كان اعتقال جيفري إبستين المُدان بارتكاب جرائم جنسية حدثاً أسر انتباه العالم أجمع في شهر يوليو/تموز، ثم أشعل موته فيما بدا أنَّه حادث انتحارٍ بزنزانته في السجن تكهُّناتٍ أبعد من ذي قبل تجاه علاقاته بأغنى رجال العالم وأكثرهم سلطة، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
كان إبستين قد أُدين بالفعل أمام محكمةٍ بولاية فلوريدا بتهمة عرض المال على قاصر مقابل الجنس، وحُكِم عليه بقضاء 13 شهراً في السجن عام 2008 في قرارٍ لاقى اعتراضاتٍ موسَّعة كونه شديد التساهل مع الجريمة موضع النظر.
تعهَّد المسؤولين الأمريكيين بالتقصّي وبدأ تحقيقٌ جنائي فيدرالي الشهر الماضي يوليو/تموز في سلوك إبستين، المُتَّهم باغتصاب العشرات من الفتيات القاصرات وتسهيل الوصول لفتياتٍ قاصرات لمَن يعرفهم من أفرادٍ رفيعي المستوى بغرض ارتكاب أفعالٍ مشابهة.
وكشفت تقارير الإعلام ووثائق المحاكمة تفاصيل جديدة عن حياة رجل المال البالغ من العمر 60 عاماً، ومن بينها علاقاته في الشرق الأوسط، وأبرزها صلاتٌ بشخصياتٍ في السعودية وإسرائيل.
علاقات عمل
كان إبستين، بصفته صاحب ملايين عمل لعشرات الأعوام في مجال الشؤون المالية واستثمر الملايين في عدة شركاتٍ استثمارية ومشاريع تجارية، على اتصالٍ بعدة شخصياتٍ غنية ومؤثرة حول العالم.
نقلت تقاريرٌ أنَّ إبستين تباهى بأنَّ دائرته الاجتماعية الموسعة جعلته وسيطاً قوياً بين مشاريع معينة ومموليها المحتملين.
يندرج في "دفتر العناوين السريّ" الشهير الذي امتلكه إبستين، ذاك الذي نسخه كبير خدمٍ كان يعمل لديه ونشره للعلن في 2015، أسماء عدة جهات اتصالٍ شرق أوسطية بارزة، إلَّا أنَّه إلى أي مدى أي مدى وصلت علاقات ابستين مع الشخصيات المذكورة هو أمر يصعب الجزم به.
تتضمَّن الأسماء البارزة في دفتر إبستين: المستثمر الإسرائيلي ياريف زغول، ورجل الأعمال السعودي عمرو الدباغ، ورجل المال السوري-السعودي وفيق سعيد، والمدير التنفيذي البريطاني-السوري أمادو فخري، الذي قضى بدوره عامين داخل السجن في كوبا على خلفية تهمٍ بالفساد.
وفي مقالٍ منشور يوم الإثنين، 12 أغسطس/آب 2019، يروي الصحفي بصحيفة The New York Times جيمس ستيوارت أنَّ إبستين أخبره بأنَّه "تحدَّث مع السعوديين بشأن استثمارٍ محتمل في شركة تسلا"، وهي الشركة المملوكة لإيلون ماسك.
ووفقاً لمقال ستيوارت، فإنَّ إبستين لم يوضّح أي سعوديين يقصد أو أية تفاصيل محددة أخرى.
قد استثمر صندوق الثروة السيادي السعودي ملياري دولار في شركة تسلا العام الماضي. ومع ذلك، أنكرت الشركة أي تعاون بينها وبين إبستين.
سعود، والأمير سلمان
قبل عامٍ من انتحاره المثير للشكوك، تفاخر إبستين علناً بصلاته بقادةٍ سعوديين مؤثرين، ومن بينهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بحسب تقريرٍ صحيفة The New York Times الأمريكية.
وصف الصحفي جيمس ستيوارت، وهو يسرد وقائع زيارته لقصر إبستين الواقع في مدينة نيويورك شهر أغسطس/آب العام الماضي، كيف أراه المُغتصِب المزعوم صورةً لمحمد بن سلمان معلَّقة على حائط منزله.
وقال ستيوارت إنَّ إبستين أخبره بأنَّ "ولي العهد زاره عدة مرات، وأنَّهما يتحدَّثان كثيراً".
احتوى دفتر عناوين إبستين على مُدخَلاتٍ بأسماء "سعود، الأمير سلمان" -وهُناك اعتقادٍ شائع بأنَّ الاسم يُقصَد به والد محمد بن سلمان، الملك سلمان بن عبدالعزيز- وابن عمّ محمد بن لسلمان والسفير السعودي السابق للولايات المتحدة، الأمير بندر بن سلطان.
أورد موقع The Daily Beast تقريرٌ في شهر يوليو/تموز بأنَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي قد وجد جواز سفرٍ نمساوياً منتهي الصلاحية باسم إبستين -وبصحبته رزمٌ من النقود وعشراتٍ من فصوص الألماس- في خزنةٍ بقصره بحيّ مانهاتن في نيويورك.
كان جواز السفر يحمل صورة إبستين، مسجَّلاً باسم مزيف، وعنوان في السعودية.
وفقاً لوثائق المحاكمة، قال محامو إبستين إنَّه خطَّط لاستخدام جواز السفر ذاك لحماية نفسه من أي "مختطفين أو إرهابيين" محتملين.
وقد أنكر المحامون أن يكون إبستين قد استخدم جواز السفر المزيَّف قبلاً، وقالوا إنَّ "صديقاً" قد أعطاه له.
فضيحة في إسرائيل
وفيما يبدو أنَّ قضية إبستين قد أثارت بلبلةً طفيفة في السعودية، إلَّا أنَّ تداعيات القضية محسوسة بالفعل في إسرائيل.
تضمَّن دفتر إبستين السرّي مقطعاً قصيراً تحت بند "إسرائيل" واحتوى بيانات اتصالٍ تعود لرئيسيّ وزراء سابقين، وهما إيهود باراك وإيهود أولمرت، وغيرهما العديد من الأفراد ممَّن يملكون عناوين بريدٍ إلكتروني تابعة للحكومة الإسرائيلية.
تعرَّض باراك، الذي عاد مؤخراً للمشهد السياسي الإسرائيلي تحت لواء حزبٍ جديد قبيل انتخابات سبتمبر/أيلول المقبلة، لموجةٍ من الهجوم الحاد إثر فشله في الإفصاح عن حدود علاقاته بإبستين.
وقد توعَّد رئيس الوزراء الأسبق بمقاضاة صحيفة The Daily Mail البريطانية بعد أن زعمت أنَّه زار إبستين مراتٍ عدة في أكثر من عقارٍ خاص له حيث كانت توجد شابَّاتٍ صغيرات السن في الوقت ذاته.
ووفقاً لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، دخل الرجلان في شراكةٍ عام 2015 -بعد أعوامٍ عدة من إدانة إبستين بارتكاب جريمةٍ جنسية- لتمويل شركة Reporty Homeland Security، وهي شركة ناشئة يرأس باراك مجلس إدارتها وقد غيَّرت اسمها إلى Carbyne.
كذلك أوردت صحيفة Haaretz مزاعم بأنَّ باراك تلقَّى ملايين الدولارات من مؤسسة ويكسنر، وهي المنظَّمة الخيرية المملوكة لشريك إبستين المعروف ليس ويكسنر.
أعلن حزب إسرائيل الديمقراطية برئاسة إيهود باراك أواخر الشهر الماضي، يوليو/تموز، أنَّه بصدد تشكيل تحالف مع حزب ميرتس، وهي خطوةٌ نسبها بعض المراقبين الإسرائيليين للضرر الذي أحدثته قضية إبستين بصورة باراك.
ما زال الوقع الكامل لعلاقات إبستين الشرق الأوسطية يتكشَّف، إذ تظل أسئلةٌ عديدة بلا إجابة بعد.