يمكن أن تكون أعداد الشباب المتنامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إما مصدراً للنمو أو عاملاً لعدم الاستقرار، وهذا يتوقف على مهارات هؤلاء الشباب وتعليمهم، وفقاً لتقرير جديد من اليونيسيف بعنوان MENA Generation 2030.
في بداية القرن، كان نصف سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقل من 24 عاماً؛ وقال التقرير إنه في العقود المقبلة سيكون هذا الجيل جزءاً من تدفق غير مسبوق لأعداد غفيرة من الأشخاص في سن العمل في المنطقة.
أكثر من مليون شخص سيدخلون سوق العمل سنوياً
وتوصل تقرير اليونيسيف إلى أن أكثر من مليون شخص سيدخلون سوق العمل سنوياً بداية من عام 2020 وحتى عام 2032.
ستؤدي هذه القوة العاملة، إلى جانب انخفاض معدلات المواليد، إلى فجوة من الآن وحتى عام 2040 حين سيصبح هناك 100 شخص في سن العمل (تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً) أمام كل 50 من الأطفال المُعالين والمسنين، وهو تغيير سكاني قد يكون نعمة أو نقمة.
قالت جولييت توما، رئيسة قسم الاتصالات في اليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لموقع موقع Al-Monitor الأمريكي: "هناك قوة عاملة جديدة هائلة… هي فرصة رائعة للمنطقة".
وأضافت جولييت: "لكن الأمر يعتمد في الأساس على التعليم والمهارات التي يكتسبونها…. إذا وضعت الخطوات المذكورة في التقرير موضع التنفيذ، فقد يكون لها نتيجة إيجابية جداً".
ما هي هذه الخطوات لتكون النتيجة إيجابية؟
تشمل الخطوات الاستثمار في التعليم، من حيث جودته وتوفره؛ وتحسين الرعاية الصحية التي تمتد إلى التغذية والمياه النظيفة فضلاً عن المستشفيات؛ وحماية المستضعفين مثل النساء واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة؛ وزيادة فرص العمل للجميع.
إذا نُفذت هذه التغييرات، فإن الجيل القادم سيجلب معه نمواً اقتصادياً كبيراً. ولكن التقرير شدد على أنه في حالة عدم معالجة المشكلات الأساسية الرئيسية، فإن هذا التغيير السكاني قد يكون له آثار مدمرة، ستؤدي إلى بطالة وعدم استقرار أعداد غير مسبوقة من الأشخاص في سن العمل.
وقالت جولييت: "هناك دوماً جانب آخر لهذه الإحصاءات والأرقام. وهي ليست مجرد مصدر قلق كبير، وإنما تمتد إلى ما خلف هذا القلق".
لكن القلق من النتائج العسكية موجود
وينبع جزء من هذا القلق من المستويات الحالية للبطالة في المنطقة. إذ يشير التقريرإلى أن معدلات البطالة مرتفعة بصفة خاصة بين الشابات، إذ يتراوح معدلها بين 50 و80% في ستة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحوالي 40% في المنطقة.
ويأتي هذا بالرغم مما خلصت إليه دراسة أجريت عام 2015 بأنه إذا تمتعت النساء بالفرص الاقتصادية نفسها التي يتمتع بها الرجال، ستشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادة بنسبة 47% في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025.
والوضع في المنطقة ككل أفضل نسبياً من وضع النساء، إذ يبلغ معدل بطالة الشباب 30%، وهو الأعلى في العالم.
ما شكل النتائج إذا لم تُعَالج هذه المشكلات؟
إذا لم تُعَالج هذه المشكلات، فمن المحتمل أن يزداد الأمر سوءاً، إذ من المتوقع أن يدخل 40 مليون شخص جديد إلى القوى العاملة بحلول عام 2040. وقد يرتفع معدل التوظيف بأكثر من 10% في العقد القادم وحده إذا استمرت التوجهات الحالية.
يمكن أن تؤدي زيادة البطالة إلى جانب الشواغل الأخرى الواردة في التقرير، مثل عدم توفر الحماية للأشخاص المستضعفين والصراعات وزيادة أعداد المدن والكثافة السكانية، وهما أمران من المتوقع أن يرتفعا بمقدار الضعف تقريباً بحلول عام 2050، إلى ما وصفته جولييت بـ "كارثة".
بيد أنَّ التقرير يُقدِّم مجموعةً من التوصيات لمنع ذلك، من بينها خلق فرص العمل والاستقرار، والأهم من ذلك هو توفير التعليم المناسب.
إذ قالت توما: "نشرنا التقرير لأننا نريد الحفاظ على بصيصٍ من الأمل… يمكننا قلب الأوضاع لأنَّ الشباب في المنطقة لديهم إمكاناتٌ هائلة يُمكن استغلالها إذا قدمنا لهم التعليم والتدريب المناسبين. وهذه ستكون خطوة أساسية على مرِّ الأعوام الـ11 المُقبلة وما بعدها".
ومع ذلك، هناك الكثير من المجهودات التي يجب بذلها على هذه الجبهة. إذ أضافت: "أبرز الإحصاءات الصادمة التي واجهتها هو أنَّ نصف الأطفال في المدرسة لا يستوفون المعايير الدولية للقراءة والكتابة والرياضيات".
الشباب العربي قلق بشدّة من جودة التعليم
وفي السياق نفسه، أظهر استطلاعٌ أجري في العام الجاري 2019 على مجموعةٍ من الشباب العربي أنَّ الشباب يُدركون أنَّ التعليم الذي يتلقونه لا يؤهلهم للمستقبل، إذ قال 78% من المشاركين أنَّهم قلقون بشأن تعليمهم، فيما قال أكثر من نصفهم إنَّهم إذا أرادوا مواصلة تعليمهم، فسيفعلون ذلك خارج المنطقة.
وقالت توما: "حتى الآن، تخفق الحكومات في التعامل مع الأطفال في المنطقة؛ لأنَّها لا تُخصص جزءاً كافياً من الميزانية لقطاعاتٍ مثل تنمية الطفولة المبكرة والتعليم".
وأضافت توما، التي تلقت تعليمها في المنطقة نفسها، أنَّ "طريقة التدريس تتمثل في التلقين من أعلى إلى أسفل وتعتمد بشدة على الحفظ، وليس إلى ما يريده أصحاب العمل… لذا فهناك حاجة كذلك إلى العمل على تجديد أنظمة التعليم في المدارس نفسها".
ومن ناحيةٍ أخرى، تؤدي النزاعات إلى تفاقم هذه المعايير التعليمية السيئة، إذ يكافح اللاجئون والنازحون داخلياً من أجل الحصول على التعليم.
المنطقة تتخلَّف 10 سنواتٍ إلى الوراء
وقالت توما: "يُمكن وصف الصراعات -لا سيما التي اندلعت منذ عام 2011- وعدم الاستقرار السياسي والعنف المسلح بأنَّها حروب على الأطفال؛ إذ أدَّت هذه الصراعات دوراً أساسياً في عملية التنمية، وجعلت المنطقة تتخَّلف 10 سنواتٍ إلى الوراء".
ونظراً إلى أنَّ المنطقة تضم أكثر من نصف لاجئي العالم ونحو 40% من أطفال العالم الذين يعيشون في بلدان هشة ومتأثرة بالصراعات، فالحد من العنف وزيادة الاستقرار يُمثِّلان عاملين أساسيين لضمان ازدهار الجيل القادم.
إذ قالت توما: "لقد فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الحلقة المفرغة من العنف التي يدفع الأطفال ثمنها؛ إذ يعد العنف أحد الأسباب في أنَّ الصورة العامة قاتمة للغاية، وفي وجود 15 مليون طفل خارج المدراس".
ومن جانبها، اتفقت نيكول عيد أبو حيدر، المديرة التنفيذية لمشروع اتحاد شباب لبنان، مع وجهة نظر توما بشأن آفاق التعليم، وقالت لموقع Al-Monitor الأمريكي: "الشباب في المجتمعات الضعيفة المُعرَّضة للخطر لا يحصلون بالضرورة على أي نوع من تعليم، وإذا تلقوا تعليماً، لا يكون ذا جودةٍ كبيرة دائماً".
إعادة توجيه الميزانيات نحو التعليم والصحة
تجدر الإشارة إلى أنَّ مشروع اتحاد شباب لبنان يهدف إلى تحسين حياة الشباب عبر عقد شراكاتٍ مع الأسر والمدارس لتعليم أطفالٍ من جميع الخلفيات. وفي هذا الصدد، قالت نيكول: "نوفر تعليماً يملأ الفجوة، أي برامج تغطي كل شيء من الرياضيات إلى المهارات الحياتية وتُجمِّع المجتمعات"، مضيفةً أنَّ توفير الفصول وبرامج التعليم المستمرة في لبنان يحسن فرص الأطفال في الحصول على فرص عمل.
لكنَّها لاحظت أنَّ العديد من الطلاب الذين تعمل معهم "قلقون للغاية (حيال فرصهم في الالتحاق بالجامعات حتى لو عملوا بجدٍّ أكبر من أنهم حتى لو عملوا بجد أكبر. فيما يتساءل طلاب الجامعات عن فرصهم في الحصول على وظائف".
وبينما تسعى بعض المجموعات مثل مشروع اتحاد شباب لبنان إلى معالجة هذه المشكلة، أشارت توما إلى أنَّ المسؤولية يجب ألَّا تقع على عاتق الشباب، وحثَّت الحكومات على "إعادة توجيه الميزانيات" نحو التعليم والصحة. ودعت المجتمع الدولي إلى المساعدة في تقليل الصراع. وقالت توما: "إذا لم تحدث كل هذه الأمور، فقد تقع كارثة. يجب أن نفعل كل ما هو ممكن الآن لتغيير هذا الوضع".