أصبح ميزان القوى النووية في العالم عرضةً للتقلب، بشكل يزيد احتمال الحرب النووية، فمن المسؤول عن انهيار معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي حدت من سباق التسلح النووي منذ نهاية الحرب الباردة.
من الواضح أن الولايات المتحدة وروسيا تعتزمان نشر أسلحة نووية قصيرة المدى، ومن غير المحتمل أن تعقد اتفاقية جديدة لوقف عملية نشر هذه الصواريخ بعد انهيار هذه المعاهدة، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
صاروخ نووي ينعى المعاهدة
أجرت الولايات المتحدة الأمريكية في 18 أغسطس/آب 2019، اختباراً ناجحاً لصاروخ متوسط المدى يُطلق من الأرض ويمكن تزويده برأس نووي.
وهو نفس النوع الذي تحظره معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى، وقد أعلنت حكومة ترامب انسحابها رسمياً منها، في أول أغسطس/آب 2019.
وأعلن البنتاغون في بيانٍ له أن اختبار صاروخ كروز التقليدي الذي يُطلق من الأرض قد أُجري في جزيرة سانت نيكولاس قبالة كاليفورنيا.
وأوضح البيان أن "الصاروخ انطلق من منصته الأرضية المتحركة، وأصاب هدفه بدقة بعد أن حلق لمسافة 500 كم (310 أميال)" .
وأضاف البيان: "إن البيانات المجموعة والدروس المستفادة من هذا الاختبار ستفيد (وزارة الدفاع) في تطوير صواريخ متوسطة المدى"
يبدو أن الصاروخ الذي أُطلق في الاختبار كان من طراز توماهوك الذي تستخدمه القوات الأمريكية بنوعَيْه: الذي يطلق من البحر، والذي يُطلق من الجو.
وقد نشرت القوات الأمريكية صواريخ توماهوك تُطلق من الأرض في الفترة ما بين عامي 1983 و1991.
ويتميز هذا النوع بقابلية تركيب رأس حربي نووي وبنطاقه الذي يبلغ 1,600 ميل، ولكن أجبرت معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى كلاً من الولايات المتحدة وروسيا على سحب 400 و 1,500 صاروخ نووي يُطلق من الأرض على التوالي، ويتراوح نطاق هذه الصواريخ بين 310 و3,400 ميل.
مَن المسؤول عن انهيار معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى؟
قضى ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المعاهدة؛ مما يُعد إيذاناً بعودة إطلاق الصواريخ متوسطة المدى، حسب التقرير.
في عام 2011، ظهرت أول علامة على أن المعاهدة التي عُقدت عام 1987 في خطر، حيث حذرت الحكومة الأمريكية بقيادة باراك أوباما من أن عملية تطوير صواريخ كروز متوسطة المدى ومزودة برؤوس نووية، التي بدأتها روسيا عام 2008، قد تُعد انتهاكاً لبنود المعاهدة.
وأثارت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الموضوع لأول مرة عام 2013 مع الكرملين. وفي آخر هذا العام أعلن البيت الأبيض رسمياً أن روسيا تنتهك المعاهدة.
الدرع الموجّه لإيران استفز روسيا
وتُعد الولايات المتحدة مسؤولة عن إجراءاتها الاستفزازية، حسب المجلة الأمريكية.
إذ بدأ البنتاغون عام 2015 تنصيب دفاعات صاروخية في رومانيا.
وقد صُممت صواريخ SM-3 الاعتراضية التي تم تنصيبها لضرب الصواريخ الباليستية المنطلقة من إيران باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها غير قادرة على إيقاف القذائف النووية متوسطة المدى المنطلقة من أوروبا.
لكن روسيا اعتبرت صواريخ SM-3 تهديداً لها، ومؤشراً على أن الولايات المتحدة تطور أسلحتها متوسطة المدى. وفي وقت ما من عام 2017، تمكن الجيش الروسي من تنصيب صواريخ متوسطة المدى من طراز SSC-8 في موقع على الحدود الروسية الغربية.
وفي الوقت ذاته، وضعت إدارة ترامب خططاً لتنصيب عدد من الأسلحة النووية، من بينها أسلحة نووية تعبوية أصغر حجماً قد تكون الولايات المتحدة مستعدة لاستخدامها أكثر من الأسلحة الاستراتيجية الأكبر والأكثر قوة.
الصين وراء القرار الأمريكي
واتخذت إدارة ترامب من الصين ذريعةً لإلغاء معاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى، حيث لم تنضم الصين لهذه المعاهدة التي أبرمت عام 1987.
كما قننت وثيقة استعراض الوضع النووي، التي أصدرت عام 2018، في ظل إدارة ترامب، خططاً لمضاهاة أسلحة روسيا النووية.
وقد أطلق انتهاء المعاهدة العنان لكلتا الدولتين لتطوير وتنصيب الأسلحة التي اختفت من أوروبا لعقود طويلة.
ترامب يريد معاهدة جديدة ولكن خطر الحرب النووية تضاعف
علق بروس بلير الباحث في قضايا الأمن النووي في جامعة برنستون قائلاً "تزيد السياسات الجديدة من فرص اندلاع حرب نووية" .
وقال ترامب في خطاب حالة الاتحاد، في فبراير/شباط 2019، إن الولايات المتحدة قد تدخل في مفاوضات لعقد معاهدة جديدة لتحل محل معاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى، وقد تضم الاتفاقية الصين.
يرى غريغوري كولاكي، خبير الأمن النووي وعضو اتحاد العلماء المهتمين بولاية ماساتشوستس، أن هذا احتمال بعيد.
قد تضطر الولايات المتحدة إلى الموافقة على قيود كبيرة على ترسانة أسلحتها، لكي تقنع الصين بالانضمام للمعاهدة. لكن المشكلة أن إدارة ترامب ترغب في قيود أقل على أسلحتها.
وقال ترامب في خطابه "عقدت الولايات المتحدة منذ عقود هذه المعاهدة مع روسيا، واتفقتا حينها على الحد من القدرات الصاروخية" وقد التزمنا بالمعاهدة بحذافيرها، في حين خرقت روسيا بنود الاتفاقية مراراً.
وأضاف: "لهذا أعلنت انسحاب الولايات المتحدة رسمياً من المعاهدة، ربما نتفاوض على اتفاقية جديدة تضم الصين ودولاً أخرى، وقد لا نتمكن من إبرام اتفاقية أخرى، وحينها سنتفوق على باقي الدول في الابتكارات والإنفاق على الأسلحة النووية" .
فبكين لديها سلاح غير نووي يقلق واشنطن
مشكلة الصين ليست الأسلحة النووية بل الأسلحة غير النووية.
كتب كولاكي "لدى الصين عدد محدود من الصواريخ متوسطة المدى المزودة برؤوس نووية يتفق مع الحد الأصلي الذي وضعته معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى"، "لكنها تملك عدداً كبيراً من الصواريخ التقليدية من هذه الفئة التي تعد مصدر القلق الأكبر لمؤيدي انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة" .
أضاف كولاكي "قد ينجم عن التوصل إلى طريقة للتفاوض بشأن توسيع نطاق الاتفاقية، بحيث تجبر الصين على تفكيك هذه الصواريخ مشكلات جديدة وصعبة، لكنه سيؤدي أيضاً إلى محادثات خلاقة بشأن كيفية تعزيز الثقة وحفظ السلام في شرق آسيا" .
ولكن المجلة الأمريكية تعلق قائلة "ولكن للأسف من غير الوارد أن يكون لدى المؤيدين الأمريكيين لإنهاء المعاهدة نية لإجراء محادثات مع الصين لضمها إلى مثل هذه المعاهدة" .