حرب الشوارع التي تدور الآن في عدن بين الساعين لانفصال جنوب اليمن والقوات التابعة لحكومة الرئيس عبدربه هادي منصور تأتي في توقيت يصعب تفسيره في ظل كون الطرفين ضمن معسكر واحد يحارب قوات الحوثيين تحت مظلة تحالف تقوده السعودية، فلماذا تشجع الإمارات علناً على انفصال الجنوب وتغذي ذلك الاقتتال الداخلي وما هي حقيقة الأهداف الإماراتية من وراء الاشتراك في حرب اليمن؟
ماذا حدث الآن؟
ضاحي خلفان نائب القائد العام لشرطة دبي أطلق عدة تصريحات عبر تويتر، سخر فيها من الرئيس عبدربه هادي، وطالب فيها أهل الجنوب بترحيل الشماليين، مؤكداً أن استقلال جنوب اليمن أمر ضروري للأمن القومي العربي والخليجي.
ودعا خلفان إلى إنهاء "شرعية عبد ربه" معتبراً ذلك "العلاج الحقيقي لاستقلال جنوب (اليمن)،" وتابع في تغريدة أخرى: "من حق الجنوب أن يرحّل أبناء الشمال في ظل الاعتداءات التي يقوم بها الشمال على مدن الجنوب. ففي كل مرة تضبط جماعة بحوزتها ما يهدد أمن واستقرار الجنوب".
والمؤكد أن خلفان لا يعبر عن رأي أو رغبة شخصية تخصه، فطريقة إدارة الأمور في الإمارات معروفة ولا يوجد ما يمكن تسميته بمعارضة أو حتى رأي مخالف للسياسة العامة للدولة، وبالتالي تعبر تصريحات خلفان عن ما تريده أبو ظبي وهو انفصال جنوب اليمن، والسؤال لماذا؟
أهداف واضحة منذ البداية
لا يمكن اعتبار ما يحدث الآن من دعم إماراتي معلن لانفصال جنوب اليمن أمراً وليد اللحظة أو نتيجة لوجود خلافات مع المملكة العربية السعودية، كما قد يبدو الأمر، لسبب بسيط وهو أن أي تحول استراتيجي كبير في السياسة بشكل عام لا يتم هكذا بين ليلة وضحاها وإلا لما كانت الترتيبات الفاعلة على الأرض الآن موجودة.
لابد إذن من العودة لنقطة البداية في تلك الحرب قبل أكثر من أربع سنوات، عندما انقلب الحوثيون على حكومة عبدربه هادي الذي فر إلى السعودية، وتم تشكيل التحالف العربي والدخول في حرب اليمن، كي نصل لإجابة السؤال وهو لماذا تريد الإمارات دولة مستقلة في جنوب اليمن؟ أي عودة إلى ما قبل عام 1990 حينما تم توحيد اليمن الشمالي والجنوبي تحت رئاسة الراحل علي عبدالله صالح.
وجود دائم في باب المندب
طموحات الإمارات الإقليمية والتي لا تتناسب مع إمكانياتها الجيوسياسية لم تعد سراً، والمهندس وراء تلك الطموحات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وضع تلك الطموحات موضع التنفيذ على كل الجبهات، وفي هذا الإطار جاء الاشتراك الإماراتي في التحالف الذي دعت إليه السعودية لإعادة الشرعية إلى اليمن ومن هنا التسمية "تحالف دعم الشرعية".
منذ مارس/آذار 2015 دخلت القوات الإماراتية جنوب اليمن وتركزت هناك وبدأت تدريب وتسليح فصائل يمنية من الجنوب والهدف كان واضحاً ومعلناً وهو ضمان تواجد إماراتي ثابت ودائم في تلك المنطقة لضمان السيطرة على باب المندب.
هذا الهدف استراتيجي وجاد تماماً، وسعت أبوظبي لتحقيقه ليس فقط من خلال الاشتراك في التحالف السعودي في اليمن ولكن أيضاً من خلال التنسيق مع مصر والحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنشاء قواعد لوجستية وعسكرية في الصومال وإريتريا لضمان التواجد على جانبي مضيق باب المندب الذي لا يقل أهمية عن مضيق هرمز.
رجال الإمارات في جنوب اليمن
ولكي تتحقق هذه الاستراتيجية بشكل كامل، لابد من وجود نفوذ إماراتي مسيطر في جنوب اليمن، ومنذ الأيام الأولى لطرد قوات الحوثي من جنوب اليمن، تمثلت الرؤية الإماراتية في دعم سياسيين يمنيين من الجنوب وإنشاء ميليشيات يمنية جنوبية أصبحت الآن معروفة بقوات الحزام الأمني، أما أبرز رجالات الإمارات فهم عيدروس الزبيدي الذي كان محافظاً لعدن وأقاله الرئيس عبدربه في أبريل/نيسان 2017، وهاني بن بريك وزير الدولة الذي أقاله الرئيس أيضاً في نفس الوقت.
رد الإمارات على إقالة الرئيس للزبيدي وبن بريك كان حاسماً وواضحاً وقتها، حيث تم الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الزبيدي ونائبه بن بريك، وتم الإعلان عن تشكيل قوات الحزام الأمني بقيادة بن بريك.
من الذي يقود الدعوة لاستقلال الجنوب الآن؟
عودة إلى الاشتباكات الحالية، نجد أنها اندلعت بعد تعرض المعسكر الرئيسي لقوات الحزام الأمني لهجوم بطائرة مسيرة وصاروخ باليستي تبنته قوات الحوثي أوقع 36 قتيلاً بينهم أحد قادة قوات الحزام الأمني، وأعلن بن بريك أن الهجوم وقع بسبب خيانة من جانب الرئيس وبعض رجاله، وتحديداً حزب الإصلاح اليمني.
حزب الإصلاح اليمني تراه الإمارات محسوباً على جماعة الإخوان المسلمين وهنا يظهر في الصورة ركيزة أخرى من ركائز الاستراتيجية الإماراتية وهي محاربة عودة الجماعة للمشهد السياسي في المنطقة العربية بأي صورة من الصور، ولو أضفنا هنا أن بن بريك من القيادات السلفية في اليمن تكون الصورة اكتملت في هذا السياق.
تغريدات خلفان إذن المحرضة للجنوبيين على الانفصال، بغض النظر عن ما يسببه ذلك من انتصار ساحق وواضح للحوثيين ومن خلفهم إيران ويضع السعودية في كارثة حقيقية، ليست وليدة اللحظة بل هي تكريس لهدف إماراتي استراتيجي موجود منذ اللحظة الأولى للدخول في حرب اليمن.
ماذا أرادت السعودية من حرب اليمن؟
الإجابة عن هذا السؤال تعيدنا مرة أخرى لعام بداية الحرب وهو 2015، ووقتها كان محمد بن سلمان ولي ولي عهد السعودية، والحرب في اليمن كانت فكرته والهدف المعلن منها كان منع تواجد الحوثيين ومن ثم إيران على الحدود السعودية وهذا مفهوم، لكن السبب الحقيقي، بإجماع المراقبين وهو ما أكدته أحداث السنوات الأربع الماضية، هو طموح محمد بن سلمان في أن يحقق انتصاراً ساحقاً في اليمن يعزز موقفه في أن يصبح خليفة لأبيه.
هذا هو الفارق الجوهري بين موقف السعودية في اليمن وموقف الإمارات، فالأخيرة دخلت الحرب برؤية استراتيجية واضحة وأهداف محددة تتحقق الآن بالفعل ولو على حساب دماء اليمنيين وزعزعة استقرار المنطقة برمتها، بينما دخلت الأولى الحرب بطريقة عشوائية هوجاء (صفتان اشتهر بهما ولي العهد السعودي الشاب الذي كان وقتها في بداية العقد الثالث من عمره) حيث كانت السعودية تعرف ما لا تريده في اليمن وهو منع وجود إيراني وولي ولي العهد يريد انتصاراً يجعله القائد المغوار.
مع طول أمد الحرب وتحولها لفضيحة دولية ووقوع أكبر كارثة إنسانية في القرن الحالي، زادت الضغوط دولياً وأمريكياً، فقررت الإمارات الانسحاب بعد أن حققت كل أهدافها الاستراتيجية تاركة محمد بن سلمان الذي استغله ولي عهد أبوظبي "كحصان طروادة" لدخول جنوب اليمن وتحقيق استراتيجيته من السيطرة على باب المندب، وحيداً مهزوماً.
تلك هي الأسباب التي دفعت الإمارات لدخول حرب اليمن وهي نفسها الأسباب التي دفعتها للانسحاب، بعد أن جهزت رجالها من اليمنيين لضمان انفصال الجنوب تحت قيادة تدين لأبوظبي بالولاء التام كي تضمن وجوداً دائماً وثابتاً في مضيق باب المندب.