إذن، وقَّع قادة السودان العسكريون والمدنيون، السبت 8 أغسطس/آب، اتفاقاً تاريخياً لتقاسم السلطة ضمن احتفال بهيج في العاصمة الخرطوم، ليعلنوا بذلك فصلاً جديداً يعقب ثمانية أشهر مضطربة، في حياة ذلك البلد الإفريقي مترامي الأطراف، الذي هزَّته احتجاجاتٌ شعبية دامت ثمانية أشهر، علاوة على قمع عسكري دموي للمتظاهرين.
هل يكون السودان استثناءً في المنطقة؟
- تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، لم يكن لكثير من السودانيين أن يتخيلوا أن عمر حسن البشير، حاكمهم المكروه على مدى 30 عاماً، سيقبع في أسوأ سجون السودان بانتظار محاكمته بتهم الفساد التي من المنتظر أن تبدأ يوم الاثنين 19 أغسطس/آب. في حين يقيم السودانيون الاحتفالات في جميع شوارع البلاد، حيث الموسيقى والشعر والألعاب النارية.
- وفي منطقة شهدت فشل عدد من الثورات أو انقلابها للنقيض خلال السنوات الأخيرة، يأمل السودانيون أن يكونوا استثناءً.
- لكن بالنسبة للكثيرين، هدأت الحقائق المؤلمة لانهيار البلاد الاقتصادي من النشوة، علاوة على التنازلات القاسية لاتفاق تقاسم السلطة التي تضمن للجيش، الذي يقوده بعضٌ من أقرب نواب البشير، أن يُبقي قبضته على السلطة.
- يقول محمد أزهري، الطبيب الشباب الذي نزل مع الكثيرين لإسقاط البشير: "نراهن بكل شيء على هذا". وتابع: "يشعر الناس بالتفاؤل؛ لكن هناك الكثير من المشاعر المختلطة أيضاً. ندعو الله أن يأتي الأفضل".
- في السياق، وُقِّعَ الاتفاق في حضور قادة إقليميين على رأسهم: آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي اضطلع بدورٍ محوري في إعادة إحياء محادثات تقاسم السلطة بعد الحملات العسكرية المميتة التي قمعت المتظاهرين في يونيو/حزيران الماضي، وحظي أحمد لدوره المحوري هذا السبت بتصفيق حار لم يحظى به الآخرون، خلال حفل التوقيع على الاتفاق في الخرطوم.
ما تفاصيل الاتفاق الدستوري؟
- يمهد الاتفاق الطريق لتعيين حكومة انتقالية تتولى زمام السلطة في 1 سبتمبر/أيلول، لتحل محل المجلس العسكري الذي أطاح بالبشير في أبريل/نيسان. وستحكم الإدارة الجديدة السودان لما يزيد قليلاً عن 3 سنوات فقط، حتى يمكن إجراء انتخابات.
- تقسم الترتيبات السلطة بين الجيش السوداني، الذي سيطر على البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1956، والتحالف المدني الذي انتشر في الشوارع في ديسمبر/كانون الأول؛ لكن الجيش يمتلك اليد العليا.
- ويترأس الحكومة عبدالله حمدوك، الخبير الاقتصادي، فيما تذهب السلطة إلى المجلس السيادي الذي يتقاسمه القادة العسكريين والمدنيين.
- وسيقود المجلس خلال أول 21 شهراً الفريق الأول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي. وسيُسيطر الجيش كذلك على جزء كبير من الإنفاق الوطني.
كيف سيكون شكل السنوات الثلاث القادمة؟
- خلال الثلاث سنوات الانتقالية، سيحكم البلاد مجلسٌ سيادي يتألَّف من خمسة من المدنيين وخمسة من ضباط الجيش، إلى جانب عضو حادي عشر يشترك الطرفان في اختياره.
- وقد رشحت قوى التغيير والحرية حمدوك، الخبير الاقتصادي الذي عمل في مؤسساتٍ دولية، لقيادة حكومة خبراء تعمل تحت المجلس السيادي.
- ستستلم الإدارة الجديدة البلاد في حالة من الانهيار الاقتصادي، مع ارتفاع معدلات التضخم، ونقص الغذاء والوقود والكهرباء، وتهالك البنية التحتية الذي أدى إلى انغمار مناطق واسعة من الخرطوم بالأمطار الموسمية خلال الأسابيع الأخيرة.
- وقد أطلق الغضب الشعبي من رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف أولى الاحتجاجات ضد البشير في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقد حذَّر الخبراء من أن السودان يحتاج بشكل عاجل إلى مساعدة دولية لجلب الاستقرار إلى وضعه الاقتصادي الحرج، وتجنب المزيد من الاضطرابات.
- وفي الوقت ذاته، يعرب بعض الخبراء عن قلقهم من كون الحكومة الانتقالية فرصةً جديدةً للجنرالات الجشعين لإثراء أنفسهم ومؤيديهم.
هل سيحاكم البشير وقتلة المتظاهرين؟
- سيُسيطر الأعضاء المدنيون على جميع الوزارات مع استثناءين كبيرين: وزارة الدفاع والداخلية، اللتان ستبقيان تحت سيطرة الجيش. وهذا يعني أن هناك احتمالات محدودة لمحاكمة الانتهاكات العسكرية السابقة في عهد البشير، أو حتى لمحاكمة البشير نفسه.
- وقال الجنرالات العسكريون إن البشير لن يُرسَل ليمثل أمام المحكمة الدولية في لاهاي، حيث يواجه منذ عقد من الزمان اتهامات بالمسؤولية عن تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
- في حين، قالت جوان نيانيوكي من منظمة العفو الدولية إن المحاكمة المتوقع أن تبدأ يوم الاثنين 19 أغسطس/آب "خطوة إيجابية نحو المساءلة"؛ لكن البشير يجب أن يحاسب على الانتهاكات التي ارتكبها ضد شعبه. مضيفة: "لقد تهرب عمر البشير من العدالة لفترة طويلة جداً، فيما لا يزال ضحايا الجرائم المروعة ينتظرون العدالة والتعويض".
التنازل الصعب.. لماذا رحب البعض بالاتفاق بحذر؟
- بالنسبة لبعض الثوريين، خاصة ممن فقدوا أصدقاءً خلال أحداث العنف، فإن اتفاق تقاسم السلطة يمثل انتصاراً حلواً ومراً معاً، وقد رحَّبوا به بحذر.
- تقول سارة عبد الجليل من تجمع المهنيين الذي نهض بدور محوري في الحركة الاحتجاجية: "من المحزن جداً بالنسبة إلينا أن البلاد ستكون تحت حكم ضباط الجيش". وتابعت: "إنه تنازل صعب للغاية. نأمل فقط أن نتوصل إلى حكومة يقودها مدنيون في نهاية الثلاث سنوات. وإذا فشلنا، سنعود إلى الشوارع مرة أخرى" .
- وردَّدَت عبدالجليل شكاوى غيرها من أن النساء لم يحظين بتمثيل مناسب في المفاوضات مع الجيش. والآن، تقول إنه من المتوقع أن يكون واحداً على الأقل من الأعضاء الخمسة في المجلس السيادي سيدة. وأضافت عبد الجليل: "سنرى ونحسب عند إعلان أسماء الوزراء".
هل سيلبي الاتفاق طموحات الشباب السوداني؟
- أثارت الانتفاضة الشعبية، التي بلغت ذروتها بإطاحة البشير في 11 أبريل/نيسان، آمال الشباب السوداني، وخاصة النساء، اللاتي كن يائسات من الحصول على فرصة لسحب بلادهن من دوامة الحكم البشيري القاسي، والعزلة الدولية.
- وكان لدى السودانيين في دارفور وغيرها من مناطق الصراع أمل متزايد في أن يتوصلوا في النهاية إلى تسوية سلمية مع الحكومة المركزية.
- تقول صحيفة The New York Times، إن شروط اتفاق تقاسم السلطة نفسها أصبحت ملطخة بالدماء بعد حملة القمع التي انطلقت في 3 يونيو/حزيران بقيادة قوات الدعم السريع، وهي وحدة شبه عسكرية شهيرة أطلقت في الخرطوم عاصفةً من النيران وجرائم الاغتصاب خلَّفت 128 قتيلاً على الأقل.
- وبعد عدة أسابيع، استُعيدت جثث المتظاهرين من النيل، تلف بعضهم كتل خرسانية بإحكام. ومنذ ذلك الحين، ظهر اللواء محمد حمدان (حميدتي) باعتباره أقوى رجل في البلاد، حتى وإن فاقه الفريق أول البرهان في الرتبة.