حذَّر تقريرٌ جديد من التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة. إذ أكَّدت مجموعة الأزمات الدولية أنَّ "أي تقديرٍ خاطئ أو أيِّ تصعيدٍ أحادي الجانب يمكن بسهولةٍ أن يدفع المنطقة بأكملها إلى صراع مدمر لا يريده أحد، مثلما حدث في أوروبا في عام 1914" .
كأننا في أجواء الحرب العالمية الأولى
وأشار التقرير الذي تناولته صحيفة The Washington Post الأمريكية إلى أنَّ "الرصاصة القاتلة التي أودت بحياة الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند آنذاك أشعلت النيران في القارة الأوروبية بأكملها. واليوم، يمكن أن يؤدي أي هجومٍ بالصواريخ أو الطائرات بدون طيار أو الألغام التي تُلصَق بأجسام السفن إلى تصعيدٍ عسكري لا يُمكن احتواؤه بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهةٍ وإيران ووكلائها الإقليميين من جهةٍ أخرى" .
وفي السياق نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية حكومية يوم أمس الأحد 4 أغسطس/آب، أنَّ القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني صادرت ناقلة نفط أخرى في الخليج، بداعي أنَّها تحمل "وقوداً مهرباً". وقد وقعت عملية المصادرة يوم الأربعاء الماضي 31 يوليو/تموز.
وجديرٌ بالذكر أنَّ هذه هي المرة الثالثة على الأقل التي تصادر فيها القوات الإيرانية ناقلة نفط في الأشهر الأخيرة، بعدما استولى الحرس الثوري على سفينة ترفع العلم البنمي، وأخرى ترفع العلم البريطاني، في الشهر الماضي يوليو/تموز. وقال الإيرانيون إنَّ مصادرة السفينة البريطانية جاءت رداً على صعود القوات البريطانية على سفينة إيرانية في البحر المتوسط، وإجبارها على التوقف. لذا تسعى الولايات المتحدة والقوى الأوروبية جاهدةً إلى وضع خطةٍ لفرض إجراءاتٍ أمنية مشدَّدة تحمي حركة السفن في الخليج، الذي يُعد أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي.
الشرق الأوسط ملتهب جداً
وعلى الصعيد نفسه، هناك العديد من القضايا التي قد تُشعل فتيل صراع مُدمِّر. ففي العراق، تتنافس ميليشيات وأحزاب سياسية مرتبطة بإيران على نيل نفوذٍ داخل الحكومة العراقية المركزية المنقسمة. وفي اليمن، يشنّ الحوثيون، الذين يحظون بدعمٍ من إيران، هجماتٍ صاروخية على المملكة العربية السعودية والبحر الأحمر. وإلى جانب كل المآسي الأخرى في سوريا، فإنَّها تشهد كذلك "لعبة قط وفأر"، على حدِّ وصف علي فايز، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، بين إسرائيل وإيران، إذ تستهدف إسرائيل الأصول الإيرانية هناك بشنِّ غاراتٍ جوية متكررة على مرِّ الأعوام الخمسة الماضية. وكذلك يمكن أن تندلع هذه العداوات بسهولة بين الطرفين في دولة لبنان المجاورة، التي يقع فيها مقر حزب الله الإيراني صاحب النفوذ.
تصرُّ كلٌّ من الولايات المتحدة وإيران على أنهما لا تريدان الحرب. ومع أنَّ حملة "الضغوط القصوى" التي أطلقتها إدارة ترامب قد نجحت في الإضرار بالاقتصاد الإيراني، فإنها لم تنجح في كبح جماح السلوك الإقليمي لإيران، وإنما زادت هذه الحملة من العداوات. مارس النظام الإيراني في البداية درجة من الصبر، محاولاً انتظار نهاية تكتيكات ضغوط الرئيس ترامب، عبر الامتثال لشروط الصفقة النووية التي انسحب منها ترامب من جانب واحد.
ومع تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني، قرَّر النظام زيادة المخاطر، سعياً للحصول على مكاسب، فانتهك حدود تخصيب اليورانيوم المحددة بموجب الاتفاقية، في الوقت الذي حثت فيه إيران الشركاء الأوروبيين على تعويض الضربة المالية الضخمة الناتجة عن خسارة صادراتها النفطية. وحتى الآن، فإنَّ المبادرة الأوروبية للمساعدة على التجارة مع إيران من دون التعرض للعقوبات الأمريكية، لم تؤت ثمارها على نحو ملائم. وكذا، فإنَّ الإيرانيين يختبرون الأجواء، ويُظهرون للولايات المتحدة وحلفائها أنهم هم أيضاً بإمكانهم التسبب في الألم.
وقال فايز في مكالمة إحاطة مع الصحفيين الأسبوع الماضي: "أخشى أن تكون القيادة في طهران قد خلصت إلى أنَّ عدم الامتثال والمقاومة قد أصبحا أكثر فائدة بالنسبة لهم من الامتثال وضبط النفس" .
ورطات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ربما لم تنتهِ
ويعتقد المسؤولون الإيرانيون، أنَّ ترامب، بخلاف بعض مستشاريه المقربين، سوف يبذل قصارى جهده لمنع نشوب صراع كبير. ويشكو الرئيس بشكل روتيني من ورطات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحضت إدارته الحكومات الأوروبية والعربية على المساعدة في تحمل مسؤولية الأمن البحري في المنطقة.
وحذَّر فايز من أنَّ هذه الثقة "من شأنها أن تدفع النظام الإيراني إلى سوء التقدير لو اعتقدوا أنَّ المزيد من التصعيد والاستفزاز لن يترتب عليه سوى القليل من التكاليف العسكرية والدبلوماسية" .
وفي وقت سابق من الصيف الجاري، تفاخر ترامب بإيقاف ضربة انتقامية قاتلة ضد القوات الإيرانية، بعد إسقاط طائرة أمريكية من دون طيار. وقد أزعجت رسائل ترامب مراقبي السياسة الخارجية المخضرمين.
إذ كتب ستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسون، وكلاهما أعضاء سابقون في مجلس الأمن القومي بإدارة أوباما: "لا ينبغي لأحد التقليل من قوة الغرور والمظاهر في إملاء تحركات ترامب. لا يزال من المحال معرفة ما إذا كانت الإدارة تنوي فعلاً خوض حرب، أم أنها تنخرط في دبلوماسية قسرية فحسب، أم أنها تهيم في بحر من سوء التفسير. وربما لا يكون ذلك مهماً، ففي دوامة من التحقيقات والاستفزازات قد تفسح النية الاستراتيجية المجال لردود الفعل المتهورة" .
وقد ناقش سياسيون جمهوريون متشددون علناً، رغبَتهم في شنِّ غارات جوية على مواقع إيرانية، وهي خطوة حذَّر مسؤولون أمنيون من أنّها لن تحقق الكثير، لكنها سوف تذكي لهيب نيران أشد فتكاً بكثير.
وقال وليام ماكريفن، وهو أدميرال أمريكي متقاعد تحدَّث في نفس مؤتمر الإحاطة مع فايز: "أي شخص يعتقد أنَّ من شأن الضربة أن تؤدي إلى إخافة (الإيرانيين) مخطئ. إنَّ دولة مثل إيران فخورة، إذ لديها آلاف السنين من الفخر بوصفها أمة. عندما تضربهم فسوف يردون الضربة، ولن يكتفوا بالتنحي جانباً. ومن ثم، فينبغي لنا أن نكون شديدي الحذر بخصوص سوء التقديرات" .
ويشعر الحلفاء الأمريكيون بالقلق صراحة من نهج إدارة ترامب. إذ قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الأربعاء، إنَّ بلاده "لن تشارك في المهمة البحرية التي عرضتها الولايات المتحدة وخطّطت لها" لعمل دوريات في الخليج، مشيراً بوضوح إلى "عدم وجود حل عسكري" للمأزق مع إيران.
وقال جون ألترمان، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن لمجلة Politico: "ثمة حكومات أخرى ليست متأكدة إذا كانت الولايات المتحدة تحاول إسقاطها، وهم يعتقدون أنَّ الاصطفاف مع الولايات المتحدة ينطوي على مخاطر من دون أن يوفر لهم ذلك الأمن" .
غياب قنوات التفاهم
حتى القوى الإقليمية التي تعارض النظام في طهران علناً حريصة على خفض التصعيد. إذ انخرطت الإمارات العربية المتحدة في جولة من المحادثات مع نظرائها الإيرانيين، بينما كان المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون حذرين من تحديد إيران بوصفها مصدراً للهجمات التخريبية الأخيرة في الخليج.
وقيل إنَّ ترامب قد وجَّه دعوة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لإجراء محادثات مباشرة في المكتب البيضاوي، من خلال السيناتور راند بول، وهو ليبرتاري، من أنصار عدم التدخل (في شؤون الدول الأخرى). رُفض هذا الطلب، ففرضت إدارة ترامب عقوبات على ظريف نفسه، ولجأت إلى السيناتور ليندسي غراهام، وهو جمهوري متشدد كلاسيكي، لفتح مسار موازٍ مع إيران سوف يحاول زيادة عزلة طهران عن أوروبا.
وكتبت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها: "إنَّ غياب قناة مهمة بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن تصميم كلا الجانبين على عدم التراجع، وتعدد نقاط الصدام المحتملة يعني أنَّ وقوع اشتباك -سواء كان وليد سوء التقدير أو كان مقصوداً- أمر لا يمكن استبعاده. ولو حدث ذلك، فسوف يكون من الصعب احتواؤه من حيث المدة أو النطاق".