بعد جمود في الموقف استمر شهوراً كثَّفت روسيا من هجومها على المعقل الأخير للمعارضة السورية مما ساعد قوات النظام السوري على تحقيق تقدم ملموس على الأرض واستولت على مدينة خان شيخون الاستراتيجية وسقوط مئات الضحايا من المدنيين ونزوح الآلاف، والسؤال الآن: ماذا بعد سقوط خان شيخون؟
كيف سقطت خان شيخون؟
بعد أشهر من عدم تمكُّن جيش النظام السوري من إحراز تقدُّم يُذكَر على الأرض وتكبده خسائر فادحة، ألقت روسيا بثقلها وراء الحملة، التي بدأت تتصاعد في أواخر أبريل/نيسان، وشنَّت آلاف الغارات والضربات الجوية على شمال حماة وجنوب إدلب الخاضعين لسيطرة المعارضة فيما وصفه خبراء عسكريون غربيون وشخصيات معارضة بأنه تطبيق "لاستراتيجية الأرض المحروقة".
ولم يعُد وجود قوات روسية تقاتل على الأرض سراً ولا مجرد تقارير بعد أن نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزير الخارجية سيرجي لافروف إقراره يوم الثلاثاء بوجود عسكريين روس على الأرض في محافظة إدلب.
وكان الجيش الروسي يقلل في السابق من دوره المباشر في الحملة التي قالت مصادر استخباراتية غربية إنه استخدم فيها مرتزقة وقوات خاصة كما أدار معارك.
ويُنهي سقوط خان شيخون سيطرة المعارضة على شمال محافظة حماة المجاورة حيث كان جيش العزة، وهو جماعة مسلحة رئيسية، يدافع عن ثلاث بلدات رئيسية هي اللطامة وكفر زيتا ومورك.
وساعد في إحراز التقدم المدعوم من روسيا، وهو الأحدث منذ انتهاء وقف لإطلاق النار قبل نحو أسبوعين، تعزيزات جديدة من قوات بلغ قوامها الآلاف منهم مقاتلون من جماعات تدعمها إيران كانوا غائبين عن المعارك السابقة.
كارثة إنسانية بكل المقاييس
الانتصار الذي حققه نظام الأسد بمساعدة روسيا وإيران في خان شيخون تكلفته باهظة من الناحية الإنسانية، حيث قال سكان ومنظمات حقوقية ومصادر من المعارضة السورية أمس الأربعاء 21 أغسطس/آب إن عشرات الآلاف من الأشخاص فروا إلى الحدود التركية خلال الأيام القليلة الماضية.
فبحسب إفادات لمسعفين ومنظمات غير حكومية والأمم المتحدة، لاقى مئات المدنيين حتفهم وشُرد 400 ألف شخص على الأقل، وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي تحصي عدد القتلى والمصابين وتقدم إفادات إلى منظمات عديدة تابعة للأمم المتحدة، إن 196 طفلاً كانوا ضمن 843 مدنياً قُتلوا منذ بدء الحملة الروسية السورية في أبريل/نيسان.
وترك الفارون مدينة معرة النعمان، وهي مدينة في محافظة إدلب كانت ملاذاً لعائلات فرَّت من مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، فيما سيطرت حملة تقودها روسيا على بلدة خان شيخون الاستراتيجية التي تقع أبعد إلى الجنوب.
وقال عبدالله يونس من معرة النعمان لرويترز: "ما توقفت السيارات… إللي عم تخرج من المدينة"، وذكر عمال إنقاذ هناك أن نحو 60 ألف شخص فروا خلال الأيام الأربعة الماضية فقط.
وأشار سكان إلى أن مقاتلات روسية وسورية كثفت يوم الثلاثاء قصف قرى وبلدات متفرقة حول معرة النعمان وأن مستشفى الرحمة الموجود في المنطقة أصيب في القصف.
وقال عبدالرحمن الحلبي، وهو من المنطقة، لرويترز: "كان هناك 15 غارة في أقل من خمس دقائق" على بلدة جرجناز.
هل حُسم الأمر إذاً؟
مسلحون من المعارضة السورية قالوا إن دورية تركية تحركت أمس الأربعاء من أحد المواقع العسكرية الاثني عشر التي أقيمت في المنطقة وفقاً لاتفاقات أُبرمت مع روسيا، فيما قالوا إنه رسالة من أنقرة بأنها لن تخضع لضغوط الحكومة السورية من أجل الانسحاب.
ورغم تعرض رتل عسكري تركي، كان متوجهاً لأحد مواقع المراقبة قرب خان شيخون يوم الإثنين، لقصف من الجيش السوري، قال مصدر أمني تركي كبير لرويترز إن المحادثات لا تزال جارية مع روسيا حول مصير الرتل العسكري الذي كان في طريقه لأحد المواقع قرب خط الجبهة، وإنه لم يتحرك منذ الهجوم غير أنه من المستبعد تماماً "التخلي عنه".
كما قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، إن جميع مواقع المراقبة التركية في سوريا، التي أقيمت بموجب اتفاق مع روسيا وإيران، ستظل قائمة، وإن أنقرة ستواصل تقديم الدعم لها، بحسب رويترز.
وقال كالين للصحفيين، بعد اجتماع وزاري، إن الرئيس رجب طيب أردوغان سيُجري اتصالات هاتفية مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في الأيام المقبلة لبحث التطورات في سوريا.
وأضاف أن جدولاً تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة المزمعة إلى الشرق من نهر الفرات في سوريا سيُنفذ تدريجياً في الأسابيع المقبلة، وقال إن القوات التركية والأمريكية ستبدأ دوريات مشتركة في المنطقة "قريبا".
وفي واشنطن، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن وزير الدفاع مارك إيسبر تحدث مع نظيره التركي، أمس الأربعاء، وإن الآلية الأمنية في شمال شرق سوريا ستُنفَّذ في "مراحل محددة".
وجاء في بيان للبنتاغون أن إيسبر ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار "أكدا عزمهما على اتخاذ خطوات عاجلة ومنسقة لتنفيذ إطار العمل مثلما اتضح من خلال إقامة مركز التنسيق المشترك في تركيا".