رصدت وكالة Bloomberg الأمريكية في تقرير الوضع الحالي داخل سد النهضة الإثيوبي المشروع العملاق الذي تحول إلى كابوس مهدَّد بالفشل جراء الفساد المالي الذي ضرب شركة Metec المحلية الكبيرة التي كانت تشرف على بناء السد.
وقالت الوكالة الأمريكية: في اليوم الذي عُثر فيه على سمنجو بقلي المهندس الأول في مشروع سد النهضة وهو يحتضر في سيارته التويوتا بأبوابها المغلقة ومحركها الدائر وسط أديس أبابا بعد أن اخترقت رصاصة رأسه، كان قد غادر منزله، وهو يحمل تذكرة طيران وحقيبة ممتلئة.
كانت خطته في ظهر ذلك اليوم من أيام شهر يوليو/تموز قبل عام هي العودة إلى موقع الإنشاء الخاص بالسد الضخم المقام لتوليد المياه، الذي كان سمجنو يشرف على بنائه منذ عام 2011، وفقاً لوالدة زوجته ميمبيري، تحول المهندس الرئيسي لمشروع السد المقام على النيل إلى بطل قومي. إذ كان الواجهة العامة للخطط المعدة لتغيير وجه إثيوبيا، بشكل يحولها من صورتها التقليدية المعروفة بالحروب والمجاعات إلى بيت الطاقة لقارة إفريقيا.. بالمعنى الحرفي للكلمة.
هل انتحر الرجل؟
ترفض ميمبيري كغيرها من الإثيوبيين رواية الشرطة بأن الحادث مجرد انتحار. وتساءلت العجوز السبعينية في مقابلة معها في منزلها في العاصمة الإثيوبية حيث تعتني بأصغر أبنائه اللذين تركهما بعد رحيله: "ما الذي يمكن أن يدفعه إلى شراء تذكرة وحزم أمتعته للرحيل إذا كان ينوي قتل نفسه؟" .
وأياً ما كانت هوية قاتل سيمجنو، فإن الرجل وجد نفسه في عين عواصف سياسية متعددة لا تزال تضرب حتى اليوم واحداً من أكبر مشروعات البنية التحتية في إفريقيا: سد النهضة العظيم. وبعد عام من وفاة سيمجنو، بات الخطر يدق الأبواب بأن يتحول المشروع الذي يرمز لمستقبل إثيوبيا المزدهر إلى رسالة تذكير بمعاناة البلاد لمغالبة ماضيها المضطرب.
عارضت مصر بشراسة إنشاء السد، بسبب مخاوف من أن يُقلل حصتها من مياه النيل، بل ووصل الأمر بها بالتهديد بشن حرب على إثيوبيا. ينشأ أكثر من 80% من حصة مصر من مياه النيل في مرتفعات إثيوبيا. غير أن القدرة غير المسبوقة على الوصول للمسؤولين والمهندسين العاملين على إدارة المشروع تشير إلى أن الخطر الأكبر على تحول إثيوبيا إلى الطاقة الكهرمائية لا يأتي من مصر، وإنما من الخلافات الداخلية التي تحيط بتغيير القيادة في أديس أبابا قبل ثلاثة أشهر فقط من مقتل سيمجنو، بحسب الوكالة الأمريكية.
أفكار أبي أحمد
وصل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى السلطة وفي جعبته أفكار جديدة تركز على السوق لإدارة الاقتصاد. وقد أدى استخدام الحكومة السابقة للسد كمشروع تدريبي للشركة الصناعية التابعة للجيش الإثيوبي إلى كثير من التأخير، كما أدى سحب المشروع من الشركة بسبب مزاعم حول تدني جودة العمل المنجز وعدم الكفاءة إلى مزيد من التأخير. قبل أيام قليلة من وفاة سمجنو، حذر أبي أحمد من أن معدل التطور الحالي يعني أن السد سيستغرق عقداً آخر حتى ينتهي، حسبما ذكرت وسائل إعلام إثيوبية.
كما يهدد تصاعد التوتر بين المجموعات العرقية في البلاد المشروع، إذ يهدد هذا التوتر بتفسخ أواصر البلاد المترابطة من المرتفعات الخصبة والمنخفضات القاحلة للإمبراطورية السابقة. ينحدر أبي أحمد من أكبر المجموعات العرقية في البلاد أي جماعة الأورومو (التي كانت تابعة على مر التاريخ). وبوصوله إلى الحكم، انتزع مرتبة الصدارة التي شغلتها جماعة التغراي لمدة 27 عاماً، التي أنهت بدورها قروناً من سيطرة جماعة الأمهرة.
خرج حوالي ثلاثة ملايين إثيوبي من منازلهم بفعل النزاعات العام الماضي، وفقاً لمركز رصد النزوح الداخلي، وهو الرقم الأعلى على مستوى العالم. وفي يونيو/حزيران، أسفرت محاولة انقلاب مزعومة في مقاطعة أمهرة شمالي البلاد إلى مقتل رئيسها وقائد القوات المسلحة فيها. أعلن القوميون في المقاطعة سيطرتهم على أرضها، وهي الأراضي التي يقام عليها سد النهضة، في مقاطعة بنيشنقول-قماز، وهي المقاطعة التي أخبر أبي أحمد البرلمان بأن هناك مجموعة أخرى تخطط لانقلاب فيها على خُطى أمهرة.
قتال منذ 80 عاماً
وفي هذا الصدد قال سيبهات نيجا، مؤسس جبهة تحرير الشعب لمجموعة تيجراي، إن الجنسيات الإثيوبية تقاتل ضد الحكومات المركزية منذ أكثر من 80 عاماً، وقد قادت الجبهة عملية استيلاء للمتمردين عام 1991، وباتت مهمشة اليوم في ظل حكم أبي أحمد. وأضاف أنه إذا لم تتم استعادة حكم الدستور فإن "تحول إثيوبيا إلى بلقان جديدة أمرٌ لا مفر منه" .
سيكتمل السد إن عاجلاً أم آجلاً، وما من أمرٍ حتمي فيما يخص تشقق إثيوبيا. غير أن مقتل سمجنو قد أخرج كل الإحباطات العامة إلى السطح. إذ حضر الآلاف جنازته للمطالبة بأجوبة على الأسئلة المطروحة حول مقتله، ودخلوا في اشتباكات مع السلطة. ولا تزال نظريات المؤامرة تسيطر حول هوية المسؤول عن مقتل المهندس، بحسب الوكالة الأمريكية.
وكما يشير اسم سد النهضة الكبير، يصعب أن نجد وسيلة أفضل لإبراز أهمية سد "النهضة" لدولة إثيوبيا، أكبر دول إفريقيا من حيث كثافة السكان بعد نيجيريا، أو الحديث عن العبء الذي استقر على كاهل المهندس الخمسيني. حين بدأت الأموال تنفد من لدى الحكومة الإثيوبية لسداد تكاليف الإنشاء التي ستتجاوز يقيناً السعر التكلفة المحدد سلفاً للمشروع، والذي بلغ 3.8 مليار دولار أمريكي، هُرع المواطنون الإثيوبيون العاديون يتبرعون لصالح المشروع. وطُلب من موظفي الحكومة التبرع براتب شهر لصالحه.
ورغم أن إثيوبيا شهدت عقداً كاملاً من النمو السنوي الذي وصل إلى 10%، وتدفق الاستثمارات الصينية إلى البلاد، ظلت إثيوبيا في فقر مدقع بمعدل إجمالي ناتج محلي للفرد أقل من 1000 دولار. وبمجرد أن تعمل توربينات السد البالغ عددها 16، فإن المرفق الذي يوفر 6000 ميغاوات سيزيد من إمدادات البلاد من الكهرباء بأكثر من 150% دفعة واحدة. ومن شأن هذا أن يوفر الطاقة لسكان إثيوبيا الذين لا تصل لهم الكهرباء والذين يصل تعدادهم إلى 100 مليون شخص أو ما يساوي ثلثي السكان، وذلك بحسب وزير الطاقة والري والكهرباء الإثيوبي سيليشي بيكيلي.
ثم يأتي بعد ذلك التأثير الأوسع على الاقتصاد والمنطقة القائمين أساساً على الزراعة. إذ وافقت الصين على بناء شبكة طاقة تقدر بما يقرب من ملياري دولار أمريكي لدعم القطار السريع الذي بنته الصين ومولته، والذي يتعطل في الوقت الراهن كثيراً بفعل انقطاع التيار الكهربائي، وكذلك المناطق الصناعية الخاصة البالغ عددها 16 منطقة. وسيؤدي توريد إثيوبيا للكهرباء لجاراتها إلى زيادة دخلها من العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد كثيراً.
ويمكن لهذه التداخلات أن تساعد في نهاية المطاف في ترويض ما يبدو أنه حلقة مفرغة سرمدية من الفقر والجوع والعنف الذي ابتليت به منطقة القرن الإفريقي من الصومال إلى إريتريا إلى السودان بشمالها وجنوبها.
ويقول أحد نواب سمجنو: "هذا أكثر من مجرد سد، وأكثر من مجرد وظيفة؛ هذا فخر إثيوبيا" .
مواصفات السد العملاق
يقع السد بين دفتي جبل حيث ينحدر نهر النيل من مرتفعات إثيوبيا على بُعد حوالي 20 كيلومتراً (12 ميلاً) من الحدود مع السودان. ومن خلفه، نزح الآلاف ليتيح الطريق أمام خزان طوله 246 كيلومتراً. اكتمل الجدار الأسمنتي الأبيض، الذي يصل طوله إلى 170 متراً ويمتد بطول 1.8 كيلومتر، ولا ينقص منه سوى القسم الأوسط.
أما الآن، فقد تجاوز المشروع الجدول الزمني الموضوع له بخمس سنوات ويزيد. وتقف على الأقل 60 شاحنة من شركة Salini Impregilo، المقاول المسؤول عن أعمال الهندسة المدنية في المشروع، ساكنة دون حراك. وتطالب الشركة الإيطالية بتعويض وتقول إنها توقفت عن العمل في الهيكل الإسمنتي في أكتوبر/تشرين الأول. ومؤخراً زحف تمساحٌ نهري ببطء صوب موقع الإنشاء الهادئ نسبياً.
كان من المقرر أن يعود المهندس سمجنو عائداً إلى مكان الإنشاء في اليوم الذي مات فيه، وفي صحبته فريق من شركة Metec وهي مجمع إثيوبي يديره الجيش، تولى مسؤولية جانب توليد الطاقة لإنشاء السد. وفي غضون شهور، تم إخراج Metec من المشروع وتفكيكها. كما يقبع أربعة عشر من ضباطها المتقاعدين والذين لا يزالون في الخدمة الذين كانوا يتولون إدارتها العليا إما في السجن أو أنهم هاربون إلى دول أخرى، بعد اتهامهم بالفساد في أجزاء مختلفة من العمل التجاري.
واتهمت إدارة Metec الجديدة التي عينتها الحكومة الشركة بالفشل في الوفاء بأي من التزاماتها التعاقدية فيما يخص السد، رغم أنها تلقت ما يقرب من ثُلثي المبلغ المطلوب. ورفضت وزير الري سييليشي التعليق على سحب العقد من الشركة، غير أنها قال إنه توقع استكمال السد والخزان بعد فترة لا تتجاوز سبع سنوات من بدء ملء الخزان عام 2020.
أعيد توزيع العمل الذي كانت Metec إلى مقاولين بالباطن أجانب بينهم مجموعة شركات Composites Group Corp وشركة Sinohydro Corp، وشركة GE France SASU.
وقف فيليب روبار، مشرف الموقع التابع لشركة GE France، إلى جوار لافتة مكتوبة عليها Metec تعني الحيوية، وقلب بصره، حين سألناه عن إسهام الشركة في المشروع. وقال متحدثاً عن التوربينات: "أول وحدتين كان ينبغي أن يتم استكمالها وأن تكونا قد بدأتا العمل الآن"، بحسب الوكالة الأمريكية.
وقال المقاول الإيطالي Salini في ردٍّ عبر البريد الإلكتروني على أسئلة حول التأخيرات التي تسببت فيها شركة Metec وقال إنها حدثت في المقام الأول بسبب أن الشركة كانت تعوزها "بشكل عام الخبرة اللازمة في إتمام أعمال بهذا الثِقل وهذه الطبيعة" .
وفي قاعدة السد، يقوم عمال اللحام الهنود بتجميع أنابيب قطرها 7 أمتار ستعمل على توجيه المياه حتى الوصول إلى التوربينيين. وبمجرد اكتمال تلك الأنابيب، سيتم إغراقها في الخرسانة لتجنب الاهتزاز مع تثبيت قضيب في منتصف كل أنبوب منها، وأعضاء دوارة ثِقلها 800 طن عليها. وسيتم اتباع نفس الإجراء مع التوربينات الأخرى البالغ عددها 14 توربيناً.
إقالة المهندس البديل
اشترك المهندس الرئيسي الجديد كيفل هورو في نفس الوظيفة مع سمجنو عام 2011 حين بدأ المشروع. ويقول إنه أقيل من منصبه بعد اختلافه مع شركة Metec حول مقترح تقدمت به لتغيير تصميم السد لزيادة سعة التوليد الرئيسية.
ويقول كيفل إن الجنرالات لم يكونوا مهندسين ولم يفهموا أن ذلك لن يعني سوى إضافة سعة ومصروفات غير مستخدمة. إذ إن قدرة السد على إنتاج الطاقة على مدار عام قد جرى تثبيتها بفعل حجم المياه وعمقها في الخزان الموجود داخل السد. وزيادة الميجاوات لن يعني سوى السماح بإنتاج نفس القدر من الكهرباء باندفعات أقصر، بحسب الوكالة الأمريكية.
يقول كيفل عن تغيير التصميم الذي اقترحته Metec: "إنه تصميم لا معنى له" . الهدف الآن هو بدء ملء الخزان في شهر يونيو/حزيران التالي واستكمال البناء عام 2022، رغم وجود حاجة إلى هدم بعض ما تم إنجازه أولاً. "هناك قدر كبير من عدم اليقين، لأن Metec أنشأت مخرجين سفليين، ولأسباب تتعلق بالجودة، بدأنا بالفعل في إزالتها" .
كان الرجل الذي تسبب في إقالة كيفل، والذي كان المدير المباشر لسمجنو، واحداً من المسؤولين ذوي النفوذ في الحكومة الإثيوبية السابقة، ديبريتسيون غيبريميتشيل. ولأنه تلقى تدريباً في الهندسة الكهربائية، يقول إنه أقنع سائر أفراد الحكومة بإقرار تغيير التصميم الذي أدخله، محتجاً بأن إضافة توربين سيقلل من تكاليف التشغيل.
بسبب التغييرات السياسية التي طرأت على البلاد وبلغت ذروتها بتعيين أبي أحمد رئيساً للوزراء، جرى تهميش ديبريتسيون وبات يعمل رئيساً للحكومة المحلية في مقاطعة تيجراي المحلية، كما أصبح رئيساً لشركة TPLF. وفي مقابلة عُقدت معه في مكتبه في مدينة ميكيلي عاصمة الإقليم، وصف سمجنو بأنه "ضحية"، بحسب الوكالة الأمريكية.
لماذا تسلمت شركة Metec المشروع؟
وبحسب الوكالة الأمريكية، فقد أضيفت شركة Metec إلى المشروع لأسباب ثلاثة: السبب الأول هو بناء الشركة لتصبح في مصاف الشركات الكورية الجنوبية العملاقة التي تتولى الدولة إدارتها مثل سامسونغ وهيونداي. تطمح إثيوبيا إلى أن تصبح عملاق صادرات الطاقة المائية وتمثلت الفكرة في تدريب المهندسين المحليين الذين سيصبحون قادرين على تولي زمام القيادة في بناء السدود المستقبلية. وكان من المفهوم دائماً أن الاستعانة بشركة محلية سيستغرق وقتاً مع وجود حاجة إلى سد الفجوة في الخبرة في هذا المجال، وفقاً للزعيم الإثيوبي.
وكان الهدف الثاني هو تقليل العبء المالي للسد، الذي تُسدد تكلفته بمساعدة مانحين دوليين. وقررت الحكومة محو ما يقرب من مليار يورو من الفاتورة، ومنحت العمل لشركة Metec لإتمامه بالعملة المحلية وبالاستعانة بعمالة محلية (أزهد ثمناً بكثير). وكان الدافع الأخير، وفقاً لديبريتسيون، هو تقليل عدد الشركات الأجنبية التي يمكن أن تنسحب تحت الضغط المصري.
وقال ديبريتسيون: "إخراج Metec يعد خروجاً عن الاستراتيجية الأصلية" ولا يصب في صالح المصالح الاقتصادية لإثيوبيا على المدى الطويل. وأضاف أن سمجنو كان يؤمن بهذا المنهج. وقال: "علينا أن ندعم هؤلاء الناس، بحيث يتم استكمال المشروع" .
جابت شركة Metec جامعات إثيوبيا لتنتقي صفوة خريجي كليات الهندسة للعمل في مشروع السد.
مقابلات مع مهندسي السد
وقد التقت الوكالة الأمريكية مع ثمانية منهم لكتابة هذا المقال، وجميعهم في سن الثلاثين أو أصغر. وكانت رواتبهم حتى جرى تسريحهم من المشروع العام الماضي 163 دولاراً أو أقل شهرياً. والآن هم بلا وظائف، والتصق بهم عار العمل مع شركة Metec سيئة السمعة.
كان طايع شيفيراو في الثالثة والعشرين من عمره وتخرج لتوه من الجامعة وحصل على شهادة في التصنيع حين بدأ عمله في السد قبل أربعة أعوام. عُين قائد فريق التحكم في الجودة في البطانات التي كان كيفل قلقاً بشأنها، والتي تعد أحد الأجزاء الأكثر حساسية من المشروع. إذ لو حدث أي تسريب في تلك البطانات فإن الضغط الهائل للماء والرواسب المندفعة عبر الثغرات سيؤدي إلى تآكل الأسمنت في قاعدة السد ويؤدي إلى انهياره.
كان المدير المباشر لطايع جنرالاً في الجيش، ووفقاً لطايع، لم يكن ضباط الجيش المسؤولون عن المشروع يفهمون ما يبلغهم به المهندسون. وحين كان يجري تسليم تقرير فني لهم، كانوا يكتفون بالإجابة "افعل ما شئت، لا مشكلة!" . وكل من كان يصر على وجود إشكالية في التحكم في الجودة كان يعرض نفسه لخطر الاتهام بالانضمام إلى جبهة تحرير أرومو، التي كانت آنذاك مدرجة في قائمة الجماعات الإرهابية.
كان معظم هؤلاء الضباط، كغيرهم من الطبقة العليا في الجيش، من جماعة تيجراي العرقية. الآن بدت ميكيلي كحصن لحكومة في المنفى، إذ بات مسؤولو الحكومة السابقة والمديرون التنفيذيون لشركة Metec يترددون بشكل مضطرد على فندق Planet Hotel المحلي، وبعضهم يقضي أمسياته في بار Mountain Lounge في وسط المدينة.
نفي تهم الفساد عن الشركة
وفي الفندق، عارض عقيد سابق في الجيش يصف نفسه بأنه من مؤسسي شركة Metec بشراسة الاتهامات الموجهة للشركة بعدم الكفاءة وهدر المال. ويستشهد بتوسعة تصميم السد كدليل على قدرات الشركة الفنية. دخل أحد أصدقائه، وهو جنرال يرتدي قبعة بيسبول يغطي بها وجهه، إلى البار. وقال إنه مطلوب لدى الشرطة في أديس أبابا وأنه يختبئ في أحد الأحراش خارج ميكيلي. وجاء إلى الفندق ليستحم ويغسل أسنانه.
ويقول الكولونيل: تظهر حالات التأخير والصعوبات الفنية في مشروعات البنية التحتية الكبيرة في كافة أنحاء العالم. وأضاف: "من وجهة نظري، كان قراراً سياسياً أعمى" بسحب المشروع من Metec؛ والهدف منه في المقام الأول إنكار فضل أبناء يجران في الحكومة السابقة والجيش. وقد طلب كلا الضابطين عدم الكشف عن اسميهما خوفاً من عواقب ذلك.
أما جيتاتشيو رضا، أحد المقيمين في فندق Planet Hotel وعضو المكتب السياسية للائتلاف الحكومي المتفتت المكون من أحزاب عرقية والذي يحكم البلاد منذ عام 1991، فكان مقرراً لنا أن نجده في Mountain Lounge. كان يحتسي الويسكي بشرهٍ من زجاجة ويسكي من النوع الفاخر Johnny Walker Black Label، قبل أن يدخل في نوبة من الرقص على أنغام الأغنية القتالية للتيجراي ونشيدها الوطني الذي يحمل عنوان "We Shall Overcome"، بحسب الوكالة الأمريكية.
هل يمكن تفكيك هذه الشركة العملاقة؟
يرى جيتاتشيو هو الآخر أن تفكيك Metec أمرٌ ذو صلة بالسياسة الإثنية. ذلك أن أغلبية الضباط الأربعة عشر الذين وجهت لهم اتهامات بالفساد، من جماعة التيجراي العرقية. وقال: "ثمة تطهير عرقي يحدث، يمكنني أن أقول ذلك" .
لا تشغل ميمبيري ميكونين نفسها بهذه السياسات العليا. كل ما تذكره هو أن هاتف سمجنو كان يدق دون توقف في اليوم السابق على وفاته، لدرجة لم تترك له فرصة الحديث إلى ابنه الصغير، 16 عاماً، وطفلته، 9 أعوام. كان مكتئباً وبدا عرضة لضغط شديد في تلك الليلة، غير أنه لم يقتل نفسه كما تصر هي، رافضة رواية الشرطة أنه ترك رسالة تشير إلى انتحاره. كما قالت الشرطة إنه اتصل بسكرتيرته قبل أن يموت وطلب منها "الاهتمام بالصغار" .
وتفيد رواية الشرطة أن سمجنو أطلق النار على نفسه بمسدسه لأنه كان يشعر بالضغط من التأخير في إنشاء السد ومن أن شركة Metec قد أنفقت أموال البلاد بقدر هائل لا يبرره التقدم المحرز. وأضافت الشرطة أنه لم يمُت على الفور، بل اضطرت الشرطة لكسر النافذة لإخراجه. وفي رسالته المزعومة التي تشير الشرطة إلى وجودها، قال إنه رغب في ترك البلاد غير أنه شعر أنه لن يستطيع تبرير تصرفه أمام الشعب الإثيوبي.
لا تزال ميمبيري تنتظر ابنتها، زوجة سمجنو السابقة، لكي تؤمن لجوءاً في كندا، يمكنها بعده إرسال الأطفال لها هناك. ذلك أن الطفلين سيكبران على قصة ليست بالسهلة. فقد تركت أمهما المنزل قبل أن يموت والدهما، الذي انشغل عنهما بالسد لدرجة أنه كان يتركهما ينتظرانه ولا يأتي لزيارتهما كما وعد.
تقول ميمبيري في هذا الصدد: "أحب السد أكثر مما أحب هذين الطفلين، لأنه ظن أنه سيغير وجه إثيوبيا" . ولم يصدر منها، كغيرها من الإثيوبيين تشكّك في قيمة السد أو أهميته، ولكنها ترى أن البلاد "فقدت بطلاً" .