حذَّرت خطوط طيران Cathay Pacific -شركة الطيران الوطنية في هونغ كونغ- مؤخراً ركابَها من أنَّ حقوقهم في الخصوصية لم تعد كما كانت عليه من قبل.
في تحديث لسياسة الخصوصية، نُشر في نهاية يوليو/تموز 2019، ذكرت شركة الطيران أنَّها سوف تجمع وتحتفظ بالمعلومات المتعلقة بكيفية "استخدامك لنظام الترفيه داخل الطائرة، وأنظمة الاتصالات، وصورك الملتقَطة عن طريق كاميرات المراقبة التلفزيونية في صالات المطارات والطائرات، واستخدامك لخدمات الشحن، بما في ذلك تفاصيل الشحنات، وشراؤك لأي منتجات معفاة من الجمارك، أو أي منتجات ذات علامات تجارية معروفة"، بحسب تقرير لموقع Stuff النيوزيلندي.
إنها قائمة مراقبة شاملة؛ لذا يمكنك أن تفترض عند سفرك على خطوط طيران Cathay Pacific، أنَّ شركة الطيران يمكنها مراقبتك عند مكتب تسجيل الدخول، وعلى الطائرة، وإذا كنت في إحدى صالاتهم أيضاً.
وعلى متن الطائرات، تستخدم شركة طيران Cathay Pacific كاميرات مراقبة تلفزيونية لتصوير ما يحدث في المقصورة. وعلى الرغم من قدرة بعض خطوط الطيران على مراقبة الركّاب عن طريق عدسات مثبتة في شاشات فيديو المقعد الخلفي، تقول شركة Cathay Pacific إنَّها لا تفعل ذلك. وفي حال إذا كنت تتساءل، فلا توجد كاميرات مراقبة تلفزيونية في المراحيض.
تقول شركة Cathay Pacific إنها تفعل ذلك "من أجل تحسين منتجاتها وخدماتها لصالح العملاء بشكل عام، ويشمل ذلك أيضاً التأكد من عمل المواقع الإلكترونية (بما في ذلك صفحات مواقع التواصل الاجتماعي) بشكل صحيح، وفقاً لتفضيلاتك وظروفك"، بحسب الموقع النيوزيلندي.
إذا أرادت شركة Cathay Pacific قياس جودة أدائها، ماذا عن عمل استطلاع للركاب؟ وكيف تؤدي مراقبة الركاب على وجه التحديد إلى تحسين المنتجات والخدمات؟ هذا ليس من شأن شركة الطيران على الإطلاق.
من يرى بياناتك؟
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو القائمة الطويلة من الجهات الخارجية التي تعدّها شركة Cathay Pacific، لتكشف لها عن بياناتك الشخصية. تتضمن القائمة خطوط طيران أخرى، وفنادق، ووكالات سفر، وشركات سياحة، وبرامج أخرى شريكة للشركة، وعملاء آخرين حكوميين أو غير حكوميين وهيئات تنظيمية. هل ستشعر بالارتياح بامتلاك كل تلك الجهات لبياناتك التي تجمعها Cathay Pacific؛ معلومات جواز السفر، وبيانات بطاقة الائتمان على سبيل المثال، ومشاركتها مع وكلاء سفر وشركات سياحة وحكومة جمهورية الصين الشعبية؟
وبالرغم من أن الشركة تحتفظ بالحق في الاحتفاظ ببياناتك الشخصية، ما دامت ترى ذلك ضرورياً، تقول شركة الطيران أيضاً إنهم "في Cathay Pacific، نلتزم بحماية بياناتك الشخصية وخصوصيتك". تخبرنا الحقائق بقصة مختلفة. في أكتوبر/تشرين الأول 2018 حدث اختراق ضخم لبيانات شركة الطيران إلى مرحلة خرق، سرق من خلاله المخترقون معلومات أرقام جوازات السفر وبطاقات الائتمان لما يصل إلى 9.4 مليون مسافر. ومع التغييرات التي أعلنت عنها شركة Cathay بخصوص تحديث سياسة الخصوصية، سوف تصبح صورتك وتحركاتك جزءاً أيضاً من تلك البيانات.
ابتسم.. فأنت مُراقب
أحدثت الكاميرات تغييراً كبيراً في مجال الطيران. منذ سنوات، بدأ الركاب استخدام كاميرات هواتفهم الذكية لتوثيق الأدلّة عندما تخرج الأمور عن النص. عندما استخدمت خطوط الطيران United Airlines طاقم الأمن لسحب دكتور ديفيد داو من مقعده المحدد، لإفساح المجال لأحد أفراد الطاقم، مما أدى إلى كسر أنفه وأسنانه، وسحبوه غائباً عن الوعي مضرجاً بدمائه عبر الممر، وُثقت الواقعة بالكامل عبر كاميرات هواتف الركاب، ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد أن وصف الرئيس التنفيذي لشركة United الواقعة في البداية على أنها "حادثة إعادة تسكين راكب"، وألقى اللوم على الضحية، أشعل ذلك نيران الغضب ضد الشركة. ثم تراجعت شركة الطيران سريعاً عن تلك التصريحات، وخلال أقل من ثلاثة أسابيع من الواقعة، توصلت الشركة إلى تسوية مع داو.
القوة في جيبك
بينما كانت قضية دكتور داو مثالاً قاسياً، فقد استخدمت الكاميرات أيضاً لتوثيق حالات يرمي فيها مناولو الأمتعة حقائب الركاب من الطائرة إلى عربات الأمتعة، ومضيفة طيران تشد عربة أطفال من أيدي أم بوجود طفلها الرضيع بين ذراعيها، وركاب لديهم مشكلات في التعامل مع الغضب. وهناك حالات أيضاً يحاول الركاب من خلالها ابتزاز شركات الطيران بشكل واضح عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هل هذا عادل؟ في مؤسسات كبيرة ومعقدة مثل شركات الطيران يؤدي فيها آلاف العاملين مهام لا تحصى، ليس من المستغرب أن يكون هناك قصور في بعض الأحيان. وغالباً ما ينتاب الركاب في مقصورة الطيران حالة من الحماس للإمساك بهواتفهم وتصوير كل شيء، بمجرد أن يشعروا بوجود أي تقصير، سواء كان شعورهم صحيحاً أو خاطئاً. ربما أدّت ثقافة التسلّح بالهواتف إلى علاقة عدائية بين الركّاب وطاقم الرحلة، الذين يحاولون أداء مهامهم، بحسب الموقع النيوزيلندي.
وبالرغم من أن استخدام الأدلّة المصوّرة يضمن المساءلة، فقد تصبح أداة أيضاً لمن هم مستعدون لتحريف الحقائق وسرد القصص الحزينة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكي تناسب غاياتهم. وغالباً ما تكون تلك الغايات هي ابتزاز شركة الطيران من أجل الحصول على اعتذار متذلل يتبعه تعويض مالي.
نفترض مثلاً تخصيص مقعد في الصف الخارجي لشخص ما، قرَّرت مضيفة الطيران أن صعوبة حركته سوف تعيق قدرتهم على مساعدة الركاب الآخرين في حالات الطوارئ. سوف يحتجّ الراكب، ويثور، ويسحب هاتفه وينقر على زرّ "التسجيل"، ثم يقول: "هذا تمييز، سأضع هذا الفيديو على فيسبوك، وكل مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى" .
وما الذي ستفعله مضيفة الطيران في تلك الحالة؟ تصرُّ على موقفها ولا تتراجع، ويتضخم الأمر ليصبح كارثة بالنسبة للعلاقات العامة في الشركة. أو تتراجع وتنتهك بذلك لوائح شركة الطيران.
كاميرا جسدية في مقصورة الطيران
في جزر القنال البريطانية، هناك شركة خطوط جوية صغيرة للنقل الإقليمي تُسمىAurigny، ولكنها حققت إنجازاً غير مسبوق في عام 2017، إذ أصبحت أول شركة طيران تستخدم الكاميرات الجسدية عن طريق مضيفات الطيران. وقال ديف كوكس، مدير العمليات الأرضية بشركة Aurigny: "الأغلبية العظمة من ركابنا ودودون للغاية، ومهذبون، ومحترمون، ويعرف أغلبهم طاقمنا بشكل شخصي. ولكنك رغم ذلك تواجه في بعض الأحيان أشخاصاً عدوانيين، وغير مهذبين، يسيئون إلى طاقمنا" .
قد ينطبق هذا الوصف بشكل أفضل على شركات الطيران التي تنقل الركاب بانتظام إلى الحفلات في إبيثا أو الحفلات النسائية المتوجهة إلى بالي، ولكن أن تشعر شركة طيران إقليمية صغيرة، تعمل في جزيرة تشتهر بشكل رئيسي بالغولف والقلاع، بضرورة استخدام كاميرات جسدية مدهش بعض الشيء.
وقالت شركات الطيران الأمريكية الكبرى، تعليقاً على ذلك، إنها لا تُخطط لأن تحذو نفس الحذو. في حين يشعر الركاب بحرية سحب هواتفهم في أي وقت، وبدء تصوير أي شيء لا يروق لهم ويرونه سيئاً، قد لا تصبح الرحلة هادئة أو مريحة، عندما يدرك نفس الركاب أن مضيفة الطيران تقوم بالمثل عبر الكاميرا الجسدية.