يبدو أن واشنطن ترفض الهزيمة النكراء التي تعرضت لها حتى الآن في معركة ناقلة النفط الإيرانية التي كانت محتجزة لدى سلطات جبل طارق التابعة للتاج البريطاني، بإيعاز من واشنطن، والسؤال الآن: ما هي السيناريوهات المتاحة لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب لحفظ ماء الوجه دون الدخول في الحرب التي لا يريدها أحد؟
تحذيرات واشنطن عَرْض مستمر
بعد أن تحركت الناقلة غريس1 سابقاً أدريان داريا حالياً من جبل طارق بعد الإفراج عنها وفشل واشنطن في منع إطلاق سراحها، حذرت الولايات المتحدة الحكومة اليونانية والسلطات المسؤولة عن موانئ البحر المتوسط من التعاون مع الناقلة التي أُطلق سراحها الأحد الماضي 18 أغسطس/آب، بعد أكثر من شهر من احتجازها.
مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي قال تعليقاً على إطلاق سراح الناقلة: "من المؤسف أن هذا قد حدث" .
وفي لقاء أجرته معه قناة فوكس نيوز، أضاف بومبيو: "إيران كانت ناجحة في جني أرباح من شحنات النفط، وسوف تحصل قوات الحرس الثوري الإيراني على المزيد من الأموال، والمزيد من الثروات، والمزيد من الموارد التي تمكنها من الاستمرار في أنشطتها الإرهابية" .
في المقابل، قالت طهران إن أي تحرُّك أمريكي جديد ضد الناقلة سوف يكون له "عواقب وخيمة"، وأعلن قادة إيرانيون استعدادهم لإرسال أسطول لمرافقة الناقلة لمنع التعرض لها في المياه الدولية حتى تصل إلى وجهتها.
إلى أين تتجه الناقلة؟
بحسب وجهتها الحالية، أوضحت خدمة "تانكر تراكرز" أن ارتفاع الجزء المغمور من الناقلة العملاقة لا يتيح لها عبور قناة السويس، ما سيجبرها على التخفيف من حمولتها، والتي تُقدَّر بنحو 2.1 مليون برميل نفط، أي أن الناقلة لابد أن تفرغ نحو مليون برميل نفط لتتمكن من عبور قناة السويس، ومن المستبعد أن يحدث ذلك في إحدى الدول الأوروبية أو مصر.
الخدمة أضافت أن عمق الناقلة تحت الماء يجب ألا يتجاوز 17.32 متر، إلا أنه يبلغ حالياً 22.1 متر، ورغم إبحارها في مسار نحو مدينة كالاماتا في اليونان، فإن خبراء "تانكر تراكرز" يرجحون أن تتجنب إيران المياه الأوروبية، وأن تفضل الإبحار في المياه الدولية.
هل يكون الحل في تركيا؟
رجحت المؤسسة أن تتجه "أدريان داريا 1" إلى ميناء بنديك بإسطنبول التركية، حيث توجد ناقلة إيرانية أخرى تجري إصلاحات، اسمها "تور 2″، ليتم نقل النفط إليها قبل أن تعود إلى السويس، بحسب تقرير لموقع عربي 21.
السيناريوهات المتاحة
السؤال الآن ماذا يمكن لإدارة ترامب أن تفعل كي تحرم طهران من اكتمال انتصارها الذي لا شك أنه تحقق بالفعل؟
من الناحية القانونية، يعتبر الأمر القضائي بمصادرة الناقلة والذي أصدرته محكمة فيدرالية أمريكية بدون قيمة حقيقية من الناحية القانونية، لأن واشنطن فقط هي من تصنف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية، كما أنه لا يوجد دليل على أن الناقلة تابعة للحرس الثوري، وبالتالي من غير المرجح أن تتخذ سلطات أي دولة أخرى إجراء قانونياً ضد الناقلة بناء على مذكرة المصادرة القضائية الأمريكية، وهذا ما حدث من سلطات جبل طارق.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يدرك ذلك بالطبع، وأكد عليه في تعليقه على إصدار مذكرة الاحتجاز الأمريكية بقوله إن الولايات المتحدة ليس لديها أساس قانوني تستند إليه في إصدار مذكرة احتجاز، وإن هذه المذكرة "محركة سياسياً لتحدث المزيد من التصعيد" .
من الناحية السياسية، تبدو خيارات واشنطن أيضاً محدودة في ظل عدم وجود اتفاق من أي دولة تقريباً مع السياسة الأمريكية الحالية تجاه إيران، وخصوصاً بعد أن باعدت لندن بينها وبين الموقف الأمريكي مؤخراً في مسألة الناقلة لأسباب عديدة، أبرزها انشغال لندن بمسألة مغادرة الاتحاد الأوروبي واحتجاز طهران لناقلة بريطانية من المرجح إطلاق سراحها قريبًا.
ومن الناحية العسكرية، من المؤكد أن يؤدي إقدام واشنطن على احتجاز الناقلة بالقوة العسكرية في المياه الدولية إلى فتح أبواب الأزمة على كل الاحتمالات، فإيران سترد قطعاً بصورة أعنف، مما قد يُشعل مواجهة عسكرية مفتوحة أصبح واضحاً وضوح الشمس الآن أن ترامب – المشغول بحملته الانتخابية للبقاء في البيت الأبيض – لا يريدها ولن يقدم عليها رغم تهديداته المتكررة.
السيناريو الأقرب إذاً هو أن تحاول واشنطن تعطيل الناقلة عن طريق ممارسة ضغوط سياسية وربما التهديد بعقوبات كما فعلت الآن مع اليونان، لكن توجُّه الناقلة إلى ميناء تركي مثلاً للتخفيف من حمولتها – بحسب السيناريو الذي رجحه خبراء تتبع السفن – ربما يُفسد المساعي الأمريكية.
الخلاصة هنا أن انتصار إيران في معركة الناقلة بإطلاق سراحها من جبل طارق يبدو انتصاراً كاملاً لا ينقصه سوى مشهد عودة الناقلة إلى إيران لتبدأ الاحتفالات، إلا إذا وجد صقور الإدارة الأمريكية بومبيو وجون بولتون وغيرهما وسيلة لإقناع ترامب باستخدام الخيار العسكري لإعادة احتجاز الناقلة، وساعتها لا أحد يدري إلى أين سيؤدي هذا الخيار.