بعضها يرفع علم فلسطين وأخرى تهاجم الإسلام.. الأجندات الغامضة لأندية كرة القدم وانتماءاتها السياسية 

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/18 الساعة 16:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/18 الساعة 16:36 بتوقيت غرينتش
جماهير نادي سيلتيك الأسكتلندي ترفع علم فلسطين/مواقع التواصل

قد تكون مشجعاً متحمساً لناد أوروبي شهير، ولكنك لا تعرف جذوره أو المبادئ السياسية لمشجعيه، التي قد تكون صادمة لك، ولذا يجب عليك معرفة الخريطة السياسية للأندية الأوروبية.

وتتنوع هذه الخريطة بين الأندية اليسارية في مواجهة الأندية اليمينية التي تلامس بعضها الفاشية، إضافة إلى الأندية الانفصالية، حسبما ورد في تقرير لموقع The Football Faculty .

في كرة القدم الإنجليزية، تميل اللعبة لأن تكون كياناً منفصلاً تماماً عن السياسة. 

صحيح أنَّه يُوجد بعض "اللاعبين السياسيين" أحياناً، والذين استغلوا مكانتهم لنشر وجهات نظرهم، ولكن بإمكانك القول إنّ جمال كرة القدم الحديثة على الأرجح يكمُن في عدم تأثُّرها إلى حدٍ كبير بالعالم "الحقيقي".

ولكن بطبيعة الحال، فإنّ أندية كرة القدم والسياسة تُصبح أحيانا مُتجانسة. فمن ناحية، ليس من المستغرب أن نجد نادياً شديد الإندماج مع مجتمعه المحلي، وله علاقةٌ بالآراء التي يحملها شعب ذلك المكان.

وسيتناول هذا التقرير أندية كرة القدم الأوروبية تلك التي أصبحت مرادفاً للسياسة. وسيركِّز في الجزء الأول على الأندية اليسارية.

هل معظم أندية بريطانيا تنتمي لليسار السياسي؟

إبان الانتخابات العامة التي أُقيمت عام 2015 في المملكة المتحدة، وُجِدَ أنّ غالبية أندية كرة القدم في الدوري الإنجليزي تقع داخل دوائر انتخابية يُمثلها "حزب العمال" البريطاني. 

وهذا قد يعني في مضمونه أنَّ كرة القدم الإنجليزية "يسارية الهوى".

إذ أن 18 من أصل 20 نادياً في الدوري الإنجليزي الممتاز تتبع هذه القاعدة (90%)، وهي القاعدة التي تمتد أيضاً إلى 55 من أصل 92 نادياً في مختلف دوريات كرة القدم الإنجليزية.

ولكن القائمة التالية سوف تكشف لك أنّ هذه الفكرة مُضلِّلة. فرغم أنّ كرة القدم هي رياضة "الطبقة العاملة"، لكن الأندية تقع على الأغلب في دوائر حزب العمال لأنّ المناطق الحضرية في إنجلترا تميل إلى التصويت لحزب العمال، وبهذا تقع أندية كرة القدم عادةً في المدن.

أما "حزب المحافظين"، فيتمتع بشعبيةٍ أكبر داخل المناطق الريفية، والتي بدورها لا تستضيف الكثير من الأندية القائمة.

وتشير خارطة نتائج الانتخابات العامة في المملكة المتحدة عام 2015 أن القطاعات التي تُمثِّل "حزب العمال تميل إلى أن تكون داخل المدن.

وبيت القصيد هنا هو أنَّ كرة القدم في المملكة المتحدة لا علاقة لها بالسياسة على الأغلب. 

وربما كان نادي ليفربول واحداً من أنشط الفرق التي لها علاقةٌ بحزب، ولكن -باستثنائه- تقع الأندية المُسيَّسة الأكثر إثارةً للاهتمام في أجزاء أخرى من القارة الأوروبية.

أبرز الأندية اليسارية الأوروبية

نادي سيلتك من مدينة غلاسكو.. عندما تنتقل الخلافات الطائفية لكرة القدم

سنظل في البداية داخل المملكة المتحدة. وتحديداً في ديربي "الأولد فيرم" -أي الأندية القديمة- الكبير بين ناديي سيلتك ورينجرز. 

إذ ترجع أصوله إلى الأحداث السياسية والدينية، إذ أن أسكتلندا كانت دولةً كاثوليكية حتى "الإصلاح الاسكتلندي" في القرن السادس عشر الميلادي، وحينها تحوَّلت البلاد إلى المشيخية (والتي كانت في الأساس مُجرّد كلمةٍ مُطوَّلة لـ"كنيسة إسكتلندا") المرتبطة بالبروتستانتية.

وإبان تحوُّل مدينة غلاسكو الأسكتنلدية (ويشمل ذلك نادي رينجرز) بعيداً عن الكاثوليكية، تماشياً مع تغير إسكتلندا الديني، انتقل العديد من المهاجرين الأيرلنديين إلى الطرف الشرقي من غلاسكو هرباً من الصعوبات الاقتصادية. 

وعلى غرار الحالة المنتشرة للأسف في المجتمع البريطاني الحديث، لم يُرحِّب البروتستانت في غلاسكو بالكاثوليك الأيرلنديين، مما زاد استقطاب الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية داخل المدينة. وبحسب دراسةٍ نُشِرَت عام 2003، فإنَّ 74% من مُشجعي نادي سيلتك يُعرِّفون أنفسهم بأنّهم كاثوليك، في حين يقول 10% فقط إنّهم بروتستانت. 

وعلى الجهة المقابلة في نادي رينجرز، تنعكس هذه الأرقام فتصبح 2% كاثوليك و65% بروتستانت.

يرفضون ضم لاعبين مختلفين في المذهب وأحدهم يؤيد فلسطين

جذور نادي سيلتك، والطبيعة المُرّة لديربي "الأولد فيرم"، مُترسِّخةٌ في جذور ذلك الانقسام الديني. 

ورغم أنّ الأندية أصبحت أقل تعصُّباً تُجاه ذلك الانقسام في العصر الحديث، لكن الناديين رفضا في بعض الأحيان التوقيع للاعبين لهم خلفيةٌ دينية تختلف عن النادي، ولا نزال نسمع عن بعض الحوادث الصادمة -مثل حصول نيل لينون، المدير الفني السابق لنادي سيلتك، على رصاصةٍ في البريد قبل إحدى المباريات.

ومن ثمّ، فإنّ سيلتك ورينجرز هما ناديان "مُسيّسان"، ويُمكن القول إنّ كليهما يساريٌ بطبيعته.

مشهد لجماهير سيلتيك هي ترفع علم فلسطين/رويترز

ولكن تركيزنا انصب هنا على نادي سيلتك (وليس رينجرز)، لأنّ جماهير سيلتك ترسم نفسها في صورة "الجبهة العريضة لمُعاداة الفاشية والعنصرية والطائفية". وفي الحقبة الحالية، كانت تلك الأُسس التاريخية هي الدافع المُحفِّز للكثير من المواقف السياسية، مثل أعلام إقليم الباسك وفلسطين التي تُرفع باستمرارٍ داخل ملعب "سيلتك بارك" في الآونة الأخيرة.

نادي ليفورنو.. انتماء سياسي يعود لستة قرون 

ليفورنو هو نادٍ رائع حقاً، حسب تعبير كاتب التقرير.

إذ يُجسِّد تمثيلاً يسارياً لأولئك الذين لم ينجرفوا نحو اليمين الأكثر تقليديةً الآن في إيطاليا. 

ولا نقصد هنا أن ننفي وجود أنديةٍ يسارية "تقليدية" بجانب ليفورنو داخل إيطاليا، ولكن المقصود هو التأكِّيد على أن نادي ليفورنو يُمثِّل تجسيد هذه الأيديولوجية داخل اللعبة الإيطالية. مما أدّى إلى اندلاع القتال بين جماهيره من ناحية، ومجموعات الأولتراس التابعة لأندية روما ولاتسيو وإنتر ميلان وميلان وفيرونا من ناحية أخرى، نتيجة الخلافات السياسية القوية في الماضي.

ويُمكن تتبُّع الانتماء اليساري للمدينة بالعودة إلى القرن الخامس عشر الميلادي، حين أنشأت عائلة ميديتشي الحاكمة في فلورنسا ميناءً وصدَّقت على مجموعةٍ من القوانين التقدُّمية التي رحَّبت بالتُجار من أي دولة.

وهاجرت مجموعةٌ مُتنوعةٌ من الأقليات، اليهود والأتراك والموريين (العرب والأمازيغ) والفرس إلى المدينة، مما خلق مدينةً عالمية مُتعدِّدة الثقافات وفريدةً من نوعها. 

وعزَّز تأسيس "الحزب الشيوعي الإيطالي" عام 1921 من مكانة المدينة بوصفها منطقةً يساريةً في البلاد.

وعلى غرار أي نادٍ خارجٍ عن المألوف، تركت مجموعة أولتراس ليفورنو بسماتها المميزة آثارها على الكرة الإيطالية في الآونة الأخيرة. 

و"بريجيت أوتونوم ليفورنيزي" (بال) هي مجموعة الأولتراس الرسمية للنادي، والتي يعني اسمها "كتائب ليفورنو المستقلة"، وأدَّى تأسيسها عام 1999 إلى توفير التكافؤ والهيكلة لمُتعصِّبي ليفورنو، فضلاً عن تسهيل الوحدة في ما بينهم تُجاه ميولهم اليسارية. 

وتجدُر الإشارة إلى أنَّ كريستيانو لوكاريلي، اللاعب المولود في ليفورنو والذي كان يرتدي القميص رقم 99 (تكريماً لسنة تأسيس مجموعة "بال")، يُعتبر المُقابل اليساري لباولو دي كانيو حين كان في لاتسيو (الذي سبق أن أدى التحية النازية) وقد كان بطل الجماهير الذي جسَّد قِيَم مجموعة "بال" على أرض الملعب.

وحصل مشجعو ليفورنو على حصتهم العادلة من الجنون الذي يعكس ذلك التوجُّه. إذ دخلوا في اشتباكات عنيفة مع مُشجِّعي نادي ميلان، الذي كان يملكه سيلفيو برلسكوني آنذاك -وهو إمبراطور التجارة الذي وصل إلى منصب رئيس وزراء إيطاليا.

ويُعرَف عنهم مقاطعة لحظات الصمت الحساسة بصافرات الاستهجان قبل مباريات دوري الدرجة الأولى الإيطالي، فضلاً عن أنّهم يُثيرون الجدل حين يحتفلون بعيد ميلاد جوزيف ستالين كل عام.

نادي أولمبيك مارسيليا

حين انتقل جوي بارتون -اللاعب السياسي على حد تعبيره- إلى مارسيليا على سبيل الإعارة قادماً من كوينز بارك رينجرز في موسم 2012/13، كان هناك شعورٌ بأنّ انتقاله مثَّل خطوةً لائقة بلاعب الوسط المُثير للجدل، باعتبار أنّ صورة "الولد المشاغب" الخاصة به تتوافق بشكلٍ جيد مع اتجاه مجموعات الأولتراس التي تملأ جنبات استاد فيلودروم التابع للنادي.

وعلى غرار لوكاريلي الذي أصبح البطل السياسي في ليفورنو، قطع نادي مارسيليا شوطاً أكبر وكان له بطلٌ سياسيٌ من الجمهور. لدرجة أنَّ النادي أطلق اسمه على المدرج الشمالي في الاستاد. 

كان ذلك البطل هو باتريس دي بيريتي، وستجد في مُدرجه ثلاثة آلاف من أفراد أولتراس مارسيليا الذين يتذكرون بشغفٍ أعماله الحماسية المتعصبة بصدره العاري. وتُوفِّي بيريتي عام 2000، في الـ28 من عُمره، لكنه كان معشوقاً بين الجماهير بسبب سلوكياته خارج الملعب.

وهذا يُلخِّص كيف تُحرِّك آراء تلك المجموعة من المشجعين النادي من الداخل. ويُقال إنّ الشخص الذي يُسيطر على بلدية مارسيليا يجب أن يكون على وفاقٍ مع النادي، وإلَّا سيفقد سيطرته

و"فوَّض" النادي سلطاته لمجموعات الجماهير ليعكس قوتها اللافتة.

إذ تقوم مجموعات الجماهير الخمس الرسمية ببيع التذاكر نيابةً عن النادي إلى أعضائه، وهي منظومةٌ فريدةٌ من نوعها بالنسبة لنادي كرة قدمٍ أوروبيٍ كبير، مما يسمح لتلك المجموعات بالتربُّح من تلك المعاملات.

وأُدرِج نادي مارسيليا على القائمة لأنَّه لا يبدو أنّ هناك نادياً أوروبياً آخر تُحدِّده قوة جماهيره بهذه الدرجة، مع ارتباطه الشديد بالميول السياسية للمدينة ككل.

الأندية اليمينية

بينما تستغل النخب المسيطرة الأندية ذات الميول اليسارية الجماهير لربط أنديتها بوجهات النظر العالمية الأوسع التي تشمل المساواتية ومناهضة الشركاتية.

وتُقدم هذه الأندية الصورة الشعبية للأنصار المُخلِصين المضطهدين، الذين تستغلهم الكيانات الحاكمة وأندية النخبة المتعطشة للمال في عالم كرة القدم،

ولكن هذه الأمثلة على النشاط السياسي في عالم كرة القدم ليست حكراً على الأيديولوجيات اليسارية.

فهناك أندية يُمكنها أن تُثير مشاعر مناهضة المؤسسات الحاكمة بلمسةٍ رجعية وبدرجةٍ مُساوية أيضاً، تماشياً مع الاتجاهات الحديثة في السياسات العالمية. فضلاً عن أنّ القبلية المريرة والتأكِّيد المُتأصِّل على المنافسة في الرياضة، تجعل منها أرضاً خصبةً لأولئك الباحثين عن منصةٍ لآرائهم القومية أو الإقليمية أو الفاشية المُتشدِّدة.

ويسبر هذا المقال أغوار ثلاثةٍ من أبرز الأمثلة على سياسات اليمين المُتشدِّد داخل الأندية، أو مجموعاتها التشجيعية، ومظاهرها المُختلفة.

نادي زينيت سان بطرسبرغ.. العداء المتأصل للملونين 

إبان استعداد الصُحف الشعبية البريطانية السيئ -إلى حد النفاق- لنهائيات كأس العالم عام 2018 في روسيا، وصفت صحيفة The Sun الإنجليزية نادي زينيت سان بطرسبرغ الذي يلعب في الدوري الروسي الممتاز بأنَّه "نادي كرة القدم الأكثر عنصرية في العالم". ورغم أنَّ المقال لا يُمثِّل دليلاً نموذجياً على الدقة الصحفية، لكنه احتوى على الكثير من الأدلة التي دعمت مزاعمه. إذ استشهد بالبيانات الصادرة عن "لاندسكرونا"، مجموعة المشجعين الكبيرة، التي تدعو النادي إلى عدم التوقيع مع لاعبين سود البشرة أو مثليي الجنس، إلى جانب اللافتات المرفوعة التي تعرض رسائل مُماثلة، فضلاً عن مشاهد مُشجعي زينيت في المباريات وهم يرتدون أغطية رأسٍ تُشبه ملابس أخوية "كو كلوكس كلان" العنصرية الأمريكية. وأُلقِيَ الموز على روبرتو كارلوس وكريستوفر سامبا أثناء مباريات فريق أنجي محج قلعة خارج أرضه في سان بطرسبرغ.

وما يفصل تلك السلوكيات عن ما شابهها من عنصرية المدرجات في إسبانيا وإيطاليا -وحتى إنجلترا في السبعينيات، هو المشاعر الأيديولوجية الصريحة التي يُعبِّر عنها أصحابها الذين يعتبرون أنفسهم حُماة الثقافة الروسية البيضاء. ويُردِّدون دائماً الشعار الذي يقول: "لا يوجد أسود في ألوان زينيت"، والذي استُخدِمَ للمرة الأولى بوصفه رد فعلٍ على أول تعاقدٍ للنادي مع لاعبٍ أسود البشرة عام 2012 -والذي وصفته مجموعة "لاندسكرونا" بأنَّه "حُشِرَ في حلوق جماهير زينيت". وهُناك نظرةٌ عالمية مُتحفِّظة وراء تصرفات أنصار زينيت الأكثر صخباً، والتي يتجاوزون بها عوالم سلوكيات المدرجات المريبة لإثارة المعارضة، أو حوادثهم العنصرية الفردية بواسطة رجالٍ يرتدون قمصان الفريق.

وحقيقة أنَّ شركة Gazprom الحكومية للطاقة تمتلك غالبية أسهم النادي، تُساعد على تصوُّر رؤيةٍ لزينيت بوصفه تجسيداً لروسيا الحديثة تحت حُكم فلاديمير بوتين، والتي تكشف عن القومية الشرسة والرأسمالية التي تُسيطر عليها الدولة.

نادي لاتسيو.. يحظر وجود النساء بالصفوف الأمامية ونجمه أدى التحية النازية

باستثناء نادي ليفورنو البارز، فإنَّ ثقافة الأولتراس الشهيرة في عالم كرة القدم الإيطالية أسفرت في العموم عن مجموعات تشجيعٍ مُنظمة ذات ميولٍ سياسية يمينية -وأندية إنتر ميلان وروما وهيلاس فيرونا هي من بين الأندية التي تمتلك بين صفوفها مجموعات أولتراس بارزة تصف نفسها بأنّها يمينية.

وحتى نادي ميلان، الذي كان يُعتبر تاريخياً بأنَّه نادي الطبقة العاملة في المدينة، فقد تغيَّرت انتماءاته بسبب السنوات التي قضاها مملوكاً لسيلفيو برلسكوني وأصبح من الممكن وصفه حينها بنادي وسط اليمين مؤسّسياً.

تمت معاقبة إنتر ميلان بسبب مزاعم ممارسات عنصرية تجاه كاليدو كوليبالي/رويترز

لكن الفريق الإيطالي الذي يُعتبر مرادفاً لليمين أكثر من غيره، هو نادي لاتسيو بكل تأكّيد. وتصدَّر مُشجعو النادي عناوين الأخبار في أنحاء أوروبا من خلال أعمالٍ جريئة مثل: حظر وجود النساء في الصفوف العشرة الأولى من المنحنى الشمالي بملعب الأولمبيكو، والاستهزاء من مُنافسهم في المدينة بتوزيع صورٍ لآن فرانك وهي ترتدي قميص روما (وفي ذلك إشارة إلى أنَّ روما هو نادٍ يُشجعه اليهود)، ورفع علمٍ يحمل عبارة "فريق السود، كورفا اليهود". 

وأكسب باولو دي كانيو، الذي كان عضواً في أولتراس لاتسيو قبل أن يُصبح لاعباً، سياسات زملائه المُشجعين شهرةً كبيرة حين أدَّى التحية الفاشية أمام جماهير روما وليفورنو خلال مسيرته. ويُغطِّي دي كانيو جسده بالوشوم الأيقونية الفاشية.

ولا شكّ أن ظهور الفاشية الذي يتجاوز عوالم مجموعات المشجعين الهامشية، هو ما يرفع أوراق اعتماد نادي لاتسيو بوصفه "نادياً يمينياً" فوق الفرق الإيطالية الأخرى المذكورة سابقاً، حتى مع وجودٍ عددٍ لا بأس به من مُشجعي لاتسيو الذين يعترضون على هذا التصنيف. 

ويُزعم أن لاتسيو كان نادي بينيتو موسوليني، الذي كان يزور ملعب الأولمبيكو عادةً لمُشاهدة مُباريات الفريق -رغم أنَّهم رفضو الانخراط في مساعي الدوتشي لدمج أندية مدينة روما، والتي أسفرت عن ميلاد نادي روما. 

وكان غالبية لاعبي فريق لاتسيو الأسطوري في السبعينيات، المعروف بهيمنته داخل الملعب وحمل (واستخدام) الأسلحة أينما ذهب، ممن يصفون أنفسهم بالفاشيين مثل دي كانيو.

وضمَّ ذلك الفريق جورجيو كيناليا، ساحر الفريق الويلزي-الإيطالي، الذي صرَّح علناً بأنَّه سيُصوِّت لصالح الحزب السياسي الفاشي الجديد "الحركة الاجتماعية الإيطالية". لكن حقيقة أنَّه دخل عالم السياسة لاحقاً عبر بوابة "الحزب الديمقراطي المسيحي" المُعتدل إلى حدٍ ما، تُشير إلى النظرية السائدةٍ على نطاقٍ واسع بأنَّ تلك المزاعم صُمِّمَت خصيصاً لإثارة المُعارضين والمؤسسة الحاكمة أكثر من الترويج لقيمهم السياسية الحقيقية، وهو الدافع الذي يُنسب عادةً أيضاً إلى اللافتات والمنشورات المُعادية للسامية التي تجذب عناوين الأخبار وتنتشر في المنحنى الشمالي.

نادي بيتار القدس.. الإساءة للإسلام وعشق لترامب

من أجل العثور على نادٍ يحمل السياسات اليمينية في صميم جيناته، على المرء أن يُسافر إلى واحدةٍ من أكثر المدن المشحونة سياسياً في العالم -القدس، المدينة التي تضُمُّ نادي بيتار القدس. إذ تأسَّس النادي عام 1936 بنوايا صهيونية، ويُشجِّعه عددٌ من الساسة اليمينيين رفيعي المستوى مثل بنيامين نتنياهو، ويمتلك النادي مجموعة المشجعين اليمينية المُتشددة المُعتادة داخل الأندية المذكورة سابقاً في هذا المقال، وتحمل اسم "لا فاميليا" -أي "العائلة". 

ويُعرف عن المجموعة موقفها الشرس المُعادي للمسلمين، والذي يتمثَّل في هتافات "الموت للعرب" وهتافات مُسيئة للرسول محمد. 

وحين تعاقد اللاعب مع اثنين من اللاعبين المسلمين الشيشانيين عام 2012، أضرم أعضاء "العائلة" النيران في مكاتب النادي. في حين غادر الكثير من المُشجعين المدرجات اعتراضاً حين سجَّل أحد اللاعبين هدفاً لصالح الفريق.

وإدارة النادي تتبنى نفس الأفكار 

وما يُميِّز بيتار عن غيره من الأندية -على المستوى الرسمي على الأقل- التي تُحاول الآن نقل صورةٍ غير سياسيةٍ ظاهرياً، هي حقيقة أنَّ النادي نفسه يبدو وكأنَّه يتصرَّف عادةً بما يتوافق مع الأيديولوجية التي يعتنقها مُشجعوه.

 وأدَّت التعاقدات السالف ذكرها إلى موجة غضبٍ عارمة يعود سببها جزئياً إلى أنَّ الصفقة قوَّضت سياسة التوظيف الفريدة للنادي، إذ لم يسبق للاعبٍ عربيٍ واحد أن ارتدى قميص النادي الأصفر والأسود من قبل. 

وأتى إعلان إدارة بيتار بأنهم سيسعون إلى إضافة "ترامب" إلى اسم ناديهم، تعبيراً عن رضاهم على قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة بلاده إلى القدس، ليُمثِّل دليلاً إضافياً على أنَّ التسلسل الهرمي في النادي سعيدٌ للغاية برؤية اسم النادي مُرتبطاً بالسياسات اليمينية على الملأ.

واللافت للانتباه في السياسات اليمينية لتلك الأندية، وما يربطها بأنديةٍ مثل ليفورنو ودولويتش هاملت، هو حقيقة أنَّ كلاً منها ينظر لمواقفه باعتبارها رد فعلٍ لما يعتقدون أنَّها الحقائق المعقمة والقمعية لكرة القدم الحديثة.

وترفض العناصر اليمينية في أندية زينيت ولاتسيو وبيتار توجه أندية كرة القدم في العصر الحديث لأن تكون أكثر عالميةً على أرض الملعب وهدوءاً داخل المدرجات، ويُقاومون باستخدام شعارات أو أيقونات أو أفعال يعلمون أنَّها ستلفت انتباه الناس وتُجبرهم على الاستماع إليهم -بدلاً من تجاهلهم كلياً.

وينعكس ذلك على الأعمال الجريئة الفردية التي يرتكبها جماهير كرة القدم خارج سياق "الأندية اليمينية"، مثل الصليب المعقوف الذي زيَّن أرضية ملعب المنتخب الوطني الكرواتي -والذي لم يُحفر بغرض دعم النازية، ولكن بدافعٍ من رغبة مُرتكبيه في ضمان أن احتجاجهم على هيكلة المنتخب الوطني ستتصدر عناوين الأخبار.

ومع استمرار الناخبين من مختلف أنحاء العالم في الإدلاء بأصواتهم الاحتجاجية لصالح المرشحين الشعبويين اليمينيين؛ فإنَّ انعدام الترابط بين الكيانات الحاكمة لكرة القدم من جهة، والجماهير التي يعتمد وجود تلك الكيانات عليها من جهةٍ أخرى، يستفز الجماهير إلى ارتكاب تظاهرات مقاومةٍ مُتشدِّدة.

الأندية الانفصالية

أظهر القسمان الأول والثاني من هذا المقال حول أندية كرة القدم السياسية، أنَّ هناك عدداً من الأندية التي تكشف عن هويات سياسية يُمكن تصنيفها تحت الأوصاف التقليدية لـ"اليسار" و"اليمين".

ولكن أحد أشكال السياسة الكروية، الذي لا يندرج بسهولةٍ تحت أيٍ من المُعسكرين، يأتي في صورة قدرة الرياضة على تأدية دور منصةٍ للمشاعر الانفصالية في المناطق ذات الحركات الاستقلالية أو الإقليمية القوية.

ولتجنُّب الشكوك، فإنَّ الانفصالية تُشير إلى معناها الظاهر، وهو سعي أي كيانٍ أو منظمةٍ أو دولة إلى الانفصال والاستقلال عن شيءٍ هي جزءٌ منه بالفعل.

 وهذه الفكرة ليست حكراً على كرة القدم بأي شكلٍ من الأشكال. إذ يُمكن استشعار التغيُّرات الهائلة التي تطرأ على العالم الغربي في هيئة: مُحاولات المملكة المتحدة الأليمة للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وظهور الديماغوجي الحمائي الأمريكي دونالد ترامب، وكلاهما أمثلةٌ قومية على الانفصالية السياسية.

ورغم أن الأندية المذكورة في هذا المقال لا يُؤيِّدها أو يحكمها قادةٌ انفصاليون على الإطلاق، لكنها تتمتَّع جميعاً بروابطٍ مع الحركات الاستقلالية أو الإقليمية الأوسع بصورةٍ أو بأخرى.

برشلونة.. النادي العالمي يدعم استفتاء الانفصال

كان النادي في السابق يرفُض عروض كُبرى الشركات لرعاية قميصه، لكنه أصبح مرهوناً الآن للصفقات المالية الضخمة مؤخراً مع "مؤسسة قطر" وشركة Rakuten اليابانية.

وتسبَّب تحوُّل نادي برشلونة إلى علامةٍ تُجارية عالمية ضخمة، في خسارته كافة أوراق اعتماده "اليسارية" التي كان يملكها في وقتٍ من الأوقات (رغم أنَّه لا يزال مملوكاً للجماهير).

لكنه لا يزال نادياً سياسياً في جوهره، كما يقترح شعار النادي "Més que un club" -أي "أكثر من مجرد نادٍ"، وذلك من خلال وجوده بوصفه رمزاً للهوية الكتالانية وما ينجم عن ذلك من روابط مع الحركة الانفصالية الكتالونية.

وروابط البارسا -الاسم الذي يُطلقه عليه مُشجعوه- مع القومية الكتالونية هي روابط تاريخية ومُوثَّقة جيداً. 

جماهير برشلونة ترفع علم كتالونيا/رويترز

إذ اختار النادي اللغة الكتالونية لتكون "لغته الرسمية" إبان الحرب العالمية الأولى. ومثَّل اغتيال جوسب سونال، رئيس النادي والشخصية شديدة التأييد للاستقلال، لحظةً فارقةً في تاريخ الحرب الأهلية الإسبانية حين كان ملعب الكامب نو يُعتبر بمثابة مساحةٍ آمنةٍ نادرة لاستخدام اللغة الكتالونية.

وكسر البارسا إصراره الطويل على الحياد العام في ما يتعلَّق باستقلال كتالونيا، حين أصدر بياناً يتضمَّن دعمه لإجراء استفتاءٍ قانوني على القضية في عام 2017، ولكن ذلك لم يحدث مُطلقاً. وفي وقتٍ لاحق، أغلق النادي أبواب استاده في يوم مباراةٍ ضد فريق لاس بالماس، في ضوء الاشتباكات المستمرة بين المُحتجِّين والشرطة في ما يتعلَّق بالتصويت غير القانوني الذي صدر لصالح الاستقلال.

أتلتيك بيلباو.. لا يضم لاعبين من خارج الإقليم حتى لو هبط للدوري الأقل

بوجوده في إسبانيا، ورغم عدم ارتباطه بحركة استقلالٍ حقيقية على غرار تلك التي يمتلكها نادي برشلونة، لكن التزام نادي أتلتيك بيلباو بهوية إقليم الباسك تجده جديراً بالملاحظة، لأنَّه يتجاوز الفخر الإقليمي -أو القائم على المدينة- المُعتاد الذي يُعبِّر عنه أنصار الأندية حول العالم.

وحتى يومنا هذا، يحتفظ الفريق "الأبيض والأحمر" بسياسةٍ تنُصُّ على التعاقد مع لاعبي كرة قدم من منطقة إقليم الباسك فقط. وهو الموقف الذي تدعمه قاعدة مُشجعي النادي، إذ قال 76% منهم إنَّهم يُفضِّلون أن يهبط النادي من دوري الدرجة الأولى الإسباني (لا ليغا) للمرة الأولى في تاريخهم، على أن يُغيِّروا قواعد أهليتهم، بحسب استطلاع الآراء الذي أجرته صحيفة El Mundo الإسبانية.

وتنطوي هذه السياسة على مقاومةٍ للقومية الإسبانية المُتجانسة، إذ تُعرف مبارياتهم ضد نادي ريال مدريد -الذي يُعتبر رمزاً للمؤسسة الإسبانية الحاكمة- بـ"الكلاسيكو الآخر"، وهو الوصف الذي يُطلق في الأساس على مباراة الديربي بين ريال مدريد وبرشلونة. 

وبعكس علامة البارسا التُجارية المُحتفى بها الآن، فإنَّ طريقة إدارة النادي الإقليمية النشطة ترقى أيضاً إلى شكلٍ من أشكال مناهضة العولمة في كرة القدم، إذ تُعارض التعاقد مع أبرز النجوم مُقابل مبالغ مالية طائلة كما تفعل الأندية الأوروبية الثرية في العصر الحديث.

سيلتك من مدينة غلاسكو.. نعم للاستقلال 

رغم أنَّ ميول "مُعاداة الفاشية والعنصرية والطائفية" التي حدَّدوها أكسبتهم مكانةً في نظرتنا العامة على الأندية اليسارية، لكن ارتباط نادي سيلتك بالتحرُّك من أجل استقلال إسكتلندا عن المملكة المتحدة -ومن أجل الجمهورية الأيرلندية- جعله يستحق الذكر في هذا القسم من التقرير أيضاً.

ولا شكَّ أنَّ أحد أشكال تلك القومية وُلِدَ من رحم الآخر. 

إذ أنَّ الجمهورية الأيرلندية التي عبَّرت عنها جماهير سيلتك تاريخياً -والنابعة من أصول النادي الأيرلندية المُهاجرة إلى إسكتلندا- تحمل في طيّاتها مشاعر مُعادية للإنجليزية، مما حوَّله إلى أرضيةٍ خصبة للأصوات المُؤيِّدة للاستقلال.

وأشارت التقارير الصادرة في وقت استفتاء استقلال إسكتلندا عام 2014 إلى أنَّ جماهير سيلتك كانوا أكثر ميلاً للتصويت بـ"نعم" في الاستفتاء، رغم أنَّ ذلك أُعيق بعض الشيء بسبب الشكوك تُجاه "الحزب القومي الإسكتلندي" وموقفه الصارم من النظام العام.

 وانعكس ذلك في سلوك مجموعةٍ من قرابة الألف مُشجِّع الذين رفعوا لافتات تحمل كلمة "نعم" في الدقيقة الـ18 من مباراة فريقهم ضد دندي يونايتد، في إشارةٍ إلى التصويت الذي سيجري في الـ18 من سبتمبر/أيلول.

وهذا لا يعني أنَّ سيلتك هو النادي الوحيد الذي احتوى على شرائح تدعم استقلال إسكتلندا بين جماهيره، إذ رفع مُشجعو نادي هيبرنيان أعلاماً تحمل كلمة "نعم" في وقت إجراء الاستفتاء، وعُرِفَ عنهم غناء نشيد "زهرة إسكتلندا Flower of Scotland" -النشيد الوطني غير الرسمي لإسكتلندا- خلال المباريات للتعبير عن دعمهم لخطوة الاستقلال. 

في حين غرق نادي هارت أوف ميدلوثيان، مُنافس هيبرنيان في المدينة، في عاصفةٍ من الجدل حين زعم أنَّ مُناصري حملات الاستقلال "سرقوا" شعار النادي، بعد ظهوره دون تصريحٍ على منشورٍ جرى توزيعه خلال ديربي أدنبره عام 2014.

نادي باستيا.. كورسيكا ليست جزءاً من فرنسا 

ربما يكون نادي باستيا هو النادي الأقل شهرة بين جماهير كرة القدم البريطانيين، إذ أنَّ النادي الفرنسي يُنظر إليه عادةً بوصفه مُمثِّل القومية الكورسيكية -والحركة المُؤيِّدة لاستقلال الجزيرة عن فرنسا- في عالم كرة القدم.

وبصفته أنجح أندية الجزيرة، رغم تضاؤل ثروته مُؤخراً، يضُم شعار نادي باستيا رمز "الرأس الموري" الكورسيكي. 

ويمتلك النادي رابطةً تاريخية مع جماعة "الجبهة الوطنية لتحرير كورسيكا" القومية المُتشدِّدة. إذ اعتاد تشارلز بيري، قائد الجماعة خلال أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة، الحضور إلى ملعب النادي في موكبٍ كبير قبل أن يجلس داخل المنطقة الرئاسية في المدرجات رغم أنَّه لم يكُن مُدرجاً على قوائم موظفي النادي رسمياً.

وزُعِمَ أنَّ أحد أعضاء الجماعة كان يبتزُّ إحدى شركات العطلات حتى ترعى النادي عام 2005، عن طريق حملة تفجيراتٍ استهدفت عدداً من مكاتب الشرك في أنحاء كورسيكا وفرنسا، والتي توقَّفت بشكلٍ مُريب بمُجرد تسليم الأموال إلى النادي.

 وفي عام 2002، وصل نادي باستيا إلى نهائي بطولة كأس فرنسا، وحينها أطلق أنصار النادي صافرات الاستهجان أثناء إذاعة النشيد الوطني الفرنسي (لا مارسييز) عبر مُكبرات الصوت داخل ملعب ستاد دو فرانس، في إشارةٍ إلى كراهيتهم للوطنية الفرنسية.

الأمر وصل لتنظيم بطولة للأمم الساعية للاستقلال 

فإنَّ الجانب الأخير الجدير بالذكر في هذا البحث بين جوانب كرة القدم الإنفصالية هو اتحاد الجمعيات المستقلة لكرة القدم (الكونيفا).

ويتألَّف الكونيفا من الدول غير الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، ومن بينها كورنوال ويوركشاير (بريطانيا) وجمهورية دونيتسك الشعبية (أوكرانيا) وشعب الرّوما (الغجر) وكيبيك والتبت. ويُوفِّر الكونيفا مساحةً للمجموعات التي تحمل هويةً قومية تتجاوز تفضيل الفيفا تمثيل الدول القومية على المستوى الدولي. 

وتُقام منافسات كأس العالم لاتحاد الجمعيات المستقلة لكرة القدم، وكأس أوروبا لاتحاد الجمعيات المستقلة لكرة القدم، حالياً بالتناوب كل عام. 

ومن المقرر تدشين كؤوس إفريقيا، وأمريكا، وآسيا، وأوقيانوسيا، وكأس العالم للسيدات بحلول عام 2021. ويُعَدُّ وجود هذا الكيان التنظيمي تذكيراً بأنَّ الطبيعة المائعة وغير الموضوعية للسياسات القومية، والإقليمية، وسياسات الهوية إجمالاً لا تختلف في ما يتعلَّق بكرة القدم.

تحميل المزيد