هل يستطيع السعوديون الاستغناء عن الثقافة التركية؟ لا والدليل في طرابزون

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/26 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/26 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية / istock

تختلف البحيرات الواقعة فوق قمم الجبال والنسيم البارد كل الاختلاف عن رمال الصحراء الحارقة المحيطة ببلدة نورة. مع ذلك، قالت السائحة السعودية، فيما كانت تتناول رقائق البطاطس في أحد المقاهي بمحافظة طرابزون التركية الوارفة، إنَّها تشعر كما لو أنَّها بالديار.

فالمسجد موجود بجوار المياه، والمطاعم تُقدِّم أطباق الأرز ولحم الضأن السعودية التي تحبها. وتُوقِف المقاهي الموسيقى في أوقات الصلاة تماماً على النحو الذي هي معتادة عليه، ولا ينظر إليها أحدٌ نظرات غريبة بسبب عباءتها السوداء أو النقاب الذي ترتديه.

قالت نورة (24 عاماً) لوكالة Bloomberg الأمريكية في يومٍ قريب من أيام أغسطس/آب فيما كان السياح، العرب الخليجيون بالأساس، يبحرون في البحيرة أو يلتقطون صور السيلفي أمام المسجد: "يمكنني أن أتبع نمط الحياة المُحافِظ الذي أتبعه في السعودية لكن في محيطٍ أخضر جميل وبأسعار معقولة. ماذا قد لا يعجب المرء في تركيا؟".

أسوأ مرحلة في تاريخ البلدين

لكن ما قد يطرب أسماع صناعة السياحة له حتماً منحنى سياسي في الشرق الأوسط. فعلاقة الود المريحة بين السعوديين المتدينين ومضيفيهم الأتراك تخفي صراعاً للقوة بين البلدين المسلمين السُنِّيين المتنافسين في الوقت الذي تحاول تركيا فيه تحقيق نفوذٍ أكبر في العالم العربي.

الأمم المتحدة: محمد بن سلمان متورط في قتل خاشقجي عمداً، ولدينا الدليل. وعلى السعودية الاعتذار لتركيا
الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي/ رويترز

فبعد مرور عام تقريباً على قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، نادراً ما كانت العلاقات على مستوى رسمي بين البلدين أسوأ مما هي عليه الآن. فالغضب السعودي مُوجَّهٌ نحو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، وهما اللذان طعنا في صحة النفي السعودي وكشفا تفاصيل جريمة القتل النكراء. مع ذلك، فإنَّ التسلل الثقافي التركي للسعودية مستمر، وتزداد صعوبة محاولات مقاومته.

لا يمكن الحجر على الشعوب

إذ يواصل الكثير من السعوديين مشاهدة المسلسلات التركية التي مُنِع بثها على القنوات السعودية، وتناول الطعام في المطاعم التي تُقدِّم المشويات والمُعجَّنات التي تظهر في مسلسلاتهم المفضلة. ويشترون الملابس والشموع المُعطَّرة والسجاد التركي.

ويواصلون كذلك السفر إلى المنتجعات التركية، غير عابئين بعناوين الأخبار المنشورة في الصحف السعودية وتُحذِّرهم من كل شيء، بدءاً من الاختطاف وحتى القتل. قال بعض الزائرين إنَّهم يذهبون إلى تركيا لأنَّ سفارتهم لا تزال مفتوحة في أنقرة ولا يوجد حظرٌ رسمي. وسيتوقفون في حال صدور حظر رسمي، تماماً كما فعلوا حين حذَّرت حكومتهم من السفر إلى لبنان.

في مدينة طرابزون المُطِلَّة على البحر الأسود، كان السعوديون يملؤون الساحات الرئيسية وقت العصر. فكان رجلٌ يرتدي سروالاً أسود اللون وقميصاً أبيض يجلس على كرسي في أحد المقاهي فيما كانت زوجته ترفع نقابها خفيةً لتلعق مصاصة خضراء وصفراء.

وكان آخرون يشترون حلوى البقلاوة المتلألئة إلى جانب عصير. واشترت سيدة من مدينة جدة السعودية مستحضرات تجميل تركية. وقالت: "إنَّها أرخص بكثير هنا". وعند سؤالها بشأن التحذيرات، رفضتها قائلةً إنَّها "على تويتر فقط".

الخلاف السياسي بين السعودية وتركيا

وكانت السعودية، مهد الإسلام وأكبر مُصدِّر للنفط، وتركيا، أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الولايات المتحدة، على طرفي نقيض في الكثير من مشكلات الشرق الأوسط مؤخراً.

إذ انتهج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سياسة خارجية أكثر صرامة، فشن حملة قصف على المتمردين اليمنيين وقاد حصاراً على قطر. وفي الوقت نفسه، يحاول أردوغان إعادة النفوذ التركي التقليدي.

يحاول ولي العهد السعودي تبييض صورته في خضمّ الغضب المتزايد حول قتل خاشقجي/ رويترز

وباتت تركيا ملاذاً لجماعة الإخوان المسلمين، المحظورة في المملكة ومُصنَّفة باعتبارها جماعة إرهابية. وقوَّضت الحكومة في أنقرة، بفعالية، كذلك الحظر المفروض على قطر، فصدَّرت المواد الغذائية ومنتجات الألبان إلى الإمارة الخليجية.

وذكرت صحيفة عكاظ السعودية هذا الشهر، أغسطس/آب، أنَّ التكتيكات التركية الجديدة تتضمَّن محاولة التأثير على السعوديين من خلال قوتها الناعمة، مثل المسلسلات التركية والدعم الكبير للسياحة في طرابزون.

قال قمران بخاري، المدير المؤسس لمركز السياسة العالمية في واشنطن: "لا يمكنهم (السعوديون) إغلاق التلفزيونات، وإلغاء رحلات الطيران، والتبادل الثقافي، والقوة الناعمة. لقد حصلوا (الأتراك)، من خلال وسيط الثقافة، بصورة تدريجية ومتزايدة على نفوذ في السعودية والدول العربية الأخرى".

السياحة الحلال

فبحسب وزارة السياحة التركية، زار العام الماضي قرابة 750 ألف سعودي تركيا، بزيادة قدرها 15% عن عام 2017. وفي عام 2011، حين بدأ الربيع العربي، كان الرقم يبلغ أقل من 120 ألفاً.

وقال بخاري إنَّ الفكرة التي تُروَّج لإقناع السعوديين هي "أنَّنا نريد أن نُلبِّي رغبتكم في نمط الحياة الحلال، وسنجعل ذلك ممكناً".

السعوديات المرأة السعودية إذن السفر للسعوديات
حوالي 1000 سعودية غادرن المملكة في أول يوم من تطبيق القانون/ رويترز

من المؤكد أنَّه كانت هناك انتكاسات وإشارات على نجاح الحملة السعودية المضادة. فقال فولكان كانتارشي، رئيس جمعية وكالات السفر التركية في منطقة البحر الأسود، إنَّه كان هناك تراجعٌ كبير في أعداد السياح في طرابزون في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين. وأضاف أنَّ الأمور بدأت تتحسن في يوليو/تموز الماضي بعدما عاد السعوديون إلى بلادهم وأذاعوا أنَّ تركيا آمنة.

قال وكيل عقاري إنَّ هناك تراجعاً في أعداد السعوديين الذين يشترون الشقق في طرابزون هذه السنة. وأضاف أنَّ رجلاً سعودياً قال له إنَّه قلق من أن تقطع بلاده كافة العلاقات مع تركيا ويفقد استثماره.

طرابزون مقصد أهل القصيم

في الواقع، تُظهِر طرابزون مدى جاذبية تركيا، حتى بين المسافرين من القصيم، وهي منطقة سعودية تُمثِّل معقل المذهب الوهابي الصارم في المملكة، بحسب الوكالة الأمريكية.

فاستقلَّت نورة واحدة من رحلات الطيران المزدحمة التي تستغرق ثلاث ساعات من مدينة بُريدة السعودية في القصيم في أغسطس/آب الجاري إلى المطار الصغير في طرابزون قبل أن تتجه إلى بحيرة أوزنجول. وقالت إنَّ مسلسلاً يحمل اسم "الحب الأعمى" جذبها إلى تركيا، ورفضت ذكر اسمها كاملاً في هذا الموضوع شأنها شأن معظم السعوديين الذين يتحدثون مع وسائل الإعلام العالمية.

كانت نورة في البداية قلقة من التحذيرات في الصحف السعودية، لكنَّها غيَّرت رأيها بعدما فنَّد مخاوفها أقارب لها كانوا قد زاروا تركيا في وقتٍ سابق من الموسم السياحي. وقالت: "كان الأمر مجرد كلام إعلامي".

وأظهرت جولة حول البحيرة المدى الذي ذهب إليه الأتراك ليجعلوا هذا المكان جاذباً للعرب الخليجيين. فهذه المنطقة الواقعة شمال شرقي تركيا مُحافِظة بصورة أكبر من المدن مثل إسطنبول، ومعظم النساء هناك يُغطين شعرهن بأوشحةٍ ملونة ويرتدين ثياباً طويلة.

سعوديات في طرابزون التركية/ بلومبيرغ

وأعلن القصَّابون عن خِراف مخصصة للذبح في عيد الأضحى. وطلب أحد المارة من رجل تنبعث أصوات الموسيقى من سيارته أن يُغلِق الموسيقى حين تعالى صوت الأذان من المسجد الموجود عند البحيرة. وفي أحد أستوديوهات التصوير، يمكن للزائرين أن يطلبوا التقاط صور لهم وهم يرتدون أزياء مستأجرة مشابهة لتلك التي ارتدتها شخصياتهم التلفزيونية المُفضَّلة.

ويُعَد حوض السباحة ذو الصوت الناعم المنبعث من نافورته أحد النقاط المُفضَّلة في ساحة طرابزون. قال محمد، وهو مُعلِّم من الرياض، إنَّه يعتزم قضاء 48 يوماً في شقة اشتراها قبل ثلاث سنوات في طرابزون في مبنى اشترت فيه ثماني أسر قريبة له شققاً أيضاً. وقال إنَّ رحلات الطيران المباشرة التي توفَّرت في الأعوام القليلة الماضية جعلت الرحلات والزيارات أرخص.

وقال: "لستُ نادماً على استثماري هنا. المكان آمن لخروج النساء في عائلتي، ولا يتعين عليّ القلق بشأن تعرُّضهن للمضايقات بسبب لباسهن، ولن يواجهن أي شيء من شأنه أن يحرجهن".

وعند سؤاله عما إذا كان قلقاً بشأن التوتر السياسي بين تركيا والسعودية، هزَّ كتفيه وقال: "لا توجد دولة في العالم يمكنها أن تمنحنا ما تمنحنا تركيا".

تحميل المزيد