من شأن سيطرة الانفصاليين في جنوب اليمن، على عدن، مقرّ الحكومة اليمنية المؤقتة، أن تضع السعودية في موقف صعب تُكابد فيه للحفاظ على تماسك تحالف عسكري يقاتل الحوثيين المتحالفين مع إيران.
كما تُهدد هذه السيطرة بتقسيم جنوب اليمن، في وقت تسعى فيه الأمم المتحدة جاهدة لإحياء محادثات تهدف لإنهاء الحرب المستمرة منذ أربع سنوات ونصف السنة، دفعت ملايين اليمنيين إلى شفا مجاعة.
ما الذي حدث في عدن؟
سيطر الانفصاليون، الذين يريدون الانفصال عن الشمال ويحظون بدعم الإمارات العربية المتحدة، على عدن بشكل فعلي، عندما استولّوا على قواعد الجيش التابعة للحكومة، أمس السبت 10 أغسطس/آب، بعدما اتّهموا حزباً متحالفاً مع الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتواطؤ في هجوم صاروخي للحوثيين على قواتهم.
وردَّ التحالف الذي تقوده السعودية ويدعم حكومة اليمن، الأحد، قائلاً إنَّه هاجم أحد الأهداف بعد أن هدَّد بالتحرُّك ما لم توقف قوات الجنوب إطلاق النار. والجانبان حليفان اسمياً في إطار التحالف الذي يقاتل الحوثيين الذين طردوا حكومة هادي من العاصمة صنعاء في 2014، لكن أهدافهما متعارضة.
وكان وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري قد اتهم في مقطع فيديو منشور، مؤسسة الرئاسة والسعودية بالصمت إزاء انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، على الحكومة اليمنية في عدن، واصفاً أن الرئاسة اليمنية لم تكن موفقة في صمتها المريب عما حدث ويحدث في عدن.
وأضاف: "شريكنا في التحالف (الإمارات) يذبحنا من الوريد إلى الوريد"، فيما انتقد السعودية على صمتها 4 أيام. كاشفاً في الوقت نفسه أن 400 عربة إماراتية يقودها مأجورون نزلت شوارع عدن، وشاركت في المواجهات، و "نحن قاتلناهم بأسلحتنا البدائية" .
ماذا يعني ذلك بالنسبة للتحالف؟
يزيد ذلك من صعوبة المهمة التي تهدف السعودية لتحقيقها، وهي إضعاف قبضة الحوثيين على البلاد، إذ يسيطرون حالياً على العاصمة صنعاء وأغلب المراكز الحضرية.
وتدخَّل التحالف السُّني المدعوم من الغرب في اليمن ضد الحوثيين في 2015. ويعتبر الصراع في اليمن على نطاق واسع حرباً بالوكالة بين السعودية وإيران.
وليس للحوثيين مناطق نفوذ في الجنوب، حيث سلَّحت الإمارات ودرَّبت نحو 90 ألفاً من القوات اليمنية، التي جاءت من الأصل من الانفصاليين الجنوبيين ومقاتلين من السهول الساحلية.
لكنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقود الانفصاليين، قد لا يحظى بالكثير من الدعم خارج عدن. وتهدد الخطوة التي اتَّخذها بتأجيج الاقتتال في الجنوب، وتقوية شوكة جماعات متشدّدة مثل تنظيم القاعدة، كما تقول رويترز.
كيف وصل الأمر لهذه المرحلة؟
ليس هناك ودّ مفقود أصلاً بين حكومة هادي والانفصاليين، الذين يتهمونها بسوء الإدارة والفساد. كما أحيت الحرب توترات تعود إلى زمن بعيد بين الشمال والجنوب، إذ شكَّل كلُّ شطر دولةً منفصلة، ولم يتوحَّدا إلا في عام 1990.
هذا ليس الانقلاب الأول للانفصاليين. فقد سيطروا على عدن، في يناير/كانون الثاني من عام 2018. وساعدت الرياض وأبوظبي في إنهاء تلك الأزمة. وطلبت الإمارات من مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، مارتن جريفيث، ممارسة ضغوط على الجانبين. وقالت الرياض إنَّها ستستضيف قمة طارئة لطرفي الأزمة لاستعادة النظام.
وتقول الباحثة إليزابيث كيندال، من جامعة أوكسفورد لرويترز، إنَّ "الاستعانة بجماعات مسلحة انفصالية من أنحاء الجنوب… كانت دوماً ضرباً من اللعب بالنار. من المثير للدهشة أن تقول الإمارات إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص هو الذي يتعين عليه حل المشكلة" .
هل تَفكَّك التحالف السعودي الإماراتي في اليمن؟
تقول رويترز، لم يتفكك التحالف لكنه تصدَّع، ويستبعد محللون أن تلزم الإمارات نفسها مجدداً بإرسال قوات، لكنها ستدعم الرياض التي تعمل معها لاحتواء إيران الشيعية.
وقالت الإمارات إنَّها خفَّضت وجودَها في اليمن مع صمود الهدنة في ميناء الحديدة الرئيسي، الذي صار محور الحرب العام الماضي، عندما سعى التحالف للسيطرة عليه.
وقال دبلوماسيون إنَّ تقليص مشاركة الإمارات يرجع إلى قبولها فكرة عدم إمكانية الحل العسكري هناك، بعد الانتقادات الدولية للضربات الجوية التي شنَّها التحالف، وأسفرت عن مقتل مدنيين، فضلاً عن الأزمة الإنسانية في اليمن.
ومما منح قرار الإمارات حافزاً إضافياً ضغوط الغرب لإنهاء الحرب، التي أودت بحياة عشرات الألوف، وصعَّدت التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، لدرجة قد تُنذر بحرب في الخليج.
ما الذي يمكن أن تفعله الأمم المتحدة؟
في الوقت الحالي يمكن للأمم المتحدة أن تباشر الدبلوماسية المكوكية. سعى جريفيث ولا يزال لإنقاذ اتفاق تعثّر تنفيذه لسحب القوات، وهو الاتفاق الذي توصل إليه الحوثيون مع حكومة هادي خلال محادثات سلام في السويد، في ديسمبر/كانون الأول.
كما يحاول جريفيث تهدئة التوتر بين الحوثيين والسعودية، بعد أن صعدت الحركة هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة على مدن سعودية على مدى الشهور الماضية.
وإذا ما تبلورت لدى الأطراف فكرة إجراء محادثات سياسية أوسع نطاقاً، بهدف تشكيل كيان حاكم مؤقت، فسيكون عليها ضمّ المزيد من الفصائل اليمنية المنقسمة، ومن بينها انفصاليو الجنوب.