ماذا حدث في معركة الناقلة؟
قامت قوات البحرية البريطانية باحتجاز ناقلة نفط عملاقة تدعى غريس1 ترفع عَلَم بنما، وذلك في مياه مضيق جبل طارق، بحجة أن الناقلة الإيرانية التي تزيد حمولتها عن 2 مليون برميل من النفط الخام كانت في طريقها إلى سوريا الواقعة تحت عقوبات الاتحاد الأوروبي.
التحرك البريطاني في جبل طارق جاء بناء على طلب من الإدارة الأمريكية كما اتضح لاحقاً، وبناء عليه جاء التحرك البريطاني وقامت سلطات جبل طارق باحتجاز السفينة، لتجد بريطانيا نفسها في مواجهة مباشرة مع طهران.
ردّ إيراني فوري وحاسم
إيران هددت بريطانيا إما إطلاق سراح الناقلة فوراً ودون شروط وإما المعاملة بالمثل، وهو ما حدث بالفعل حين قام الحرس الثوري والبحرية الإيرانية باحتجاز ناقلة نفط بريطانية هي ستينا إمبيرو في عملية عسكرية تكاد تكون متطابقة مع ما حدث في احتجاز غريس 1، لتنطلق بعدها سلسلة من التهديدات المتبادلة.
إطلاق سراح الناقلة
بعد نحو ستة أسابيع، انتهت المعركة بقرار سلطات جبل طارق إطلاق سراح الناقلة غريس 1، على أساس تقديم إيران ضمانات خطية بأن النفط غير متجه إلى سوريا وهو ما نفته طهران، وإن كانت هذه النقطة برمتها لا تعني الكثير في النتيجة النهائية للمعركة وهو إطلاق سراح الناقلة.
حاولت واشنطن في آخر لحظة عرقلة الانتصار الإيراني عن طريق إصدار مذكرة توقيف بحق الناقلة من محكمة أمريكية، لكن سلطات جبل طارق رفضت الطلب الأمريكي، ولهذه النقطة تحديداً انعكاسات ونتائج أعمق سنتطرق إليها لاحقاً.
التحدي الإيراني يبلغ منتهاه
إيران قررت تغيير اسم الناقلة واستبدال العَلَم الذي ترفعه إمعاناً في إظهار التحدي لواشنطن، حيث سمّتها "أدريان دريا" (نيران البحر الحمراء)، وأعلنت طهران استعدادها لإرسال أسطول لمرافقة الناقلة، مهددة في نفس الوقت باحتجاز ناقلات وسفن تجارية أمريكية في مضيق هرمز إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على التعرض للناقلة.
ماذا يعني ذلك؟
ما حدث يعني ببساطة أن إيران الآن في وضع أفضل وأقوى بكثير مما كانت عليه قبل احتجاز الناقلة في جبل طارق، فهي الآن تمتلك حكماً قضائياً من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يمكنها قانوناً من بيع النفط، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
إطلاق سراح الناقلة سيؤدي بالقطع إلى إطلاق سراح الناقلة البريطانية، رغم التصريحات من هنا وهناك بعدم ارتباط الأمرين، فالكل يعلم أن هذا غير صحيح، وأن المعركة ليست قانونية بل سياسية، وهذا سيؤكد ما قاله الرئيس الإيراني بوضوح: "النفط مقابل النفط، والسلام مقابل السلام، والحرب مقابل الحرب" .
الأهم هنا هو الرسالة التي وصلت لأوروبا وتصب في مصلحة إيران، وهي أن معركة الناقلة ستقوي من رغبة الأوروبيين في النأي بأنفسهم عن سياسات ترامب بعد أن فقد مصداقيته تماماً في هذه المنطقة الهامة، فمنذ اللحظة من يمكنه أن يأخذ تهديدات ترامب لإيران مأخذ الجد أصلاً؟
حلفاء واشنطن في المنطقة
الرسالة بالطبع لم تصل أوروبا فقط، بل المؤكد أنها وصلت الآن واستقرت لدى حلفاء ترامب في المنطقة، وخصوصاً السعودية والإمارات والبحرين، حيث إن تنفيذ طهران لتهديداتها ضد بريطانيا واحتجاز ناقلة نفط تخصها وتهديد سفينة حربية بريطانية بعدم التدخل، وأن ينتهي كل ذلك الاستفزاز بأن تحقق إيران ما أرادته، في حين بدت واشنطن عديمة الحيلة لهذه الدرجة، كل هذه عوامل تدعو للقلق بالتأكيد.
السعودية التي خسرت الكثير في حرب اليمن ولا تزال تخسر عسكرياً وسياسياً واقتصادياً دون أي بادرة لأن تحقق أياً من أهدافها هناك، تجد نفسها الآن في مواجهة مباشرة مع طهران، بينما الحليف القوي في البيت الأبيض مشغول بحسابات عام الانتخابات تاركاً الرياض فريسة لعدو مستعد وله وكلاؤه الذين لا يتوقفون عن توجيه الضربات الموجعة.
الإمارات ربما تكون في وضع أفضل من السعودية بعد أن انتبهت مبكراً للخطر وامتنعت عن مناصبة طهران العداء بشكل مفتوح، كما قررت الانسحاب من اليمن بعد أن ضمنت تحقيق أهدافها هناك.
الدروس التي أفرزتها معركة ناقلة النفط أو موقعة جبل طارق، سمِّها كما شئتَ، كثيرة ومتشعبة، والفائز الأبرز فيها إيران، وربما أيضاً بريطانيا؛ لأنها فرصة للابتعاد ولو قليلاً عن الموقف الأمريكي دون الدخول في معركة دبلوماسية مع واشنطن، بعد أن ألقت الكرة في ملعب سلطات جبل طارق، لكن الخاسر الأكبر هو بالقطع واشنطن وحلفاؤها في المنطقة خصوصاً السعودية.