هدأت الأمور في عدن ولو مؤقتاً وانتصر الطرف الأقوى المدعوم إماراتياً وبدأ الحديث عن تقسيم اليمن يتصدر عناوين الأخبار، فهل يتم فعلاً تقسيم البلاد إلى دولتين مرة أخرى؟ وما الذي تعنيه هذه الخطوة بالنسبة لدول الخليج والشرق الأوسط والعالم بأسره؟
ما المؤشرات على التقسيم؟
تستدعي الإجابة عن هذا السؤال أن نعود للوراء لنلقي نظرة على تاريخ البلد الذي كان يعرف يوماً باليمن السعيد، حيث إنه في ستينيات القرن الماضي شهدت البلاد صراعاً إقليمياً دموياً كان عنوانه الملكية والجمهورية، وكانت مصر بقيادة جمال عبدالناصر والسعودية تحت قيادة آل سعود في المنتصف من ذلك الصراع.
كانت مصر تدعم قيام الجمهورية في اليمن الشمالي بينما دعمت السعودية حكم الإمامة وأرسلت مصر آلاف الجنود بقيادة عبدالحكيم عامر لدعم انقلاب عبدالله السلال على حكم الإمام أحمد، بينما قامت السعودية بتزويد القبائل اليزيدية التي تدعم الإمام بالسلاح والعتاد، واستمر ذلك الصراع سنوات طويلة وانتهى بإعلان تقسيم اليمن إلى الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية في الجنوب والجمهورية اليمنية العربية في الشمال.
استمر ذلك الوضع حتى تم توحيد اليمن تحت رئاسة علي عبدالله صالح الذي كان رئيساً لليمن الشمالي وذلك عام 1990، وهو الوضع الذي استمر حتى انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران على علي عبدالله صالح واقتحام ميليشياتهم للعاصمة صنعاء وذلك عام 2014.
مع تشكيل السعودية تحالفا لدعم الحكومة المعترف بها دوليا وشن الحرب منذ مارس 2015، ظهر لاعب جديد مهم على الساحة اليمنية وهو دولة الإمارات العربية المتحدة التي عمدت منذ اللحظة الأولى لدخولها إلى اليمن من الجنوب وتحديدا عدن إلى تكريس وجودها على الأرض في الميناء الحيوي بحثاً عن السيطرة على باب المندب.
أحداث الأسبوعين الماضيين التي شهدت قيام قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي المظلة السياسية لتلك القوات بالاستيلاء على قصر الرئاسة ومباني حكومية أخرى والسيطرة فعلياً على عدن، وسط صمت سعودي مريب، تلك الأحداث تكشف بوضوح أن تقسيم اليمن بين الجنوب والشمال ربما لا يكون بعيداً أيضاً عن المصالح السعودية.
رغبة الجنوب في الانفصال
يشمل جنوب اليمن نحو 80% من مساحة اليمن الموحد مقابل 20% فقط هي مساحة اليمن الشمالي، أما سكانياً فالوضع معكوس حيث 20% فقط من عدد السكان البالغ 24 مليوناً يعيشون في الجنوب بينما 80% من السكان ينتمون للشمال، إضافة إلى ذلك فإن ثروات اليمن تتركز بشكل كبير في الجنوب، بينما الشمال عبارة عن هضبة تتوقع التقارير أن تنفذ منها المياه عام 2034.
هذه العناصر توضح رغبة أهل الجنوب في الاستقلال عن الشمال وإعادة دولتهم المنفصلة عن الشمال، إضافة إلى عنصر آخر لا يقل أهمية وهو طبيعة أهل الجنوب الثقافية والاجتماعية حيث أنهم أكثر انفتاحاً وأقرب للحداثة، عكس أهل الشمال الذين تغلب عليهم القبلية أكثر والتشدد الديني لأنهم أقرب إلى الوهابية.
وفي هذا السياق، قال صالح النود المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي والذي يقيم في بريطانيا لرويترز في مقابلة: "التخلي عن السيطرة على عدن ليس مطروحا على المائدة في الوقت الحالي"، مضيفاً: "نحن هناك باقون لكننا باقون لسبب إيجابي: صوناً للاستقرار".
وقال إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو إخراج جميع عناصر حزب الإصلاح الإسلامي، الذي يعد من أركان حكومة هادي، من مراكز النفوذ كلها ومعها أي ساسة ينتمون للشمال.
المعنى نفسه ورد في تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني، حيث شعر كثير من اليمنيين في عدن بمزيد من البهجة هذا الأسبوع، إذ كان هذا أول عيد تقضيه مدينتهم تحت سيطرة الانفصاليين منذ عام 1990.
قال مالك، مهندس ميكانيكا يبلغ من العمر 32 عاماً ويدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، في مقابلة عبر الهاتف: "كانت قلوبنا مع مقاتلي قوات الحزام الأمني. لم نشعر بالسعادة إلا عندما علمنا أنَّ تلك القوات سيطرت على القصر الرئاسي".
وأضاف: "نحتفل بالعيد في هذه الأيام، لكننا نحتفل أيضاً بانتصار المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة الشمالية، التي كانت تنهب عدن منذ عام 1990".
السعودية في مأزق والتقسيم يبدو المخرج الوحيد
تقسيم اليمن إذن يبدو السيناريو الأقرب في ضوء ما فعلته الإمارات في السنوات الأربعة الأخيرة، حيث سلحت ودربت ميليشيات يبلغ قوامها 90 ألف عسكري وأمدتهم بأحدث الأسلحة، كما شكلت المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 وهم الآن يسيطرون فعلياً على عدن، بينما الرئيس منصور عبدربه هادي موجود في السعودية وينظر الجنوبيون إلى حكومته على أنها احتلال شمالي.
العنصر الجديد الذي دخل على المعادلة هذه المرة يتمثل في جماعة الحوثي الشيعية والمدعومة من إيران وهذا هو سبب دخول السعودية في حرب اليمن، لكن لا يوجد ما يمنع من إعلان استقلال جنوب اليمن وحصر النفوذ الحوثي في الشمال، فهذا الحل سيضمن للسعودية ولاء الجنوبيين ووقوفهم معها ضد الحوثي في الشمال.
لكن المشكلة الآن تكمن بالأساس في تخبط السياسة الخارجية السعودية في ظل وجود ولي العهد محمد بن سلمان، وهذا ما خلص إليه تقرير لمركز سوفان في نيويورك أمس الأربعاء 14 أغسطس/آب: "يبدو الآن أن أبوظبي تعيد النظر في الحكمة وراء السياسة الخارجية السعودية في ظل (ولي العهد الأمير) محمد بن سلمان والتي لم تحقق انتصارات ملموسة تذكر".
وفي حين تستطيع الإمارات الخروج من اليمن مع الاحتفاظ بنفوذ على القوات الجنوبية فإنه لا يمكن للسعودية الرحيل دون تحييد حركة الحوثي المسلحة على حدودها.
وقال مصدر خليجي مطلع على السياسة اليمنية لرويترز الخميس 15 أغسطس/آب "السعوديون أصبحوا بمفردهم.. لا أعتقد أنهم يعرفون كيف يخرجون.. يجب عليهم الاعتراف بأن حكومة هادي فشلت على مدى خمسة أعوام".
الحل بالنسبة للسعودية جاء على لسان النود الذي قال أن الجنوبيين لن يقبلوا بعد الآن بتهميشهم، وأضاف: "على السعوديين اتخاذ القرار: فهل يريدون الفوز في الحرب على الحوثيين؟ إذا كانوا يريدون ذلك فعليهم الاعتراف بنا، المجلس الانتقالي الجنوبي، في حكم الجنوب وإدارته حتى في الفترة الانتقالية".
الرياض كانت قد دعت إلى قمة طارئة حول عدن دون تحديد موعد، وقال محمد الحضرمي نائب وزير الخارجية في حكومة هادي لرويترز يوم الأربعاء إنهم لن يحضروا ما لم تكف الإمارات عن دعم المقاتلين الانفصاليين في أعقاب "الانقلاب"، وأضاف أنهم لا يمكنهم الذهاب والاجتماع إذا ظل الانفصاليون يسيطرون على عدن ولم ينسحبوا من المواقع.
ووجه النود رسالة لولي العهد
"أقول لمحمد بن سلمان: إذا كنت تريد فعلاً الانتصار في الحرب فقد كان الجنوبيون شركاء ذوي مصداقية وبرهنوا على أن بإمكانهم التواصل بشكل بناء… لكنهم يحتاجون في المقابل الحفاظ على الجنوب نظيفاً من هؤلاء المسؤولين الفاسدين المنتسبين للإصلاح".
ماذا يعني التقسيم لمنطقة الخليج؟
النود أكد سيناريو التقسيم دون مواربة حين قال لرويترز: "أنا لا أحاول تحاشي القول إننا سننفصل لأن هذا احتمال حقيقي الآن"، مضيفاً أن أحد الخيارات هو وجود حكومتين، واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب.
والمواقف المعلنة من دول الخليج ولو بشكل غير رسمي أو بالصمت كما فعلت السعودية بينما تدور حرب شوارع في عدن يشير إلى أن تقسيم اليمن ربما لا يكون أمراً مرفوضاً، فالسعودية على سبيل المثال عارضت ذلك وحاربته في الستينيات خوفاً من تنامي فكرة القومية العربية التي كان يتبناها جمال عبدالناصر.
وفي نفس الوقت ضمان وجود حكومة جنوبية مدعومة خليجياً يعني حماية الملاحة في مضيق باب المندب وحرمان إيران من النفوذ في ذلك المعبر المائي الهام، بينما تتكفل الولايات المتحدة وباقي القوى الدولية بضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز والخليج العربي، وهذا يعتبر ترتيبا مثالياً.
وماذا يعني للشرق الأوسط والعالم؟
ما يحدث على الأرض في اليمن لا يؤثر فقط على التوترات في منطقة الخليج، بل يصل تأثيره إلى الشرق الأوسط أيضاً، وليس أدل على ذلك من تدخل إسرائيل بشكل مباشر في الحرب اليمنية في الستينيات، حيث كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تعبر الأجواء السعودية وتلقي بالأسلحة إلى مؤيدي الإمام أحمد في المناطق الجبلية والقبلية، حيث اجتمعت مع السعودية وقتها في هدف منع وصول نفوذ القوميين العرب بقيادة جمال عبدالناصر إلى باب المندب من ناحية اليمن.
أما بالنسبة للقوى الغربية والعالمية، فبالإضافة لضمان حرية الملاحة عبر باب المندب، هناك أيضاً التخوف من اتساع نفوذ الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية داعش والقاعدة، وهو السبب الذي جعل الإدارة الأمريكية توافق على تقديم الدعم اللوجستي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وفي ضوء كون عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة متأخرة كثيراً، تواجه الهيئة الدولية صعوبات في تنفيذ اتفاق سلام متعثر في ميناء الحديدة الواقع إلى الشمال من عدن وتخفيف التوترات بين السعودية والحوثيين لتمكين الأطراف من إجراء مباحثات سياسية لتشكيل حكومة انتقالية من أجل إنهاء الحرب.
وفي هذا السياق، قال النود: "أي موقع سلطة يجب أن يكون في أيدي الجنوبيين. يجب منح الجنوبيين السلطة لحكم أنفسهم ويجب أن يتواصل الجنوبيون كشريك كامل في عملية السلام".
وأضاف: "ما زال بإمكاننا أن نكون جزءاً من اليمن ويمكن لهادي أن يظل رئيساً لكن لابد أن يحكم الجنوبيون الجنوب".
تقسيم اليمن إذن يبدو السيناريو الأقرب، لكن ذلك لا يعني انتهاء معاناة اليمنيين الذين يبدو أنهم سيظلون يدفعون ثمن موقع بلدهم الجغرافي والاستراتيجي المميز والهام للقوى الإقليمية والدولية على حد سواء، ولا أحد من تلك القوى يلقي بالاً لدماء اليمنيين التي تسيل كالشلال دون بارقة أمل في توقف تلك الحروب العبثية هناك.