطل في فصل الصيف.

السوروبان آلة حاسبة خشبية – نيويورك تايمز

وفي بعض المسابقات، استغنى المُتسابقون عن السوروبان المادي وتخيّلوا الخرزات في عقولهم وهم يُكملون صفحات طويلة من الحسابات.

وحطَّم أحد الفائزين، الطالب الجامعي الذي يبلغ من العمر 20 عاماً، رقمه القياسي المُسجّل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد أن جمع في عقله 15 رقماً مُكوّناً من ثلاث خانات، ظهرت لثوانٍ على شاشةٍ ضخمة في مقدمة القاعة -خلال 1.64 ثانية.

تدريس منذ الصغر

وحتى أوائل السبعينيات، كان طلاب المدارس الابتدائية في كافة أنحاء اليابان يدرسون كيفية إتقان السوروبان، والذي كان مأخوذاً عن نسخٍ أتت من الصين في القرن الـ15. وكانت الآلة أداةً شائعة يستخدمها أصحاب المتاجر، وصرافو البنوك، ومُحاسبو الشركات، وأثبتت مرونتها الشديدة بعد تقديم الآلات الحاسبة الإلكترونية.

وما يزال أصحاب المتاجر الأكبر سناً، الذين تعلموا كيفية استخدام السوروبان في طفولتهم، يعتمدون عليه. وفي Daigen، مطعم السوشي بمدينة كيوتو، تجمع يوريكو كاواهارا (69 عاماً) أسعار العديد من الوجبات على معدادٍ خشبي قديم. وقال تسومورو كاواهارا (69 عاماً)، زوجها وطاهي السوشي، مازحاً: "يُحافظ الأمر على عقلها من الشيخوخة".

وقرر مسؤولو التعليم، المتحمسون لتعزيز قدرات السكان العلمية والتكنولوجية، خفض تعليم السوروبان بدرجةٍ ملحوظة أواخر السبعينيات.

واليوم، تتضمّن الكتب المدرسية التي تُقِرُّها وزارة التعليم بضع صفحاتٍ فقط عن السوروبان. ويتلقى الطلاب دروساً أساسية لساعتين فقط سنوياً في الصفين الثالث والرابع.

دعوات لتعميم السوروبان

لكن دُعاة تعليم السوروبان يضغطون على الوزارة لإدخال أجهزة المدارس القديمة في وقتٍ أبكر.

وقال ياسو أوكاهيسا، نائب مدير "رابطة تعليم السوروبان" في اليابان ومُضيف بطولة كيوتو: "يسهل تصوُّر الأرقام على السوروبان بالنسبة للأطفال".

مطالبات بتعميمه منذ الصغر – نيويورك تايمز

وقال أوكاهيسا، وهو يُحرك خرزات معدادٍ خشبي ضخم داخل مكتب الرابطة في كيوتو: "بعكس الحاسوب أو الآلة الحاسبة، يجب أن تُراقب حركة الخرزات بعينيك، قبل أن تُفكّر بعقلك، وتتحرك بأصابعك. إنها عمليةٌ تعليمية أساسية للغاية".

كيف يعمل السوروبان؟

ويتكوَّن السوروبان من أعمدةٍ من الخرز، وكل عمودٍ يرمز إلى القيمة المكانية، مثل: الآحاد، والعشرات، والمئات، والآلاف، وهلم جرّا. وتُساوي قيمة الخرزة الواحدة على رأس كل عمود الرقم خمسة، في حين تُساوي قيمة كلٍّ من الخرزات الأربع في الأسفل الرقم واحد. ويقوم الطلاب بجمع وطرح وضرب وقسمة الأعداد عن طريق تحريك الخرزات للأعلى والأسفل.

ويقول بعض المُعلمين إنَّ الهدف الرئيسي من تدريس السوروبان هو الحفاظ على الثقافة اليابانية التقليدية.

لكن يوكاكو كاواغوتشي (44 عاماً)، التي تُدير مع زوجها يوشيهارو كاواغوتشي (47 عاماً) واحدةً من أصل 6500 مدرسة خاصة لتعليم السوروبان في اليابان، تقول إنَّ الأشخاص الذين يدرسون السوروبان دراسةً مُكثَّفة يتطوّر لديهم شعورٌ بالإنجاز.

وأوضحت يوكاكو، بطلة السوروبان الوطنية في مناسبتين، كانت أولاهما وهي في الـ14 من عمرها فقط: "يُنظر إليهم باعتبارهم الطلاب الأذكياء في الفصل، وهذا سيمنحهم الثقة".

عمليات حسابية ممتعة

ولكنها أقرَّت بأنَّ براعتها في السوروبان لم تُساعدها كثيراً في الرياضيات الأكثر تطوُّراً، مثل حساب التفاضل والتكامل. واليوم، إلى جانب التدريس، تستخدم يوكاكو مهارات السوروبان الذهنية بشكلٍ أساسي في حساب فواتير البقالة قبل أن تصل إلى الكاشير.

تعليم واستمتاع – نيويورك تايمز

وفي ظهيرة أحد أيام الأسبوع الأول من العطلة الصيفية لأطفال المدارس اليابانيين، حضر قرابة الـ30 طالباً إلى المدرسة الواقعة شرق طوكيو.

وتكدَّست مجموعة أطفالٍ تتراوح أعمارهم بين خمس وتسع سنوات داخل غرفةٍ صغيرة، وهم يُحركون الخرز باستخدام الإبهام والسبابة، ورؤوسهم مُنكبَّةٌ على أوراق العمل المليئة بالحسابات مُتصاعدة الصعوبة.

وتجلس يوكاكو فوق مكتبٍ صغير في مقدمة الغرفة. في حين يصطف الطلاب أمامها طلباً للمساعدة.

وفي الطابق العلوي، يجلس السيد كاواغوتشي للعمل مع أكثر طلاب المدرسة تقدُّماً، وهما طالبتان في المرحلة الابتدائية تستعدان للمشاركة في بطولة كيوتو.

وطوال ساعتين ونصف، يُخضِع الطلاب لتدريبات مُوَقَّتة. وتتصبّب جباههم عرقاً وهم يُجيبون على صفحات طويلة من الضرب والقسمة، ويجمعون أعمدةً من الأرقام ليعثروا على الجذور التربيعية والتكعيبية للأرقام العشرية التي تصل إلى التريليونات، وينقرون فوق خرز السوروبان بسرعات مذهلة.

واستخدمت نيكو شيباياما (11 عاماً) التي تدرس السوروبان منذ الحضانة، إبهاميها لتحريك الخرز، واحدةً تلو الأخرى. وحين تضع المعداد الخشبي جانباً لتُمارس الرياضيات الذهنية؛ تُدير قلمها الرصاص في الهواء وتُحرِّك رأسها وكأنَّها تستمع إلى الموسيقى.

وقالت نيكو، التي تقضي فترة بعد الظهيرة ليومين في منتصف الأسبوع وصباح يوم السبت بالكامل في مدرسة آل كاواغوتشي: "الأمر مُمتع. أنا تنافسيةٌ للغاية. لذا لا أرغب في الخسارة لصالح شخصٍ آخر على الإطلاق". وخلال جولات السيارات الطويلة؛ تُفضِّل جمع أرقام لوحات السيارات في رأسها.

وفي بطولة كيوتو، كانت نيكو ملتزمةً وهادئة. فخلال مسابقة الإملاء، حاولت مواكبة المُنادي، لكنها فقدت تركيزها سريعاً. وأوضحت: "لم أفهم حتى ما يقولونه. بدا كل شيء وكأنهم يقولون ألغازاً غير مفهومة".

وفي أعقاب البطولة، تصفَّحت نيكو واثنان من زملائها في مدرسة السوروبان برنامج المنافسة. ووضعت نيكو علامة صح بجوار اسم فتاةٍ في العاشرة من عمرها وصلت إلى نهائي مسابقة الإملاء، وهي فتاةٌ ترتدي الشرائط في شعرها مع جوارب من الدانتيل فوق أرجلٍ لا تصل إلى الأرض حين تجلس أمام طاولتها.

وقال نيكو: "أُريد أن أعلم ما كان يدور في رأسها".

وأضافت أنَّها تُخطِّط للعودة العام المقبل. وتابعت نيكو أنها حين تكبُر في السن؛ فسيكون من الرائع أن تُصبح مُحكِّمةً في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

وتعتقد والدتها، روتوسكو شيباياما (44 عاماً)، أن أريحية نيكو في المسابقة قد تُساعدها في اجتياز اختبارات القبول الشاقة بكل سهولة. لكنها كانت أكثر سعادةً أن نجلتها وجدت نشاطاً تُحبه خارج المناهج الدراسية.

وأضافت: "علمت من نيكو أنه كلما أحببت شيئاً أكثر، كلما أصبحت أفضل فيه. وأنا شاكرةٌ لأنها وجدت شيئاً يُثير شغفها".

تحميل المزيد